بعد أن انسحب رئيس الولايات المُتحدة الأمريكية (دونالد ترامب) من الاتفاقية النووية مع إيران، بدأ الناس يتساءلون عن رغبة الدول الشرق أوسطية في استغلال طاقتها في بناء مُفاعلاتٍ نووية، وإنتاج أسلحةٍ نووية، ومع فرض عقوباتٍ اقتصادية على إيران، وحظر تصدير اليورانيوم إليها، وصعوبة الحصول عليه، فحينئذٍ ستُطرح أحد الأسئلة الهامة:

كيف سيحصل الباحثون الإيرانيون على الكمية الكافية من اليورانيوم، وهو المكون الرئيسي للأسلحة النووية ؟!.

يُعد تخصيب اليورانيوم أحد الخطوات الأساسية والرئيسية للحصول على الأسلحة النووية، ولكنّ نوعًا واحدًا فقط من اليورانيوم هو الذي يُمكن أستخدامه لهذا الغرض، وللحصول على هذا النوع الفريد من بين العديد من الأنواع المتوفرة، لا بُد من توافر المهارة والخبرة الهندسية العالية، بالرغم من توافر التكنولوجيا والآلات اللازمة لفصل هذا النوع، منذ عقودٍ طويلةٍ من الزمن، ولكنّ الشيء المهم هنا هو في كيفية التعامل مع هذه التكنولوجيا وتلك الآلات، وهو ما يتطلب مهندسين على قدرٍ عالٍ من المهارة والخبرة.

فذرة اليورانيوم مثل أي ذرةٍ لعنصرٍ آخر، لديها العديد من النظائر التي تختلف عنها في عدد النيوترونات الموجودة داخل النواة، ومن ضمن هذه النظائر (Uranium-235) الذي يُمثل حوالي 1% من اليورانيوم الطبيعي، بالإضافة أنه يُعد الوقود الأساسي للأسلحة والقنابل النووية، وهناك نظيرٌ آخر وهو (uranium-238) الذي يُمثل حوالي 99% من اليورانيوم الطبيعي، وليست له أية استخداماتٍ نووية.

ولتصنيع الأسلحة والقنابل النووية يجب الحصول على (Uranium-235)، والمبدأ الأساسي لفصل هذا النظير من اليورانيوم عن باقي ذرات اليورانيوم، أنه أخفّ وزنًا من (uranium-238)، وللحصول على كمية صغيرة من (Uranium-235) المتواجد في كل عيّنة طبيعية من خام اليورانيوم، يقوم المهندسون أولًا ببعض التفاعلات الكيميائية لتحويل خام اليورانيوم إلى غاز، وبعد ذلك يُعبأ الغاز في أسطوانات طردٍ مركزي (يبلغ حجم الأسطوانة الواحدة حجم إنسان بالغ وربما أكثر)، ثم تبدأ عملية الطرد المركزي للغاز عند سرعاتٍ عالية للغاية، الذي يعمل على دفع وتراكم ذرات (uranium-238) الأكبر حجمًا عند جدران الأسطوانات، تاركة منتصف الأسطوانة ممتلأً بذرات (Uranium-235) الأصغر حجمًا، ما يُسهل عملية فصله والحصول عليه في أسطواناتٍ أخرى بشكلٍ منفرد.

ولكن مرحلة الطرد المركزي تستمر لفترةٍ طويلة ولمراحل متعددة، لأن بعد كل عمليةٍ يتم عزل كمية قليلة من (uranium-238)، وينتقل الخليط لأنبوبٍ جديد، وتُعاد العملية مرةً جديدةً وهكذا، لدرجةٍ تصل إلى آلاف المرات والمحاولات،  حتى نحصل على (Uranium-235) نقيّ دون أي ذرةٍ من (uranium-238).

حقائق و معلومات عن عنصر الروثينيوم

لربما عند زيارتك لإحدى المحطات النووية ستجد الآلاف من أجهزة الفصل المركزي متراصة بجوار بعضها البعض، لعزل (Uranium-235) بصورةٍ نقية.

وبعد إتمام عملية الفصل بشكلٍ كامل، يعمل المهندسون بعد ذلك لتحويل (Uranium-235) من الصورة الغازية للصورة الصلبة، وذلك عن طريق بعض التفاعلات الكيميائية، استعدادًا لاستخدامه في صنع الأسلحة والقنابل النووية، ونظرًا أن العملية برُمّتها تعتمد في الأساس على عملية الفصل المركزي لذرات (Uranium-235)، فإن الموضوع مكُلفٌ للغاية، لأن كل مرحلة من مراحل الفصل نحصل منها على كمياتٍ قليلةٍ جدًا من (Uranium-235)، ما يجعل العملية تحتاج إلى وقت طويل، وأجهزة عديدة ذات كُلفةٍ ماديةٍ مرتفعة، وتكنولوجيا هندسية مُعقدة، لأن هذه الأجهزة تتطلب في تصنيعها نوعًا مُعيّنًا من الصلب، وموادّ مُركبة لتتحمل سرعة الدوران والضغط الناشئ عنه، ويكون شكلها أسطوانيًا تمامًا لتعمل بكفاءةٍ عالية، كل هذه الأمور تجعل امتلاك بعض الدول للمفاعلات النووية أمرًا صعبًا جدًا أو قد يكون مُستحيلًا.

 

ولنوضح لكم بشكلٍ كافٍ أهمية فصل اليورانيوم بالطريقة الصحيحة، سنقدم لكم مثال القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما.

فالولايات المُتحدة احتاجت ما يقرب من 62 كجم من (Uranium-235) لصنع تلك القنبلة، وتم الحصول على هذه الكمية من 4 أطنان من اليورانيوم الخام، واستهلاك 10% من كهرباء الولايات المتحدة، وعمالة يدوية قدرها 20 ألف عاملٍ لبناء الهيكل الداخلي للقنبلة، و 12 ألف عاملٍ للقيام ببعض التسهيلات أثناء التصنيع، وكلّفت الدولة ميزانية قدرها 500 مليون دولار عام 1944، أي ما يُعادل 7.2 مليار دولار عام 2018.


  • ترجمة: مازن عماد
  • تدقيق: سلام طالب
  • المحرر: ماتيو كيرلس
  • المصدر