كعادة كل شتاءٍ تستيقظ في صباح أحد الأيام لتجد نفسك مُصابًا بالحمى أو السعال.

لقد قام أحد الفيروسات بالاستيلاء على وظائفك الخلوية لتصنيع البروتينات الخاصة به، لقد أصبحت مَصنعًا للفيروسات.

قد تعتقد أن هذا هو دور الفيروسات الوحيد، لكن الأمر أعقد من ذلك، فالكثير من الأدلّة دعّمت فكرة أن الفيروسات لعبت دورًا مهما في تطور الكائنات الحية.

بالانتقال من بدائيات النواة إلى حقيقيات النواة، من كائنات لا تحتوي خلاياها البسيطة على نواة أو أي عُضيات أخرى، إلى كائنات مُعقدة التركيب كجسدك.

التطور لا يقتصر فقط على العُضيات، بل محتويات الخلية مثل البروتينات التي تختلف تمامًا في تركيبها ونسب وجودها في أوليّات النواة عن حقيقيات النواة.

في دراسة قام بها كيث دانكر عام 2012 -باحث بجامعة إنديانا- بتسليط الضوء على نوع معين من البروتينات تسمى (البروتينات المضطربة-IDPs)، وركز على الفرق في نسبة تلك البروتينات في خلايا بدائيات النواة وحقيقيات النواة.

إذ وجد أن نسبة البروتينات في الخلايا البدائية لا تتعدى 28%، وفي الخلايا المُعقدة لا تقل عن 32%.

إذن في تحول بدائيات النواة إلى حقيقات النواة كيف زاد تركيز البروتينات المضطربة بهذا الشكل؟

في نفس الدراسة فحص دانكر وزملاؤه نسبة البروتينات المضطربة في أنواع مختلفة من الفيروسات، وتراوحت النسب ما بين 7.3% إلى 77.3% على حسب نوع الفيروس.

بناءً على هذه النتائج قد يكون للفيروسات دورٌ في عملية الانتقال من خلايا بدائيات النواة البسيطة لخلايا أكثر تعقديدًا.

التفسير المتعارف عليه لتكوّن حقيقيات النواة هو ابتلاع إحدى الكائنات البدائية لأخرى، ليتحول الكائن المُبتلِع إلى أحد العُضيات.

لكن هذه الفرضية لا تفسر سبب وجود نسبة مُرتفعة من البروتينات المضطربة في حقيقيات النواة.

يقول دانكر: «إن النتائج التي توصل إليها تدعم فرضية أخرى.

بعض الفيروسات مثل (الفيروسات العملاقة-Giant mimivirus) لديها نسب من البروتينات المضطربة مُقارِبة لتلك الموجودة في حقيقيات النواة، ويقترح أن خلايا بدائية مثل الخلايا البكتيرية، ابتلعت الحمض النووي لتلك الفيروسات في عملية تُسمى Eukaryogenesis ما يؤدي في نهاية المطاف لتكوّن النواة واحتوائها على نسبة مرتفعة من البروتينات المضطربة».

وأوضح دانكر أن العديد من العلماء يفترضون أنه عندما يمتلك الفيروس والمُضيف شيئًا مشتركًا، يلتقطه الفيروس من المُضيف.

والعكس صحيح.

وعندما بحث عن تفسير محتمل لسبب وجود فرق في النسب المئوية للبروتينات المضطربة بين حقيقيات النواة وبدائيات النواة والفيروسات، استلهم دانكر حديث باتريك فورتير من معهد باستور في باريس، الذي جادل بأن اتجاه تدفّق الصفات بين الفيروس والمُضيف ما يزال غامضًا وغير واضح.

وأضاف أيضًا: «الفيروسات لديها هذا النطاق الواسع من البروتينات المضطربة، من منخفض إلى مرتفع، قد تكون قد تطورت نسبة تلك البروتينات في العالم الفيروسي لتتناسب مع الوظائف الفيروسية ثم انتقلت من الفيروس إلى المُضيف.

لكننا لا نعرف الطريقة التي ذهبت بها».

لذا، في المرة القادمة التي تُصاب فيها بالأنفلونزا، تذكر أنه دون فيروسات ربما لم نكن قد تطورنا.


  • ترجمة: عُمر حسنين
  • تدقيق: مينا خلف
  • تحرير: محمد سفنجة
  • المصدر