في عام 30 AD (ميلادي) في جنوب شرق إنجلترا ولدت المرأة المحاربة بوديكا.

تزوجت بوديكا من براسوتاغوس (Prasutagus) وهو زعيم قبيلة سلتية تدعى (إيسيني–Iceni) في جنوب شرق إنجلترا سنة 48 CE (تقويم ميلادي يدعى يوليوسي يكافئ AD وهو تقويم ميلادي يدعى غريغوري)، وخلال فترة حياتهم التي عاشوها في منطقة (نورفولك–Norfolk)، مُنحوا شبه استقلال من المحتلين الرومان.

ومنح براسوتاغوس الحرية ليكون ملكًا على قبيلة إيسيني ولكن تحت السيادة الرومانية.

وعلى الرغم من مزايا الحكم التي منحها الرومان للشعب الإيسيني، عانى الكثيرون من الاضطهاد والعبودية والضرائب المرتفعة.

بعد وفاة براسوتاغوس، صدر أمر روماني بمصادرة ممتلكاته وممتلكات قادة قبيلة إيسيني وسلطاتهم ونقلها إلى الإمبراطور الروماني، تكفّل بهذا الأمر القادة المحليون من الرومان.

وكان براسوتاغوس قد رزح تحت ضغط الديون خلال حياته ما حتم على زوجته بوديكا تسديد هذه الديون للرومان، وقد تعرّضت للإهانة والضرب وهي عارية لعدم قدرتها على سدادها.

كتب المؤرخ الروماني تاسيتس: «اغتصب الجنود الرومان بنات بوديكا».

وعانت قبيلة (تراينوفا–Trinovantes) نفس أنواع الاضطهاد، ما أدى إلى زيادة مشاعر التمرد لدى البريطانيين الأصليين.

على إثر ذلك، بدأت بوديكا توحيد القبائل البريطانية المتناحرة وقيادتها في ثورة ضد الُمحتل الروماني.

وصف الكاتب (كاسيوس ديو–Cassius Dio) بوديكا قائلًا:
«ممشوقة القامة، نظراتها كأنها تطعنك، صوتها قاس وجهوري، شعرها الأحمر الكثيف يتراقص على خصرها، قلادتها الكبيرة الذهبية حول رقبتها، وعباءتها الصوفية المثبتة بدبوس مزخرف».

بدأ التمرد وبدأت المعارك، وكان الهدف الأول لبوديكا والبريطانيين هو مدينة (كولتشيستر–Colchester) الرومانية التي تضم معبدًا للإمبراطور الروماني (كلوديوس–Claudius)، وتعد رمز الحكم الروماني هناك.

لم تكن هناك مقاومة تذكر في المدينة ولم يواجه البريطانيون أي صعوبة في السيطرة على المدينة وتدميرها بالكامل.

وصلت الأخبار إلى الحاكم الروماني (سوتونيوس– Suetonius) وكان يقود المعارك في منطقة (أنجليزي–Anglesey) غرب إنجلترا آنذاك، فتوجّه على الفور إلى لندن لاعتقاده بأهمية الدفاع عنها، إذ كانت مزدهرة رغم كونها مركزًا ماليًا متواضعًا، هنا أخذ بعين الاعتبار تزايد أعداد المتمردين البريطانيين، فترك المدينة تحت حماية ضعيفة.

مكّن هذا المتمردين من السيطرة على لندن وبعد ذلك أيضًا مدينة (سانت ألبانز–St Albans) شمال لندن. لم يظهر البريطانيون أي رحمة تجاه أعدائهم؛ يثبت ذلك حصيلة القتلى في المدن الثلاث والتي بلغت 80000.

وصف المؤرخ تاسيتس:
«وقعت كارثة كبيرة، 80000 قتيل من الرومان وحلفائهم، نُهبت المدن وخُربت، فقدت روما هذه الجزيرة (بريطانيا). شعر الرومان بالعار الشديد، كيف لا؟ ومن تسبب لهم بكل هذا امرأة.

من قاد هذه القبائل ووحّدها في وجه الرومان كان بوديكا، ومن غيرها؟
فهي امرأة بريطانية نبيلة تستحق أن تكون قائدة، لتمتّعها بالذكاء والجرأة أكثر من معظم النساء حينها».

قادت بوديكا جيشها القوي والمتنامي إلى الشمال لملاقاة القائد الروماني سوتونيوس، على طول الطريق كان جيشها ينصب الكمائن للجنود الرومان على الطرق الضيقة.

في نهاية المطاف اجتمع الجيشان في مكان مكشوف، يُحتمل أن يكون على طول الطريق المرصوف حينها (Watling Street)، بالرغم من قلة عدد الرومان مقارنة بالبريطانيين، تميّزوا بالتكتيكات العسكرية المميزة والانضباط والتسليح الجيد.

اختار الرومان مكانًا ضيقًا لإفقاد المتمردين ميزتهم العددية، بينما صدّت فرق الرماح الرومانية الموجة الأولى من البريطانيين.

عندما جاءت الموجة الثانية ثَبُتَ الرومان خلف جدار من دروعهم القوية وبدؤوا بطعن البريطانيين بسيوفهم القصيرة ما أدى في نهاية الأمر إلى مقتل 400 جندي روماني فقط بينما ذُبح ما يقارب ال 200000 من البريطانيين.

تتباين القصص حول مقتل بوديكا متأثرة بجراحها في المعركة أو انتحارًا عن طريق السم.

اكتسبت بوديكا أهمية كبيرة في العصر الفيكتوري، إذ أوعز زوج الملكة فيكتوريا الأمير ألبرت بوضع تمثالها أمام مبنى البرلمان في لندن.

أصبحت بوديكا رمزًا للإمبراطورية البريطانية، وكان هذا مثيرًا للسخرية نظرًا إلى أن بوديكا كانت مناهضة للإمبريالية.

أثار التمرد الذي قادته بوديكا موجات صادمة في الإمبراطورية الرومانية كادت أن تجبرهم على الانسحاب ومغادرة بريطانيا، لكن الإمبراطور (نيرون–Nero) قرر استبدال الحاكم سوتونيوس بحاكم أكثر قدرة وحيادية وهو (بابليوس بترونيوس توربيليانوس–Publius Petronius Turpilianus).

وردت معظم المصادر في أيام بوديكا من المؤرخ الروماني تاسيتس، الذي كان والد زوجته (أغريكولا–Agricola) بمثابة مستشار عسكري في عهد سوتينوس باولينوس، ما أعطى تاسيتس ميزة شاهد العيان لثورة بوديكا.

  • ترجمة: عمر النبواني
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: كارينا معوض
  • المصدر