كيف تشكل الكون ؟ كيف أصبح لا نهائيًا كما نعرفه الآن؟ ماذا سيحدث له بعد مئات الأعوام من الآن؟ حيّرت هذه الأسئلة الفلاسفة والدارسين منذ البداية، كما أدت إلى بعض النظريات المُثيرة. أما الآن، يتفق معظم العلماء والفلكيين وعلماء الكونيات على أن هذا الكون تشكل نتيجة انفجار عملاق لم يُنشِئ معظم المادة فحسب، وإنما وضع القواعد المنظِّمة ل التمدد الكوني أيضًا. فيما يعرف باسم: نظرية الانفجار العظيم.

انتشر هذا المصطلح بين الدارسين وغير الدراسين على حد سواء لحوالي قرن كامل لتصبح أكثر نظرية مقبولة لأصلنا، لكن ماذا تعني هذه النظرية؟ كيف نشأ الكون من انفجار عظيم؟ وما الدليل على ذلك؟ وماذا تقول النظرية عن تنبؤاتنا طويلة المدى عن الكون؟

جوهر نظرية الانفجار العظيم في غاية البساطة. تنص فرضية الانفجار العظيم باختصار: وُجدت كل المادة الحالية والسابقة في الكون في مكان واحد في مرحلة ما من الزمن منذ حوالي 13.8 مليار سنة، إذ كانت كل المادة مضغوطةً في كرة صغيرة جدًا لا نهائية الكثافة وذات حرارة شديدة في ذلك الوقت. وتُعرف هذا المرحلة باسم التفرد. وفجأةً بدأت هذه الكرة في التمدد ليبدأ الكون الذي نعرفه بالتشكُّل.

بالرغم من وجود نظريات حديثة أخرى لكيفية نشأة الكون مثل نظرية الحالة الثابتة أو نظرية الكون المتذبذب إلا أن نظرية الانفجار العظيم تحظى بقبول وشعبية كبيرة. ولا يفسر هذا النموذج أصل كل المادة المعروفة وقوانين الفيزياء والبنية الكبيرة للكون فقط وإنما يمكن الاعتماد عليه في تفسير تمدد الكون والعديد من الظواهر الأخرى أيضًا.

الجدول الزمني للانفجار العظيم

عبر العمل بشكل عكسي بدايةً من الحالة الحالية للكون وضع العلماء نظريةً قائمةً على أن الكون لابد أنه قد بدأ من نقطة واحدة ذات كثافة غير محدودة ووقت محدد بدأت فيه بالتمدد. وبعد التمدد المبدئي، تقول النظرية أن الكون برد بشكل كافٍ لتشكيل الجزيئات دون الذرية، ثم الذرات البسيطة فيما بعد، كما التأمت سحب عملاقة من هذه العناصر البدائية عبر الجاذبية ما شكل النجوم والمجرات.

بدأ كل هذا منذ حوالي 13.8 مليار سنة؛ لذا اعتُبِر هذا عمر الكون. استطاع العلماء بناء جدول زمني للأحداث التي بدأت مع الانفجار العظيم -المؤدية إلى الحالة الكونية المتطورة للكون الآن- من خلال اختبار المبادئ النظرية والتجارب المتعلقة بمسرعات الجزيئات والحالات عالية الطاقة والدراسات الفلكية التي راقبت الكون العميق.

تُعد الثواني الأولى من عمر الكون (من 10 للأس -43 ثواني حتى 10 للأس -11 ثواني بعد الانفجار العظيم) محل تكهنات كثيرة؛ لأن قوانين الفيزياء التي نعرفها لم تكن موجودة في تلك الفترة؛ وبالتالي يصعب فهم الكيفية التي نُظم بها الكون. علاوةً على ذلك، لا تتوفر التجارب التي بإمكانها خلق هذا النوع من الطاقة حاليًا، ولكن تصورت الكثير من النظريات ما حدث في تلك اللحظات الأولى.

عصر التفرد

يعرف أيضًا باسم عصر بلانك. وهو أول فترات الكون المعروفة. في تلك الفترة كانت كل المادة مُكثفة في نقطة واحدة بكثافة غير محدودة وحرارة هائلة، ويُعتقد أن الآثار الكمومية للجاذبية هي التي سيطرت على التفاعلات الفيزيائية في تلك الفترة، وأنه لم يكن ثمة قوة أخرى معادلة لقوة الجاذبية. يمتد عصر بلانك من النقطة صفر حتى 10 للأس -43 ثانية. وسُمي بهذا الاسم لأنه يمكن قياسه عن طريق زمن بلانك.

كانت حالة الكون غير مستقرة؛ بسبب الحرارة والكثافة الهائلة للمادة، ومن ثم بدأ يبرد ويتمدد مُمهدًا الطريق لظهور القوى الفيزيائية الرئيسية. وتقريبًا من الثانية 10 للأس -43 وحتى 10 للأس -36 بدأ الكون بتخطي درجات الحرارة الانتقالية، ويُعتقد أن في هذه الفترة بدأت القوى الرئيسية التي تحكم الكون في الانفصال عن بعضها، وتمثلت الخطوة الأولى في انفصال قوة الجاذبية عن قوى القياس وهي عبارة عن القوى الكهرومغناطيسية والنووية القوية والضعيفة.

ثم بعد ذلك من الثانية 10 للأس -36 حتى 10 للأس -32 بعد الانفجار العظيم بلغت درجة حرارة الكون 10 للأس 28 كلفن، أي أنها صارت باردة بما فيه الكفاية لتُتيح للقوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية والضعيفة الانفصال.

عصر التضخم

بدأ عصر التضخم مع تشكُّل أولى القوى الرئيسية في الكون بدايةً من الثانية 10 للأس -32 من زمن بلانك حتى نقطة غير محددة من الزمن. وتقترح معظم النماذج الكونية أن الكون المحتشد بالأشكال المتجانسة من الكثافات عالية الطاقة ودرجات الحرارة شديدة الارتفاع والضغط أدى إلى التمدد والتبريد السريع.

تاريخ الكون من لحظة الانفجار العظيم وحتى العصر الحالي.

تاريخ الكون من لحظة الانفجار العظيم وحتى العصر الحالي.

بدأ ذلك في الثانية 10 للأس -37 عندما تضاعف حجم الكون بسبب المرحلة الانتقالية المسببة لانفصال القوى. وتمثِّل هذه النقطة (نشأة الباريونات) أيضًا، وهي عبارة عن حدث نظري حيث حرّكت الحرارة العالية الجزيئات بسرعات نسبية بشكل عشوائي.

ونتيجة لكل ذلك، تكونت ودُمرت ثنائيات الباريونات – الباريونات المضادة من كل نوع بسبب التصادمات. ويُعتقد أن تلك الأحداث هي التي أدت إلى هيمنة المادة على المادة المضادة في الكون الحالي. بعد توقف التضخم تألف الكون من البلازما الكوارك-جلوونية إضافةً إلى الجزيئات الأولية الأخرى، ومن هذه اللحظة فصاعدًا بدأ في التحول إلى البرودة والتحمت المادة وتشكلت.

عصر التبريد

مع استمرار حرارة الكون وكثافته في الانخفاض، بدأت طاقة كل جسيم في الانخفاض والدخول في مراحل انتقالية مستمرة حتى تحولت القوى الفيزيائية الأساسية والجسيمات الأولية إلى صورتها الحالية. تُعرَّض هذه الفترة لعدد أقل من التكهنات؛ لأن طاقة الجسيمات انخفضت إلى درجة يمكن محاكاتها في الاختبارات.

على سبيل المثال: يعتقد العلماء أن طاقة الجسيمات انخفضت بشكل ملحوظ بعد 10 للأس -11 ثانية من الانفجار العظيم، بينما اندمجت الكواركات والجلوونات لتشكيل الباريونات مثل البروتونات والنيوترونات بعد حوالي 10 للأس -6 ثانية. كما أدت الزيادة الطفيفة للكواركات عن الكواركات المضادة في تفوق الباريونات على الباريونات المضادة.

ومع عدم ارتفاع درجات الحرارة بشكل كافٍ لتكوين ثنائيات جديدة من البروتونات- البروتونات المضادة أو النيوترونات والنيوترونات المضادة، حدثت عملية إبادة فورية تاركةً واحدا من كل عشرة مليارات من البروتونات والنيوترونات الأصلية فقط، بينما أُبيدت جزيئاتها المضادة بالكامل. كما حدثت عملية مشابهة بعد حوالي ثانية واحدة من الانفجار العظيم للإلكترونات والبوزيترونات.

لم تعد البروتونات والنيوترونات والإلكترونات تتحرك بشكل نسبي بعد هذه الإبادة، وأصبحت طاقة الكون وكثافته تحت هيمنة الفوتونات ومن بعدها النيوترونات. وخلال دقائق من عملية التمدد، بدأ ما يعرف باسم التخليق النووي للانفجار العظيم بفضل انخفاض درجة حرارة الكون إلى مليار كلفن وهبوط كثافة الطاقة إلى ما يعادل الهواء وبدأت النيوترونات والبروتونات في الالتحام مشكلين أول ديوتريوم (نظير مستقر للهيدروجين) وذرات الهيليوم. وعلى الرغم من ذلك فقد بقيت معظم بروتونات الكون كما هي دون التحام على هيئة نويات هيدروجين.

وبعد حوالي 379000 سنة اندمجت الإلكترونات مع هذه النويات مشكلة الذرات -معظمها من الهيدروجين- بينما انفصل الإشعاع عن المادة واستمر في الانتشار عبر الفضاء دون عوائق. يكوِّن هذا الإشعاع ما يُعرف اليوم باسم إشعاع الخلفية الميكروية الكونية، وهو عبارة عن أقدم ضوء في الكون.

بينما انتشر إشعاع الخلفية الميكروية الكونية، فقد كثافته وطاقته بالتدريج. ومن المقدر أن حرارته الآن حوالي 2.7260± 0.0013 كلفن (ما يعادل -270.424 سيليزيوس) أو (-454.763 فهرنهايت) وكثافة طاقة تقدر بحوالي 0.25 فولت/ سم مكعب ( ما يعادل 4.005 × 10 للأس -14 جول/م مكعب) أو (400-500 فوتون/سم مكعب).

ويمكن مشاهدة إشعاع الخلفية الميكروية من جميع الاتجاهات على مسافة حوالي 13.8 مليار سنة ضوئية، لكنه من المُقدَّر أن بُعده الحقيقي عن مركز الكون حوالي 46 مليار سنة ضوئية.

عصر الهيكلة

بدأت المناطق الأكثر كثافةً من المادة الموزعة بشكل موحد تقريبًا في الكون بالانجذاب لبعضها خلال مليارات السنوات التالية. زاد هذا الانجذاب كثافة هذه المناطق مشكلًا السحب الغازية والنجوم والمجرات والبنى الفلكية الأخرى التي نرصدها عادةً الآن.

وتُعرف هذه الفترة باسم عصر الهيكلة؛ لأن الكون بدأ باتخاذ شكله الحالي في هذه الفترة، ويشمل ذلك توزيع المادة الظاهرة على أشكال مختلفة من كواكب ونجوم ومجرات وعناقيد مجرية، إذ تتركز المادة في هذه العناقيد ويفصل بينها خلجان تحتوي عددًا قليلًا من المجرات.

وتعتمد هذه العملية على حجم ونوع المادة في الكون. ويُقترح أربعة أنواع من المادة: المادة المظلمة الباردة، والمادة المظلمة الدافئة، والمادة المظلمة الساخنة، والمادة الباريونية. ومن ناحية أخرى يُعتبر نموذج لامبدا للمادة المظلمة الباردة -وطبقًا لهذا النموذج، فقد تحركت جزئيات المادة المظلمة بسرعة بطيئة مقارنةً بسرعة الضوء- أكثر نموذج قياسي لنظرية الانفجار العظيم، كما يناسب جميع البيانات المتاحة.

يُفترض في هذا النموذج أن المادة المظلمة الباردة شكلت ما يعادل 23% من مادة/ طاقة الكون، بينما شكلت المادة الباريونية حوالي 4.6%. وتعبر لامبدا عن الثابت الكوني ضمن نظرية قدمها ألبرت آينشتاين. وتوضح النظرية أن توازن الكتلة والطاقة في الكون كان ثابتًا، وعليه فهي ترتبط بالطاقة المظلمة التي ساعدت على تسريع عملية تمدد الكون وتوحيد هيكلته على نطاق واسع.

رسم يوضح نموذج لامبدا للمادة المظلمة الباردة من لحظة الانفجار العظيم وحتى العصر الحالي.

رسم يوضح نموذج لامبدا للمادة المظلمة الباردة من لحظة الانفجار العظيم وحتى العصر الحالي.

التنبؤات طويلة المدى لمستقبل الكون

عند افتراض أن للكون نقطة بداية فهذا يثير التساؤلات حول نقطة النهاية. لو أن الكون بدأ بنقطة صغيرة ذات كثافة لا نهائية ثم بدأ في التمدد فهل يعني ذلك أنه سيستمر في التمدد إلى ما لا نهاية؟ أو سيأتي يوم تنتهي فيه طاقة التمدد لديه ويبدأ بالانكماش حتى تنسحق كل المادة إلى نقطة صغيرة مجددًا؟ انصب تركيز علماء الكونيات على إجابة هذا السؤال منذ بداية النقاش حول أي النماذج المقترحة حول بداية الكون. ومع قبول نظرية الانفجار العظيم، ولكن قبل رصد الطاقة المظلمة سنة 1990، اتفق علماء الكونيات على اثنين من السيناريوهات حول ما سيؤول إليه كوننا.

طبقًا للسيناريو الأول والمعروف بسيناريو الانكماش العظيم، سيصل الكون إلى الحجم الأقصى ثم يعود إلى الارتداد على نفسه. ويُعد هذا ممكنًا فقط في حالة أن تكون الكثافة الكلية للكون أكبر من الكثافة الحرجة. بمعنى أنه طالما أن كثافة المادة أكبر من درجة معينة (1-3 × 10 للأس -26 كجم من المادة/ م مكعب) فإن الكون سيتقلص في النهاية.

بينما في حالة أن تكون كثافة الكون مساويةً أو أقل من الكتلة الحرجة، سيصبح التمدد أبطأ لكنه لن يتوقف أبدًا. ويُعرف هذا السيناريو باسم التجمد العظيم. وفقًا لهذا السيناريو: سيستمر الكون حتى ينتهي تشكل النجوم بعد استهلاك مخزون الغاز النجمي في كل مجرة. في هذه الأثناء ستحترق كل النجوم الموجودة وتتحول إلى أقزام بيض أو نجوم نيوترونية وثقوب سوداء.

وبالتدريج سيسفر عن تصادم الثقوب السود ببعضها ظهور ثقوب سوداء أكبر. وسيصل متوسط درجة حرارة الكون إلى الصفر. وستتبخر الثقوب السوداء بعد لفظ آخر إشعاع هوكينج لديها. في النهاية ستزيد إنتروبيا الكون وصولًا إلى نقطة لا يمكن عندها استخراج أي طاقة منظمة. ويُعرف هذا السيناريو باسم موت الحرارة.

أدت المشاهدات الحديثة -من ضمنها وجود الطاقة المظلمة وتأثيرها على التمدد الكوني- إلى الاستنتاج بأن الكون سيذهب أكثر إلى نقطة أبعد من أفق الحدث المعروف لدينا (أقصى حد يمكننا رؤيته) وأصبح من الواضح لنا أن النتيجة النهائية غير معلومة، لكن موت الحرارة يُعد نقطةً محتملةً لهذا السيناريو أيضًا.

وُضعت تفاسير أخرى للطاقة المظلمة يُطلق عليها اسم نظريات الطاقة الشبحية. وتقترح هذه النظريات أن عناقيد المجرات والنجوم والكواكب والذرات والنويات والمادة نفسها ستتمزق إلى أجزاء تحت تأثير التمدد. ويُعرف هذا السيناريو باسم التمزق الأعظم، إذ يكون تمدُّد الكون نفسه هو سبب دماره.

تاريخ نظرية الانفجار العظيم

أتت الدلائل الأولى لنظرية الانفجار العظيم نتيجةً لعمليات رصد عمق الفضاء في بدايات القرن العشرين. في سنة 1912، قاد الفلكي الأمريكي فيستو سليفر مجموعةً من المشاهدات لمجرات حلزونية -والتي كان يعتقد أنها سدم- قاس فيها انزياحها نحو الأحمر وفي كل الحالات تقريبًا شوهدت المجرات الحلزونية وهي تتحرك مبتعدةً عنا.

وفي سنة 1922، طور عالم الكونيات الروسي الكساندر فريدمان ما نعرفه باسم معادلة فريدمان. طُورت هذه المعادلة عن معادلات آينشتاين للنسبية العامة. وفي حين كان يروج آينشتاين ثابته الكوني، أظهرت أبحاث فريدمان أن الكون في حالة تمدد.

وفي سنة 1924 أظهرت قياسات إدوين هابل للمسافة العظيمة بيننا وبين أقرب سديم حلزوني أن هذه الأنظمة في الحقيقة مجرات أخرى. وفي نفس الوقت بدأ هابل بتطوير محددات للمسافة باستخدام تليسكوب هوكر بعدسة قطرها 100 بوصة (2.5 م) في مرصد جبل ويلسون. وفي 1929 اكتشف العلاقة بين المسافة والسرعة الانحسارية والمعروفة الآن باسم قانون هابل.

بعد ذلك سنة 1927 وصل القسيس والفيزيائي البلجيكي جورج لومتر لنفس النتائج التي قدمتها معادلات فريدمان، وهي أن انحسار المجرات ناتج عن تمدد الكون. وذهب لومتر لأبعد من ذلك في 1931 عندما اقترح أن هذا التمدد يعني أنه كلما رجعنا بالزمن للخلف، كان الكون أصغر. كما افترض أن كتلة الكون كانت مركزة في نقطة واحدة كانت الأساس في تشكل الزمكان.

سببت هذه الاكتشافات نقاشًا بين الفيزيائيين خلال عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، إذ دافع فيها أغلبية العلماء عن افتراضية أن الكون في حالة ثبات، وفي هذا النموذج تتشكل المادة باستمرار كلما تمدد الكون مع الاحتفاظ بوحدة المادة وكثافتها عبر الزمن. وقد بدت نظرية الانفجار العظيم بالنسبة لهؤلاء العلماء دينية أكثر منها علمية، كما وُجهت تهمة الانحياز إلى لومتر نظرًا لخلفيته الدينية.

في هذا الوقت أيضًا دوفع عن نظريات أخرى مثل نموذج ميلني ونموذج الكون المتذبذب. أُسست كلا النظريتين على نظرية آينشتاين للنسبية العامة، وكلتاهما اقترحتا أن الكون يتبع دوائر غير نهائية من الاكتفاء الذاتي.

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح النقاش الأساسي بين مؤيدي نموذج الحالة الثابتة -الذي صاغه الفلكي فريد هويل- ومؤيدي نظرية الانفجار العظيم متنامي الشعبية. والغريب أن هويل نفسه هو من صاغ اسم (الانفجار العظيم) في أحد لقاءات الراديو في إذاعة بي بي سي في مارس 1949. الأمر الذي اعتبره البعض نوعًا من الازدراء وهو ما نفاه هويل.

في نهاية المطاف أيدت الدلائل الناتجة عن المشاهدة نظرية الانفجار العظيم. وأكد اكتشاف إشعاع الخلفية الميكروية الكونية بعد ذلك سنة 1965 أن الانفجار العظيم هو أفضل نظرية لتفسير كيفية تطور الكون. ومن أواخر الستينيات حتى تسعينيات القرن العشرين دعم الفلكيون وعلماء الكونيات نظرية الانفجار العظيم عبر الإشكاليات النظرية التي واجهتها النظرية. ويتضمن ذلك أوراقًا بحثيةً نشرها ستيفن هوكينج وبعض الفيزيائيين توضح أن التفرد نقطة بداية حتمية للنسبية العامة ونموذج الانفجار العظيم.

وفي 1981 صاغ الفيزيائي آلان جوث فترةً من التمدد الكوني السريع (عصر التضخم) حلت باقي الإشكاليات النظرية. كما شهدت تسعينيات القرن الماضي ظهور الطاقة المظلمة لحل بعض مشاكل علم الكونيات. وبالإضافة إلى تقديم تفسير لكتلة الكون المفقودة -إلى جانب المادة المظلمة المقدمة لأول مرة سنة 1932 من قبل جان أورت- وقد أظهرت عدة تفاسير لسبب استمرار الكون في التسارع، كما قدمت إثباتًا لثابت آينشتاين الكوني.

حدث تقدم معتبر بفضل تطور التليسكوبات والأقمار الصناعية والمحاكاة الحاسوبية التي مكنت الفلكيين والعلماء الكونيين من رؤية الكثير من الكون وفهم الكثير عن عمره الحقيقي. علاوةً على ذلك أضافت التليسكوبات الفضائية مثل مستكشف الخلفية الكونية (COBE)، وتلسكوب هابل، ومسبار ويلكنسون للتباين الميكروي (WMAP)، ومرصد بلانك قيمة عالية جدًا.

واليوم يمتلك العلماء مقاييس دقيقةً ومحددةً بشكل مقبول للكثير من عوامل نموذج الانفجار العظيم فضلًا عمر الكون نفسه. وقد بدأ كل ذلك بملاحظة أن الأجسام النجمية العملاقة التي تبعد عنا الكثير من السنين الضوئية تبتعد عنا ببطء. ورغم عدم تأكدنا من الكيفية التي سينتهي بها كل شيء، إلا أننا نعرف -بمقياس كوني- أن هذا لن يحدث إلا بعد زمن طويل جدًا.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: مصطفى عبد المنعم

تدقيق: تسنيم الطيبي

المصدر