معلومات عن البطلة الفرنسية التاريخية جان دارك (Joan of Arc 1412-1431)، القديسة عند الروم الكاثوليك والتي ولدت لعائلة غير معروفة من الفلاحين، توجهت إلى الدوفين منزوع الحكم (الإبن البكر لملك فرنسا ووريث عرشه) وحثته على مقاتلة الإنجليز واستعادة عرشه.

أُرسِلت جان دارك إلى جانب القوات الفرنسية التي ذهبت لمحاصرة أورليانز Orleans وبرزت بشكل لافت بعد انتهاء الحصار الذي دام 9 أيام.

أُلقي القبض عليها في وقت لاحق وحكم عليها بالحرق بتهمة الهرطقة والبدع.

مع ذلك، وبعد موتها بسبعة سنوات صدق توقعها وتوحدت فرنسا وهُزِم الإنجليز وتُوِّج تشارلز ملكًا لفرنسا.

ولدت جان دارك في دومريمي Domremy سنة 1412 في فرنسا.

تقول الأسطورة إنّ ولادتها شكلت نوعًا من التفاؤل بالانتصار على صعيدٍ وطني عام، مع ذلك، فالشيء المؤكد هو أن عائلتها كانت فقيرة جدًا ومنطقتها عانت من الحرب الطويلة مع الإنجليز.

تقول جان دارك: «لدينا حياة واحدة لنعيشها كما نؤمن بها، ولكن التضحية بما نحب وبطريقة عيشنا هو أخطر علينا من الموت بذاته».

منذ عمر مبكّرة، عُرف عن جان دارك طبعها الحساس وميولها الديني، ويقول بعض الأصدقاء: كانت ملتزمةً إلى حد كبير بخدمة الله ومريم العذراء.

في سن الثانية عشرة، بدأت تأتيها الرؤى الباطنية، وكانت تقول إنها شعرت بصوت الله يأمرها بتجديد الأمة الفرنسية.

في تجربتها الأخيرة قالت جان دارك إن هذه الرؤى حقيقية كحقيقة رؤية شخص أمامك.

غالبًا كانت الرؤى مصحوبة بضوء ووجود القديسين سانت مايكل وسانت كاترين St Michael and St Catherine.

تقول: « كُنت في الثالثة عشر عندما أتاني صوت من الله لمساعدتي وتوجيهي.

في المرة الأولى التي أتتني الرؤية فيها كنت خائفة للغاية.

حدث ذلك في يومٍ صيفيٍّ في منتصف النهار في حديقة والدي».

أصبحت جان دارك أكثر ميلًا للدين منذ ظهور هذه الرؤى، وكثيرًا ما كانت تذهب للاعتراف، ويُقال إنها عندما تسمع صوت أجراس القداس تترك عملها وتذهب إلى الكنيسة على الفور.

في البداية لم تخبر جان دارك أي أحد عن الرؤى التي كانت تأتيها، لكن في 1428 حثتها الرسائل الإلهية على البحث عن مناصرين مع تشارلز دي بونتيو Charles de Ponthieu والذي كان وريث عرش فرنسا ولكنه غير معروف نسبيًا بين الفرنسيين.

عندما كانت جان دارك لا تزال طفلة، انقسمت فرنسا بشكل خطير مع ضعفٍ في الوحدة بين الفرنسيين.

وفي عام 1415 غزا الملك هنري الخامس ملك إنجلترا فرنسا وهزم الجيش الفرنسي في موقعة أجينكورت Agincourt. هذا النصر الشهير على النبلاء الفرنسيين ترك البلاد في انقسام وضعف.

كانت الانقسامات القوية بين الدوفين (الابن البكر لملك فرنسا و وريث عرشه) والإنجليز في مصلحة البورجنديين Burgundians (قبائل جرمانية شرقية).

تحت قيادة تشارلز دي بونتيو كان الفرنسيون دون توجيهٍ ومن دون قائدٍ حقيقي.

لكن عندما جاءت جان دارك إلى البلاط تركت انطباعا قويًا عند تشارلز بشغفها وإيمانها، من اللافت للنظر أن هذه الفتاة الريفية قوية التأثير والحضور كانت تبلغ من العمر 17 عامًا فقط.

ونتيجةً لهذا الانطباع القوي مُنحت قيادة الجيش وسُمح لها بقيادة المعارك، في غضون عام قادت جان دارك الجيش الفرنسي إلى الانتصار في العديد من المعارك أشهرها أورليانز Orleans وباتاي Patay وترويز Troyes.

وقد حُرِّر العديد من البلدات والمناطق من سيطرة الإنجليز، سمح هذا للدوفين بالدخول منتصرًا ليُتوّجٍ ملكًا لفرنسا بلقب تشارلز السابع في 17 تموز 1429.

بالنسبة لمآثرها وقيادتها، مُنِحت جان دارك وعائلتها مكانةً نبيلة.

وقد فازت أيضًا بقلوب وولاء الجنود الفرنسيين الذين اعتبروها زعيمةً أسطورية.

اقرأ ايضًا:

بوديكا المرأة التي قادت ثورة ضد الإمبراطورية الرومانية

لكن وبعد عام من ذلك، ألقى البورجنديين القبض على جان دارك وباعوها للإنجليز.

تم توثيق محكمتها بشكل جيد وأظهرت مدى قوة شخصيتها وبصيرتها.

قرر الإنجليز وبعض رجال الدين الفرنسيين تقديم جان دارك إلى المحاكمة على أنها تتعامل بالسحر والشعوذة، وتقديمها بهذه الصورة للمحاكمة كان عملًا ذكيًا من قبلهم.

كان المحقق الكَنَسي الشهير بيير كوشون Pierre Cauchon مؤيدًا قويًّا للإنجليز الذين كانوا يكرهون جان دارك بشدة، بسبب إحيائها للروح الوطنية الفرنسية.

ومع ذلك، كان المحقق بيير يشعر صراحةً بأنه مجبرٌ على تطهير روح جان دارك الخالدة من اللعنة المرتبطة بالادعاءات الموجهة لها.

وكشفت المحادثة بين بيير وجان دارك عن قوة شخصية جان دارك.

حتى أنها حذرت الأسقف من إصدار حكمٍ كاذب.

وجاء على لسان جان دارك في تحذيرها للأسقف كوشون: «أنت تقول إنك قاضٍ. لا أعلم ما إذا كنت كذلك! لكني أخبرك أنه يجب عليك أن تحرص على عدم الحكم عليّ بشكل خاطئ، لأنك ستضع نفسك في خطر كبير. أنا أحذرك، حتى إذا كان الله سيعاقبك على ذلك، من واجبي تحذيرك!».

كانت المحاكمة تجربةً قوية لجان دارك، في البداية عقدت المحاكمة علانية، لكن ردودها كانت حادة جدًا وغير متوقعة من قبل المدّعين العامين.

شكّلت إجابات جان دارك تحديًا لسلطة الكنيسة.

تقول: «إنهم لا يأمرونني بعصيان الكنيسة، لكن الله يجب أن يُخدم أولًا».

خلال استجوابها، شدّت أزر نفسها وجاوبت بشكل قوي ولاذع على الاستفزازات الموجهة لها.

أثارت إجاباتها المباشرة وتواضعها تعاطف العامة.

على سبيل المثال من الاستفزازات، حاول الادعاء جاهدًا أن يجبرها على الكُفر.

فسألوها: «هل تعرفين ما إذا كنتِ في نعمة من الله؟».

جاوبت: «إن لم أكن، الله وضعني. إن كنت، الله يبقيني. يجب أن أكون الأكثر حزنًا في العالم إذا علمت أنني لم أكن في نعمة الله. لكن لو كنت فعلًا في حالة من الخطيئة؟ هل كانت ستأتيني هذه الأصوات والرؤى؟».

اقرأ ايضًا:

لاول مرة : تسجيل النشاط الدماغي لرجل في اللحظة التي ادعى فيها ” رؤية الله “

في النهاية استمرت المحاكمة داخل أبواب مغلقة، وكانت مهددة بالتعذيب رغم أنه لم يثبت تعرضها للتعذيب حينها.

وكما هو متوقع، تمّت إدانتها وحُكم عليها بالحرق على الوتد.

في مواجهة هكذا محنة قاسية انهارت جان دارك واعترفت، لكن بعد أسبوع عادت إلى قوتها من جديد وسحبت اعترافها، ما يعني عودة الحكم بالحرق على الوتد.

ويروي الشهود أنّها واجهت محنتها بكل كرامة وقوة، ويقال إنّ أكثر من 10.000 شخص جاؤوا لمشاهدة إعدامها حرقًا.

بعد ذلك نُثر رمادها على نهر السين.

تقول الأسطورة: «بقي قلبها غير متأثرٍ بالنار».

وبعد ستة وعشرين عامًا، أُخرج الإنجليز من روان Rouen أخيرًا، وفي تحقيق تم الإعلان عن براءتها وتم إعلانها شهيدة.

وفيما بعد طُوِّبت قديسة في 1920 وعُرفت بشفيعة فرنسا.

حققت جان دارك إنجازًا هائلًا بالرغم من قصر حياتها والتي دامت 19 عامًا فقط.

وتجسّدت في الولاء الديني بشجاعة وتواضع، وساعدت حياتها على تغيير مسار التاريخ الفرنسي.

اقتباس: تيجوان باتنجير (سيرة جان دارك) أكسفورد، المملكة المتحدة، تشرين الأول 2013.


  • ترجمة: عمر النبواني
  • تدقيق: بدر الفراك
  • تحرير: حسام صفاء
  • المصدر