يبدو أنّ المادّة المظلمة ظلّت تتشبّث بالمجرّات لفترة طويلة جدًّا. كانت معظم المجرّات الموجودة قبل 10 مليارات سنة تحوي مادّة مظلمة بكميّة مماثلة لمجرّات اليوم؛ ما يتناقض مع الدراسات السابقة التي أشارت إلى وجود مادّة مظلمة أقلّ تتوارى حول المجرّات في بدايات الكون.

قال (ألفريد تايلي – Alfred Tiley) وهو عالم فلك في (جامعة دورهام – Durham University) في إنجلترا، وكاتب رئيسي للدراسة الجديدة: «كانت المادّة المظلمة وفيرة في المجرّات ذات النجوم المتشكّلة في الماضي البعيد كما هي في يومنا هذا». وقد قُدّم البحث مؤخّرًا إلى مجلّة الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكيّة الملكيّة (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society)، ونُشر في 16 تشرين الثاني في المجلّة ما قبل المطبوعة arXiv. «لم تكن مفاجأة كاملة، لكن في الواقع، لم نكن نعرف ما إذا كان الواقع المرصود سيتماشى مع التوقعات النظرية».

تشكّل المادّة المظلمة ما يقارب 85٪ من الكتلة الكليّة للكون المعروف لنا، لكن هذه المادّة الغامضة لا تتفاعل مع الضوء، ما يعمي بصر العلماء عن معرفة طبيعتها الدقيقة. لذا، بدلًا من مشاهدتها، على الفلكييّن الاعتماد على سَحب المادّة المظلمة الجاذبيّ للمادّة الطبيعية، التي تُسمّى (المادّة الباريونية – baryonic matter)، والتي تشكّل السُدُم والكواكب والنجوم التي نراها في السماء ليلًا، وكذلك كلّ الشجر، والحجر، والبشر على الأرض.

تميل المادّة المظلمة إلى التكتّل بهيئة هالات حول المجرّات؛ اكتشف علماء الفلك هذا عن طريق قياس سرعة دوران المجرّات.

تبعًا لقانون نيوتن للجاذبيّة، يجب أن تدور النجوم على مشارف مجرّة ما بسرعة أبطأ بكثير من تلك الموجودة في المركز. لكن في الستينيات من القرن العشرين، وجد علماء الفلك نجومًا سريعة في تخوم المجرّة على حافة درب التبانة، والتي ألمحت إلى وجود مادّة إضافية تختبئ خارج المدارات المجرّية لتلك النجوم.

ومنذ ذلك الحين قامت دراسات بقياس الآلاف من معدّلات الدوران في جميع أنحاء الكون، ما يؤكّد وجود هالات المادّة المظلمة تلك.

في الدراسة الجديدة، استخدم الباحثون البيانات من استقصائَين لـ 1500 مجرّة ذات النجوم المتشكّلة لحساب معدّلات الدوران لمجرّات تعود إلى 10 مليارات سنة. إنّ القياس الدقيق للدوران المجرّي في الماضي الكوني البعيد أمرٌ صعب، لأنّ هذه المجرّات القديمة بعيدة وباهتة إلى أبعد حدّ. لذا، قدّر العلماء متوسّطًا عن طريق تجميع المجرّات وفقًا للبعد، ثمّ مزج الضوء المنبعث منها.

قال تايلي للايف ساينس (Live Science ): «تقديرنا لكميّة المادّة المظلمة في المجرّات هو ما يعادل متوسّط جميع السكان في كل عصر، وقد تختلف كميّة المادّة المظلمة داخل المجرّات المفردة بشكلٍ كبير».

مع أخذ كتلة المجرّة وكثافتها بالحسبان، وجد الباحثون كميّات متكافئة تقريبًا من المادّة المظلمة للمجرّات التي كانت موجودة منذ زمن بعيد في ماضينا الكوني، كما هو الحال بالنسبة إلى المجرّات في كوننا الحالي.

لكن لم يقتنع الجميع بشكل كامل؛ فهذه النتائج تتعارض مع الدراسات السابقة التي وجدت أنّ المجرّات في بدايات الكون كانت تحتوي مادّة مظلمة أقلّ من المجرّات الأحدث. نظرت تلك الدراسات إلى مجرّات مفردة أكبر بكثير، واستخدمت نموذجًا مختلفًا للاستدلال على كميّة المادّة المظلمة.

أخبر (راينهارد جنزل – Reinhard Genzel) لايف ساينس (LiveScience)، وهو كاتب رئيسي لإحدى الدراسات السابقة وعالِم فلك في معهد ماكس بلانك للفيزياء الفضائية (Max Planck Institute for Extraterrestrial Physics) في (جارشينج، ألمانيا – Garching, Germany): «لا يستخدم البحث الجديد سوى واحدة من المقاربات الأربعة المستقلّة التي استخدمناها للوصول إلى استنتاجنا».

وجد تايلي أنّ نتائج فريقه كانت تعتمد بشكل كبير على النموذج الذي استخدموه. في النهاية، اختار أن يستخدم نموذجًا وجده وزملاؤه أكثر تمثيلًا للمجرّات منخفضة الكتلة التي يعتقد العلماء أنّها سادت في الحقبة الأولى.

تشير عمليّات المحاكاة الحاسوبيّة إلى أنّ المجرّات ذات الكتلة الكبيرة جدًا، مثل تلك التي درسها جينزل، نادرة في الكون البعيد.

قال تايلي للايف ساينس (LiveScience): «يبدو أنَّ نتائجهم تنطبق على المجرّات الضخمة للغاية في هذه الحقبة البعيدة، ولكنّها قد لا تمثّل المجرّات ذات الكتل النجميّة الأقل نسبيًّا، مثل تلك التي درسناها في عملنا»

النتائج الجديدة تتطابق مع ما يمكن توقعه من النموذج السائد للمادّة (لامدا البارد المظلم – lambda cold dark)، والذي يصف كوننا. يشرح هذا النموذج كيف شُيّدَ الكون ولماذا يتوسّع بمعدّل متسارع دائم.


  • ترجمة: رولان جعفر
  • تدقيق: جعفر الجزيري
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر