إن كلّ هذا التقدم العلمي الذي وصلنا إليه في عصرنا الحالي لم يأتي من الفراغ، ومما لا شك فيه بأنه كان ثمرة إنجازات حققها علماء في الفيزياء على مر العصور، حتى أن منهم من دفع حياته ضريبة إنجازاته! فلنتعرف معًا على قائمة بأبرز علماء الفيزياء على مر العصور.

أناكسيماندر

546 – 610 ق.م

أناكسيماندر هو صاحب فكرة أن الأرض ليست بحاجة لشيء ما تحتها كي يدعمها، فقد قال إن الأرض تعوم في مركز اللا نهاية، ثابتةً في مكانها كنتيجة لبعدها المتساوي عن جميع أجزاء الكون. غيّر أناكسيماندر بفكرته هذه نظرتنا لكوكب الأرض، وقدم في نفس الوقت فكرة قوة الجذب بين الأرض والكواكب والنجوم في السماء.

«برأيي فكرة أناكسيماندر هذه إحدى أجرأ وأكثر الأفكار ثورية في تاريخ فكر الإنسانية» كارل بوبير (1902 – 1994)، فيلسوف في العلم.

أرخميدس

212 – 287 ق.م

دفع أعظم عالم في العصور القديمة (أرخميدس) الرياضيات والفيزياء والهندسة إلى آفاق جديدة، فقد أنشأ علوم الفيزياء الميكانيكية والهيدروستاتيكية، اكتشف قوانين الروافع والبكرات، واكتشف أحد أهم مفاهيم الفيزياء: مركز الجاذبية. طبق معادلات رياضية متقدمة على العالم الفيزيائي، ألهم ما بقي من أعماله غاليليو غاليلي وإسحق نيوتن في دراسة قوانين الحركة.

غاليليو غاليلي

1642 – 1564

كان غاليليو أحد أوائل من استعملوا المقراب (التلسكوب) لدراسة السماء، كما كان أول من اكتشف أقمارًا تدور حول كوكب آخر، حين اكتشف أكبر أربعة أقمار للمشتري. اكتشف أن الزهرة يمر بمراحل كالتي يمر بها قمرنا؛ أول دليل عملي لا حسابي على أن الشمس تقع في مركز المجموعة الشمسية. كما اكتشف أيضًا قانون البندول.

اكتشف غاليليو أن الجاذبية تسرّع كل شيء بالتساوي، بغض النظر عن كتلتها، وأن تسارع الأجسام كنتيجة للجاذبية يتناسب مع تربيع زمن سقوطها. عرّف مبدأ القصور الذاتي. بكلمات أخرى، اكتشف قانون نيوتن الأول للحركة. حطمت اكتشافاته في مجال الميكانيكا فيزياء أرسطو المغلوطة، التي سيطرت على الفكر الغربي على مر ألفيتين.

يوهانس كيبلر

1630 – 1571

كسر يوهانس كيبلر تراثًا فلكيًا امتد لآلاف السنين، باكتشافه أن الأجسام السماوية تتبع مسارات بيضاوية الشكل. كانت قوانين كيبلر لحركة الكواكب تقدمًا مفاجئًا ومهمًا في فهمنا للكون، سمح قانون كيبلر الثالث لإسحق نيوتن بإنشاء قانون التربيع العكسي للجاذبية، كما اكتشف كيبلر نفسه قانون التربيع العكسي لشدة الضوء.

اكتشف كيبلر أن عيوننا تعكس الصور، ويصحح الدماغ الصور المقلوبة. كان كيبلر أول من برهن كيفية عمل اللوغاريتمات، سامحًا لعلماء الفيزياء باستخدامها دون قلق من مدى صحتها.

إسحق نيوتن

الفيزياء علماء

1727 – 1643

اخترع إسحق نيوتن حساب التفاضل والتكامل (رياضيات التغيير)، لم نكن لنستطيع دونه فهم سلوك الأجسام الصغيرة كالإلكترونات، أو الكبيرة كالمجرات. يعتبر كتابه المشهور (المبادئ – Principia) أحد أهم الكتب العلمية التي كُتبت. استخدم نيوتن فيه الرياضيات لشرح الجاذبية والحركة.

في البداية، لم يتمكن أحدٌ من فهم فيزياء نيوتن الجديدة، عندما مر نيوتن يومًا من أمام طلابه، أشار أحدهم لآخر: «ها هنا رجل كتب كتابًا لا يفهمه هو ولا أحد غيره». اكتشف نيوتن قانون الجذب العام، مبرهنًا بذلك دوران القمر حول الأرض تمامًا لنفس السبب الذي يؤدي لوقوع التفاحة من الشجرة.

وضع نيوتن ثلاثة قوانين للحركة (قوانين نيوتن) التي تقع في مركز علم الحركة، إضافةً لذلك، فقد برهن نيوتن على أن ضوء الشمس يتكون من جميع ألوان قوس قزح، وبنى أول مقراب عاكس صالح للاستعمال في العالم.

مايكل فاراداي

1791 – 1867

بإمكاننا القول إن مايكل فاراداي أعظم فيزيائي تجريبي على الإطلاق، أنتج تيارًا كهربائيًا في سلك بواسطة تغيير الحقل المغناطيسي، مكتشفًا بذلك الحث الكهرومغناطيسي، وهو ما يُستخدم في معظم محطات توليد الطاقة اليوم.

اكتشف فاراداي أيضًا الدوران الكهرومغناطيسي -ما سبق المحرك الكهربائي- كما اكتشف أنّ المغناطيسية المعاكسة هي خاصية جميع المواد. تقع قوانينه عن التحليل الكهربائي في لب مجال الكيمياء الكهربائية، المجال الذي لعب دورًا كبيرًا في تأسيسه.

اخترع أيضًا “كهف فاراداي”؛ الذي يمنع البرق من إتلاف أي شيء بداخله، ويمنع تأثير التشويشات الخارجية على تجارب كهربائية حساسة وذات صلة بالإلكترونات.

اكتشف أن هناك علاقة بين المغناطيسية والضوء بإظهار أن الحقل المغناطيسي يدوّر مستوى استقطاب الضوء. كان فاراداي أول من حوّل الغاز إلى سائل، واكتشف البنزين المركب (العنصر الهائل الأهمية).

جيمس كليرك ماكسويل

1879 – 1831

بشرت أعمال جيمس كليرك ماكسويل بعصر جديد في الفيزياء. إذ وحّد القوى الكهربائية والمغناطيسية مظهرًا أنها في الواقع قوة واحدة. أظهرت معادلاته أنه عند تسارع الشحنات الكهربائية، تُطلق أمواج كهرومغناطيسية تسير بسرعة الضوء، مستنتجًا بذلك أن الضوء نفسه ظاهرة كهرومغناطيسية. بفعله هذا وحّد الكهرباء والمغناطيسية والبصريات.

فسرت نظريته الحركية للغازات مصدر الحرارة بدقة، وقد قدم نظرية الاحتمال إلى فيزياء الأجسام الصغيرة التي لا غنى عنها في هذه الأيام. كان ماكسويل أول شخص ينتج صورة ملونة، ومع حدسه العظيم في الرياضيات والفيزياء، فسر سلوك حلقات زحل قبل أكثر من 100 عام من تأكيد سفينة الفضاء (Voyager) لتفسيره.

إرنست رذرفورد

1937 – 1871

يعد إرنست رذرفورد أبا الكيمياء النووية والفيزياء النووية، فقد اكتشف وأعطى اسمًا لنواة الذرة، والبروتون وجسيم ألفا وجسيم بيتا، كما تنبأ بوجود النيوترون.
اكتشف مفهوم عمر النصف النووي وحقق أول تحويل متعمد من عنصر إلى عنصر آخر، محققًا أمنية الخيميائيين القدامى.

حصل عدد كبير غير عادي من علماء شباب قضوا وقتًا معه على جائزة نوبل، بمن فيهم جيمس شادويك، وسيسل بويل، ونيلس بوهر، وأوتو هاهن، وفريدرك سودي، وجون كوكروفت، وايرنيست والتون وإدوارد أبليتون.

ألبرت أينشتاين

1955 – 1879

أعاد ألبرت أينشتاين كتابة قوانين الطبيعة، فقد غيّر كليًا كيفية فهمنا لتصرفات أشياء ببساطة الضوء، والجاذبية، والفضاء والزمن. وقد عرّف أن أي شخص، مهما تكن سرعته نسبةً للضوء، سيحصل على سرعة 300 مليون متر في الثانية للضوء في حال قياسه لها في فراغ.

أدى هذا إلى واقع غريب جديد يقول إن الوقت يمر بشكل أبطأ لأناس يسافرون بسرعة عاليةً جدًا عن آخرين يتحركون بسرعة أبطأ، لذلك، المكان والزمان في الواقع يندمجان في ظاهرة واحدة تسمى الزمكان.

اكتشف أينشتاين المعادلة المشهورة E = mc2 التي تنص على أن الطاقة والمادة يمكن أن تتحول إحداهما للأخرى. أعاد أيضًا كتابة قانون الجاذبية لنيوتن الذي كان سائدًا منذ 1687.

في نظريته النسبية العامة، أظهر أينشتاين أن المادة يمكن أن تؤدي إلى انحناء الزمكان، الأمر الذي ينتج ما ندعوه بالجاذبية، كما أظهر أينشتاين أن مسار الضوء يتبع منحنى الجاذبية للفضاء، وأظهر أن الوقت يمر بشكل أبطأ عندما تصبح الجاذبية قوية جدًا. وأوضح الظاهرة الكهروضوئية، مرسخًا بذلك أن الضوء يستطيع التصرف كأمواج أو كجسيمات.

نيلز بور

1962 – 1885

غيّر نيلز بور نظرتنا للذرة وللعالم، بعدما فهم أن الفيزياء الكلاسيكية تنهار بشدة عند أشياء ذات أحجام ذرات أو أصغر، أعاد بور صياغة الذرة بحيث تحتل الإلكترونات مدارات متاحة حول النواة، بينما تكون المدارات الأخرى محظورة. بصياغته هذه، أسس بور ميكانيكا الكم. ساعدنا بور بإعادة تشكيل فهمنا عن كيفية عمل الطبيعة في النطاق الذري.

فيرنر هايزنبيرغ

1976 – 1901

لعب فيرنر هايزنبيرغ دورًا أساسيًا في إنشاء ميكانيكا الكم، بتطويره معادلة ميكانيكا المصفوفة، مشيرًا إلى أنّ سلوك الجسيمات بحجم الذرة مختلف جدًا عن أجسام أكبر، مع آثار غريبة أحيانًا. بالرغم من أن ألبرت أينشتاين لم يروق له ذلك، أظهر هايزنبيرغ أنّ الله يلعب النرد مع الكون باستمرار.

يشير مبدأ عدم اليقين لهايزنبيرغ إلى أن للجسيمات خصائص مزدوجة لا يمكن معرفة كليهما بدقة. مثلًا، إذا كنت تعرف موقع جسيم ما بدقة عالية، لا يمكنك معرفة زخمه أيضًا بدقة عالية، هناك دائمًا درجة من عدم اليقين.

إرفين شرودنغر

1961 – 1887

أسس إرفين شرودنغر صياغة ميكانيكا الموجة لميكانيكا الكم، التي بعكس ميكانيكا المصفوفة لفيرنر هايزنبيرغ، سمحت بدرجة من التصور. وصف شرودنغر الإلكترونات كأمواج، تنتشر للخارج وليس لأي مكان آخر. أشار شرودنغر إلى أن موجته وميكانيكا المصفوفة لفيرنر، بالرغم من الاختلاف الظاهري، تتساويان حسابيًا.

في سنواته الأخيرة، لم يعد شرودنغر سعيدًا بميكانيكا الكم، واشتهر بفكرة تجربة قطة شرودنغر، التي حاول فيها إظهار سخافة تفسير كوبنهاغن لميكانيكا الكم. على عكس التوقعات، كفيزيائي، كان كتابه المفضل على الإطلاق “أصل الأنواع” لتشارلز داروين.

كان لكتاب شرودنغر “ما هي الحياة؟” (1944) بالرغم من عدم أصالته، وقع عميق على مستقبل علم الوراثة والبيولوجيا الجزيئية. كتب شرودنغر أن الجين بلور غير دوري -شيفرة للحياة، ألهم كتابه عدة علماء- ساهم ثلاثة منهم بشكل رئيسي في اكتشاف بنية الحمض النوويDNA، فرنسيس كريك، وجيمس واتسون، وموريس ويلكنز- في متابعة البحث في هذا المجال.

بول ديراك

1984 – 1902

أعاد بول ديراك صياغة ميكانيكا الكم كليًا مع “معادلة ديراك” المذهلة. شرحت معادلة ديراك سلوك الإلكترونات، بما في ذلك تلك التي تسافر في سرعات نسبية، وتنبأ بوجود المادة المضادة.

تمكن ديراك أيضًا من استنتاج وجود استقطاب الفراغ (vacuum polarization)، كاشفًا أن ما كنا نعتقده فضاء فارغًا هو في الحقيقة مملوء بأزواج من الجزيء – جزيء مضاد ذات زمن حياة قصير.

أسس ديراك الكهروديناميكا الكمية، لحساب خلق وموت فوتونات الضوء في الذرات، وأدت معادلة لاغرانج لميكانيكا الكم خاصته إلى تكامل المسارات لريتشارد فاينمان.

أظهر ديراك أن تكميم (تحديد كمية) الشحنة الكهربائية يحدث بشكل طبيعي إذا وجد أحادي القطب المغناطيسي في مكان ما في الكون، كما أنه صاغ نموذجًا مبدئيًا لنظرية الأوتار.

ريتشارد فاينمان

1988 – 1918

طور ريتشارد فاينمان معادلة لاغرانج لميكانيكا الكم إلى أداة كاملة وصالحة للاستعمال بواسطة تكامل المسارات. كما أكمل من هناك تطوير لغة رياضيات جديدة لمخططات فاينمان، التي جعلت الحسابات الدقيقة في الكهروديناميكا الكمية ممكنة ومريحة.

في هذه الأيام، لا غنى عن مخططات فاينمان في حسابات ذات علاقة بنظريات الكم، بما في ذلك نظرية النموذج العياري (القياسي) لفيزياء الجسيمات. في 1957، شرح فاينمان الخرق في المساواة الخاصة بتفاعلات القوة النووية الضعيفة – تعرف النظرية باسم (نظرية فاينمان-جيل-مان سودارشان-مارشاك).

تقنية النانو من صنع فاينمان، في 1959 قدم محاضرته “هناك الكثير من المتسع في القاع” في معهد كاليفورنيا للتقنية. تطرق حديث فاينمان الحالم إلى ما يمكن أن نحقق في حال تمكن العلماء من التلاعب بذرات منفردة، إضافة لمواضيع أخرى.

بالرغم من أنه كان لرؤيته تأثير بسيط وقتها، لاحقت التقنية مؤخرًا أفكاره. تركت طريقة حديث فاينمان الجذابة عن الفيزياء انطباعًا عميقًا، ملهمةً كلًا من العلماء وغير العلماء للتعلم أكثر عن طريقة عمل عالمنا.

ترجمة: محمد دهامشة
تدقيق: رزوق النجار

المصدر