يُعتبر مشروع جينوم الشمبانزي محاولةً تهدف لتحديد تسلسل الحمض النووي ل جينوم الشمبانزي بنفس الطريقة التي اعتمد عليها مشروع الجينوم البشري. يُتوقَع أن نفهم بشكلٍ أفضل ما الذي يجعل البشر مختلفين عن الأنواع الأخرى عند مقارنة جينومات البشر والقردة الأخرى من منظور وراثي ، وستساعد المقارنة في دراسة الأمراض التي تصيب (أو التي لا تؤثر) على أنواع مختلفة من الرئيسيات عبر دراسة الجينات.

بدء مشروع جينوم الشمبانزي

إن كروموسومات البشر والشمبانزي متشابهة جدًا. يتمثل الفرق الأساسي بينهما في امتلاك البشر لعدد كروموزومات أقل بزوج واحد من القردة العليا الأخرى. يمتلك البشر 23 زوجًا من الكروموسومات، أما القردة العليا الأخرى فهي تمتلك 24 زوجًا. في السلالة التطورية البشرية، دُمج كروموسومان مستمدان من الأسلاف عند قُسيمهما الطرفيين، ما أنتج الكروموسوم البشري 2.

توجد تسعة اختلافات كروموسومية رئيسية أخرى بين الشمبانزي والبشر وهي تتمثل بانعكاس قطع الكروموسومات على الكروموسومات البشرية 1 و4 و5 و9 و12 و15 و16 و17 و18. وبعد الانتهاء من مشروع الجينوم البشري ، بدأ مشروع جينوم الشمبانزي.

مشروع جينوم الشمبانزي مشروع الجينوم البشري دراسة جينات الرئيسيات الأمراض الوراثية الجينات المشتركة بين الإنسان والشمبانزي جينوم البشر

في ديسمبر 2003، أكد تحليل أولي لـِ 7600 جينًا مشتركًا بين الجينومين أن جينات معينة مثل عامل النسخ P2 “forkhead-box”، والذي يمتلك دورًا مهمًا في تطور الكلام، يختلف في السلالة البشرية.

وُجد أيضًا أن العديد من الجينات المشاركة في عملية السمع قد تغيرت خلال التطور البشري، ما يشير إلى انتقاء ينطوي على سلوك متعلق بلغة الإنسان. تشير التقديرات إلى أن الاختلافات بين الأفراد من البشر والشمبانزي تقدر بنحو 10 أضعاف الفرق النموذجي بين أزواج البشر.

مشروع تسلسل الجينوم من الشمبانزي المشترك

نُشر تحليل الجينوم في مجلة “Nature” في 1 سبتمبر 2005، في مقال أصدره اتحاد الشمبانزي للتسلسل والتحليل، وهو مجموعة من العلماء يدعمهم جزئيًا المعهد الوطني لبحوث الجينوم البشري، أحد المعاهد الوطنية للصحة.

أشار المقال إلى انتهاء مشروع تسلسل الجينوم. إذ توجد الآن قاعدة بيانات تحتوي على الاختلافات الوراثية بين الجينات البشرية وجينات الشمبانزي، مع حوالي 35 مليونًا من التغييرات أحادية النوكليوتيدات، وخمسة ملايين حذف وإضافة، وإعادة ترتيب الكروموسومات المختلفة. يمثل استنساخ الجينات معظم اختلافات التسلسل بين البشر والشمبانزي، ويمثل تبديل زوج واحد نحو نصف مقدار التغير الجيني الناتج عن نسخ الجينات.

تختلف متجانسات البروتينات النموذجية بين الإنسان والشمبانزي بحوالي حمضين أمينيين فقط في المعدل. حوالي 30% من جميع البروتينات البشرية تتطابق في التسلسل لبروتينات الشمبانزي المقابلة.

كما ذُكر أعلاه، يُعد استنساخ الجينات مصدرًا رئيسيًا للاختلافات بين المادة الوراثية للإنسان والشمبانزي، إذ أن حوالي نسبة 2.7% من الجينوم الآن تمثل الاختلافات الصادرة عن الاستنساخ أو الحذف خلال حوالي 6 ملايين سنة، منذ تباعد البشر والشمبانزي من سلفهم التطوري المشترك. وللمقارنة فإن التباين بين البشر هو 0.5 في المئة.

حدد نحو 600 جين بأنهم ربما خضعوا للاختيار الإيجابي القوي في سلالات الإنسان والشمبانزي؛ يشارك العديد من هذه الجينات في دفاع الجهاز المناعي ضد الأمراض الجرثومية، على سبيل المثال، (الحبيبات الحبيبية – granulysin) تشكل حاميًا من ضد مرض السل، أو أن هذه الجينات تشارك بمثابة مستقبلات مستهدفة للكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض.

عند مقارنة الجينات البشرية والشمبانزي بجينات الثدييات الأخرى، وجد أن الجينات تصيغ رموزًا لعوامل النسخ، مثل “forkhead-box P2” – (FOXP2)، والتي تطورت في الغالب بشكلٍ أسرع في الإنسان منها في الشمبانزي؛ قد تفسر التغيرات الصغيرة نسبيًا في هذه الجينات الاختلافات الشكلية بين البشر والشمبانزي. ترمز مجموعة مكونة من 348 جين عامل نسخ للبروتينات بمعدل تغييرات في الأحماض الأمينية في السلالة البشرية بحوالي 50% أكثر مقارنةً بنسل الشمبانزي.

ووُجد أن ستة مناطق كروموسومية بشرية قد تكون تحت انتقاء خاص وقوي ومنسق خلال الـ 250,000 سنة الماضية. تحتوي هذه المناطق على أليل محدد واحد على الأقل يبدو فريدًا بالنسبة للنسل البشري، بينما تُظهر المنطقة الكروموسومية بأكملها نسبة تغير وراثي أقل من النسبة الطبيعية.

يشير هذا النمط إلى أن جينًا واحدًا أو بضعة جينات منتقاة بدقة في منطقة الكروموسوم قد تمنع التراكم العشوائي للتغيرات المحايدة في الجينات القريبة الأخرى. تحتوي إحدى هذه المناطق في كروموسوم 7 على جين “FOXP2” (المذكور أعلاه)، وتشمل هذه المنطقة أيضًا جينًا ينظم التوصيل عبر غشاء التليف الكيسي (CFTR)، والذي يلعب دورًا مهمًا لنقل الأيونات في الأنسجة مثل نسيج البشرة الفارز للملح في الغدد العرقية.

يمكن أن تُختار الطفرات البشرية في جين (CFTR) بمنزلة وسيلة للبقاء على قيد الحياة من الكوليرا. قد تحتوي منطقة أخرى على الكروموسوم 4 على عناصر تنظم التعبير عن جين (بروتوكادرين – protocadherin) القريب والذي قد يمتلك دورًا مهمًا في نمو الدماغ ووظائفه.

على الرغم من أن التغييرات في التعبير عن الجينات المُعبَر عنها في الدماغ تميل إلى أن تكون أقل من التغيرات في الأعضاء الأخرى (مثل الكبد) في المتوسط، فإن تغيرات التعبير الجيني في الدماغ كانت مثيرةً أكثر في النسل البشري منه في الشمبانزي.

يتماشى هذا مع الاختلاف الكبير في النمط الفريد لتطور دماغ الإنسان في النسل البشري مقارنةً بنمط أسلاف القردة العليا. تُظهر كتلة جين (البروتوكادرين بيتا – protocadherin-beta) على الكروموسوم 5 أيضًا دليلًا على انتقاء إيجابي محتمل.

يجب أن تساعد نتائج تحليلات جينوم الإنسان والشمبانزي على فهم بعض الأمراض التي تصيب الإنسان. يبدو أن البشر فقدوا جينًا وظيفيًا وهو “caspase-12” لإنزيم قد يحمي من مرض ألزهايمر والظاهر في الشفرة الجينية لبعض الرئيسيات الأخرى.

جينات الكروموسوم 2 موقع الإندماج

مشروع جينوم الشمبانزي مشروع الجينوم البشري دراسة جينات الرئيسيات الأمراض الوراثية الجينات المشتركة بين الإنسان والشمبانزي جينوم البشر

تمثيل تخطيطي لموقع اتحاد الكروموسومات “A2″ و”B2” والجينات في هذا الموقع. تشير نتائج مشروع جينوم الشمبانزي إلى أنه عند اندماج كروموسومات الأجداد “A2″ و”B2” لإنتاج الكروموسوم بشري 2، لم تُفقَد أي جينات من اندماج النهايتين لهذه الكروموسومات. في موقع الاندماج، يوجد نحو 150,000 زوج أساسي في تسلسل غير موجود في كروموسومات الشمبانزي “A2″ و”B2”.

توجد نسخ إضافية مرتبطة من جينات “PGML / FOXD / CBWD” في مكان آخر في الجينوم البشري ، خاصة بالقرب من نهاية الكروموسوم 9، ما يشير إلى أن نسخةً من هذه الجينات قد تكون أُضيفَت إلى نهاية كروموسومات الأسلاف “A2” أو “B2” قبل الاندماج. يبقى أن يُحدد إذا ما كانت هذه الجينات المدرجة تمنح ميزةً انتقائيةً.

“PGML” الجين الذي يشبه (الفوسفوغلوكوميوتيز – phosphoglucomutase) في الكروموسوم البشري 2. هذا الجين غير مكتمل وقد يكون غير قادر على القيام بالنسخ. “FOXD” الجين الذي يشبه “forkhead box D4” هو مثال على الجين الذي لا يعرف الصلابة. وظيفة هذا الجين غير معروفة، لكنه قد يرمز لبروتين التحكم في النسخ.

“CBWD” مُخلق الكوبالامين، هو إنزيم بكتيري يصنع فيتامين B-12. في الماضي البعيد، شمل الجد المشترك للفئران والقردة نسخةً من جين مُخلق الكوبالامين. إن هذا الجين غير مألوف في البشر إذ لديهم عدة نسخ من جينات تشبه مُخلق الكوبالامين، بما في ذلك الجين الموجود على كروموسوم 2.

وما يتبقى هو تحديد وظيفة هذه الجينات التي تشبه جين مُخلق الكوبالامين في البشر. إذا كانت هذه الجينات مرتبطةً في عملية الأيض لفيتامين B-12، فقد يمتلك ذلك صلةً بالتطور البشري. إن التغير الرئيسي في التطور البشري هو نمو الدماغ بعد الولادة أكثر مما لوحظ في القرود الأخرى. فيتامين B-12 مهم لنمو الدماغ، إذ يؤدي نقص فيتامين B-12 أثناء نمو الدماغ إلى عيوب عصبية شديدة عند الأطفال.

“CXYorf1” يشبه البروتين، عُزلَت عدة نسخ ذات وظيفة مجهولة مقابلة لمنطقة هذا الجين. توجد هذه المنطقة أيضًا في النهاية الطرفية للكروموسوم 9 المرتبطة بشكلٍ وثيق، وهي تحتوي على نسخ من جينات PGML / FOXD / CBWD. وتنتشر العديد من الجينات الكاذبة للبروتين الريبوسومي “L23a” من خلال الجينوم البشري.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: بشار الجميلي

تدقيق: آية فحماوي

المصدر