استطاع العلماء إصلاح عيب طبيعي في عملية التركيب الضوئي او التمثيل الضوئي ، ما أدى إلى زيادة إنتاجية النباتات و نمو المحاصيل بنسبة ٤٠٪ مقارنة بمثيلاتها في البرية. التمثيل الضوئي او التركيب الضوئي هو التفاعل الكيميائي الذي يسمح للنباتات بالاستفادة من أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى غذاء. وفقًا لهذا الاختراق الجديد سنتمكن من الحصول على كميات أكبر من السعرات الحرارية لإطعام مئتي مليون شخص إضافي على كوكبنا، بنفس حجم المحاصيل. حتى الآن تم تطبيق هذا الإصلاح على نباتات التبغ فقط، وإن كنا لم نطبقها على النباتات الغذائية بعد، تعد هذه الخطوة واعدة.

إذن ما هو “الخلل” الذي يحتاج إلى إصلاح؟ إنها مرحلة غامضة بعض الشيء في عملية التركيب الضوئي تدعى “التنفس ضوئي الإحداث” (photorespiration). يقول الباحث الرئيسي دونالد أورت (Donald Ort) من جامعة إلينوي معهد كارل ووز (Carl R. Woese) للأحياء الجينية: «يمكننا إطعام ما يصل إلى مئتي مليون شخص إضافي مع تقليل السعرات الحرارية المفقودة لعملية التنفس ضوئي الإحداث، في الغرب الأوسط في الولايات المتحدة كل عام». ويقول: «إن استرجاع جزء من هذه السعرات الحرارية المفقودة من النبات في جميع أنحاء العالم من شأنه أن يقطع شوطًا طويلًا في تلبية المتطلبات الغذائية السريعة في القرن الحادي والعشرين».

اكتشاف نوع جديد لعملية التمثيل الضوئي

في الكلمات الخالدة للدكتور إيان مالكولم (Dr Ian Malcolm) في الخيال العلمي الكلاسيكي Jurassic Park “الحياة تجد طريقة”. لفهم الخطأ، عليك أن تفهم قليلاً عن عملية التطور العشوائية، فما لم يقله هو في بعض الأحيان أن هذه الطريقة هي فوضى غير فعالة. لكي نكون منصفين، فإن التطور يقوم بما يستطيع في ظل هذه الظروف. مثال: طالب الدراسات العليا يبقى بانتظار العطلة الصيفية، فيقوم بما يلزم لكي يصل إلى هناك فقط، وأي عمل إضافي ما هو إلا مضيعة للجهد.

بالنسبة للعديد من النباتات، بما في ذلك الأرز وفول الصويا، عندما يتعلق الأمر بعملية التركيب الضوئي او التمثيل الضوئي ، فهي شبه خاوية، نتحدث عن عنصر الكربون C. واحدة من أكثر المراحل الغريبة هي المرحلة التي تشمل الإنزيم «ribulose-1,5-bisphosphate carboxylase-oxygenase (RuBisCO)» وهو إنزيم يشارك في الخطوة الرئيسية الأولى لتثبيت ثاني أكسيد الكربون، والذي يحفز التفاعل بين ثاني أكسيد الكربون ومركب ريبولوز مضاعف الفوسفات «compound ribulose-1,5-bisphosphate (RuBP)».

ميكانيكا الكم و التمثيل الضوئي

في ٢٠٪ تقريبًا من الوقت، يخطىء إنزيم (RuBisCO) بانتقاء الأكسجين بدلًا من جميع جزيئات الكربون ومصدرها ثاني أكسيد الكربون الهامة. هذه ليست غلطة صغيرة فحسب، بل يظهر حمض الجليكوليك والأمونيا كنتيجة لهذا الخطأ، وهما مركبان سامان يحتاجان إلى المعالجة السريعة قبل أن يتسببا بالكثير من الضرر. (حقيقة مسلية: RuBisCO يعدّ على نطاق واسع أكثر أنواع البروتين وفرة في العالم). لحسن الحظ «التنفس ضوئي الإحداث» هي عملية إعادة تدوير طبيعية طورتها النباتات لتخليص نفسها من هذه السموم. هنا نعلم لماذا تخسر النباتات طاقة أثناء عملية التركيب الضوئي ولا تمانع ذلك طالما أن تلك الطاقة تبقيها على قيد الحياة.

ولكن عندما يتعلق الأمر بزراعتها كمصدر للغذاء، فنحن سنتدخل بالتأكيد.

يقول الكاتب الرئيسي بول ساوث (Paul South) وهو عالم البيولوجيا الجزيئية في دائرة الأبحاث الزراعية التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية: «الزراعة تكلّفنا طاقة وموارد كبيرة كان يمكن أن نستثمرها لتطوير عملية التركيب الضوئي او التمثيل الضوئي لإنتاج المزيد من النمو والعائدات» . الأرز والقمح وفول الصويا كلها تعاني من الحاجة لإزالة تراكم السموم. واعتبارنا أنها ثلاثة من أصل أربعة محاصيل رئيسية يعتمد عليها السكان من كل أنحاء العالم لتأمين الغذاء، لا يمنعنا من التفكير أنه من المحتمل انخفاض إنتاجها في المستقبل بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض.

تقول المؤلفة المشاركة أماندا كافاناج (Amanda Cavanagh) من جامعة إلينوي: «لدى إنزيم (RuBisCO) المزيد من المشكلات في انتقاء ثاني أكسيد الكربون من الأكسجين كلما ارتفعت الحرارة، ما يسبب زيادة في عملية التنفس الضوئي» . كانت هناك العديد من المحاولات على مر السنين لإيجاد طرق تجبر نباتات المحاصيل على تجنب الحاجة إلى التخلص من السموم. وقد اشتملت العديد من الطرق على العثور على طرق التنفس ضوئي الإحداث الأكثر كفاءة التي اتخذتها الكائنات الحية الأخرى، بما في ذلك الطحالب والبكتيريا المختلفة. ويسمى هذا الجهد الأخير «تحقيق زيادة كفاءة التمثيل الضوئي او التركيب الضوئي (RIPE)»، وكان عملها هو اختيار الجينات من مكان آخر واختبارها.

أحضِرَت حفنة من بكتيريا الإشريكية الكولونية (E. coli) عن طريق أكسدة غليكولاك. أما العينة الثانية استخدمت جين (كاتالاز) من الإشريكية الكولونية أيضًا، وبعضها من غليكول أكسيديز ومالات سينسيز من النباتات. العينة الثالثة استخدمت جينات (مولت سينثاز) في النبات، وجين (جلايكولات ديهيدروجينيز) من طحلب أخضر وهو جين نازع للهيدروجين. استُخدِمت هذه العينات بشكل متزامن للعثور على المسار الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة من بين سبع عشرة طريقة مختلفة.

التحكم في مسار عمل (التنفس ضوئي الأحداث)، أو ما أصبح يعرف بعملية التخلص من السموم، أظهر نتائج بارزة عن باقي التجارب، ألا وهي زيادة في نشاط الأيض أكثر من ٤٠٪ عن الوضع السابق. هذه النتائج تترجم إنتاجًا أكبر من المحاصيل.

يبقى أن نراقب ما إذا كنا سنستفيد من هذه التدخلات في محاصيل أُخرى، علمًا أن الباحثين يعملون على ذلك. إذا أردنا توصيل الغذاء إلى المكان الذي نحتاج إليه في المستقبل، فسيكون على العلم أن يجد الوسيلة لذلك، فالطبيعة لا تجد ذلك دائمًا.

  • ترجمة: عمر النبواني
  • تدقيق رزان حميدة
  • المصدر