اين اختفى الاكسجين في الفضاء؟


نتنفّسُّهُ في كل دقيقة، ولكن نادرًا ما نرى أية جزيئات الاكسجين – أو ما يعرف بال O2 – في الفضاء.

حتى أنَّهُ في عام 1998، أطلقت ناسا قمرًا صناعيًّا كان من المفترض أن يجد الكثير من الاكسجين الجزيئي ولكنه لم يفعل – إلى حين أن خشيَ العلماء أنّ في الأداة خللًا ما، فوجَّهوها نحو الأرض.

والآن، فقد كشفت تجربةٌ أرضيّة سبب كونِ هذا الجزيء “المحيي” نادرًا جدًّا في الكون: لأنّ ذرّات الاكسجين تتشبث بإحكام إلى غبار النجوم، ممّا يمنعها من الارتباط مع بعضِها لتشكيل جزيئات الاكسجين  O2.

اكتشاف ينبغي أن يقدِّمَ فكرةً عن الظروف الكيميائية السائدة عند نشوء النجوم و الكواكب.

الأوكسجين هو العنصر الثالث الأكثر شيوعًا في الكون، بعد الهيدروجين والهيليوم، و قد توقّع علماء الفلك في السّبعينيّات من القرن الماضي، أنَّ الأوكسجين الجزيئي سيكون ثالث أكثر الجزيئات النجميّة شيوعًا، بعد الهيدروجين الجزيئي (H2) وأوّل أكسيد الكربون (CO).

لكن من الواضح أنّه ليس كذلك.

في الواقع، اكتشف علماء الفلك الأوكسجين الجزيئي النجمي في مكانين فقط: سديم الجبار (Orion Nebula) وسحابة Ruo Ophiuchi. و لكن حتى هناك، يعدُّ هذا الجزيء أندرَ بكثير ممّا تتنبّأه به النظريّة.

فعلى سبيل المثال، جزيئات الهيدروجين في سديم الجبار تفوق عدد جزيئات الأوكسجين بنسبة مليون إلى واحد.

و لشرح هذه النُّدرة، اقترح علماء الفلك مؤخّرًا أنّ ذرّات الأوكسجين ترتبط بإحكام مع جزيئات الغبار التي تملأُ السُّحب الفضائيّة.

و يقول “جياو هي”، عالم الفيزياء الفلكية التجريبي بجامعة سيراكيوز في نيويورك: “الجميع يعرف أن طاقة ارتباط الأوكسجين الذرّي مهمّةٌ جدًّا”.

ويضيف: “لكن لم يكن هناك قياسٌ تجريبيٌّ لهذا المعيار”.

والآن، فقد قام هو و زملاؤه بقياسِ هذا الرقم.

عمل العلماء على تسخين نوعين من المواد الصلبة التي تشكِّلُ حبيبات الغبار النجمي – جليد الماء والسيليكات – لتبيان مدى قابلية ذرات الأوكسجين على الهروب.

و كما أعلنوا مؤخّرًا في مجلّة الفيزياء الفلكية The Astrophysical Journal، فطاقة ارتباط الأوكسجين هي أكثر من ضعفَي ما كان قد حسبهُ العلماء قبل عقود: 0.14 إلكترو فولت لجليد الماء و 0.16 إلكترو فولت للسيليكات.

إ
نّها مرتفعةٌ بما يكفي للحفاظ على ذرات الأوكسجين متشبّثةً بغبار النجوم دون أن تقوم الحرارة الدنيا من الغيوم النجمية الباردة بطردها منها.

قد يكون السبب في أنَّ كمّية الأوكسيجين الذرّي في سديم الجبار صغيرة، هو موجةٌ صادمة انتزعت الذرّات من حبيبات الغبار.

بينما يزخر هواء الأرض بالأوكسجين لأن الأشجار و النباتات الأخرى أطلقتهُ فيها.

“إنّهُ قياسٌ قيِّمٌ للغاية”، هذا ما يقوله غاري ميلنك Gary Melnick، عالم الفيزياء الفلكية في مركز هارفارد سميثونيان للفيزياء الفلكية Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics في كامبريدج، ماساشوستس، الذي تنبّأَ مؤخّرًا أنَّ طاقة الترابط قريبةٌ من تلك النّسبة المرتفعة.

و أردف: “إنَّ هذا يفسّر الكثير.”

بإمكان ذرّاتِ الأوكسجين التي تطفو بعيدًا عن حبيبات الغبار النجمية الارتباط لتشكيل الأوكسجين الجزيئي.

ولكنها عندما تبقى عالقةً في تلك الحبيبات، تتّحد معها ذرات الهيدروجين لِتُكَوِّنَ جليد الماء (H2O) بدلًا من ذلك. يمكن للماء بعد ذلك أن يصبح جزءًا من الكويكبات والمذنبات والكواكب، ممّا يمهِّد الطريق لخلق الحياة.
بول جولد سميث Paul Goldsmith، عالم فلك في مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory في باسادينا، كاليفورنيا، أمضى أكثر من ربع قرنٍ باحثًا عن الأوكسجين الجزيئي النجمي، قبل أن ينجح أخيرًا عندما تفحّص التّلسكوب الفضائي الأوروبي “هيرشل” Herschel Space Observatory سديم الجبار في عام 2010 و قام بالكشف عن هذا الجزيء المراوغ.

“ربما أكون قد ضللتُ الطّريق في إمضاء سنواتٍ عديدة في البحث عنه، ولكن بطريقةٍ ما، وبفضل هذه البيانات المخبريّة و جميع البيانات المأخوذة من هيرشيل، يمكننا القول بأنّنا نفهم ذلك حقًّا الآن”.


المصدر