ظهرت المادة لأول مرة بصفتها بلازما كثيفةً جدًا، مكونةً من كواركات و غلونات، انفصلت القوى النووية الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية بعد 10-12 (10 للأس -12) ثانية من ولادة الكون عن القوى الكهروضعيفة في انتقال نحو مرحلة أخرى، وللمرة الأولى خضع الكون للقوى الأربعة الأساسية التي نعرفها اليوم. يبلغ قطر الكون 1210 (10 للأس 12) متر، وهو مملوء ببلازما كثيفة مكونة من الغلونات و الكواركات.

بلازما الغلونات- الكواركات

أنشئت بلازما الغلونات والكواركات حديثًا، عبر اصطدام نواتين بسرعة عالية جدًا في مختبر بروكهافين التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، وإليك هذا الفيديو الذي يظهر عملية إنشاء البلازما:

دُرست خصائص هذه البلازما في مصادم الهادرونات الكبير التابع لمركز سيرن (الوكالة الأوروبية للأبحاث النووية)، وفي مسرعات جسيمات أخرى. يُعد إنشاء هذه البلازما إنجازًا كبيرًا في فيزياء الجسيمات وفي علم الكونيات.

ولكن ما هي بلازما الغلونات و الكواركات ؟

بلازما الغلونات والكواركات، هي حالة من المادة مشابهة، ولكن مختلفة عن حالات المادة الصلبة والسائلة والغازية. تتألف البلازما العادية من ذرات مجرّدة من إلكتروناتها حتى تحتوي أيونات موجبة (نواة ذرية) وإلكترونات حرة، يُطلق علماء الفيزياء على هذه البلازما اسم (البلازما الغريبة)؛ لأنها مختلفة، ولا تمتلك أية إلكترونات.

الخط الزمني لنشوء الكون فترة الكواركات القوى النووية الضعيفة القوة الكهرومغناطيسية البلازما مصادم الهادرونات الكبير سيرن بلازما الغلونات

في بداية الكون لم يكن هناك إلكترونات ولا نواة ذرية؛ فقط كان هناك بحر من الغلونات والكواركات الحرة، تكون هذه الكواركات مشحونة جدًا، إذ تتفاعل فقط مع الغلونات بصورة ضعيفة للغاية.

تربط الغلونات داخل الذرة التي تكون في مستويات طاقة منخفضة الكواركات مع بعضها بقوة، إذ نحتاج إلى مصادم قوي للغاية؛ لفك ارتباط الكواركات، إذ تُعد بلازما الغلونات والكواركات أكثف مادة معروفة، أكثف حتى من المادة الموجودة داخل النجم النيوتروني، وهي عديمة الاحتكاك، وتوجد بصفتها غازًا عند طاقة عالية جدًا، وبصفتها سائلًا عند طاقة منخفضة.

تُشكل الكواركات، وهي جسيمات دون ذرية، البروتونات والنيوترونات داخل النواة، توّصل الغلونات، وهي جسيمات دون ذرية، القوى النووية الشديدة، وتعمل على مقياس أكبر نسبيًا عند ربط البروتونات والنيوترونات داخل النواة، وعلى مقياس أصغر عند ربط الكواركات داخل كل بروتون ونيوترون كما هو موضح في الصورة.

لم تكن هناك بروتونات ونيوترونات بعد انتهاء هذه المرحلة؛ لأن الكواركات كانت مشحونةً للغاية، ويصعب أن تبقى حبيسةً داخل البروتونات والنيوترونات، وعلى الرغم من تواجد الغلونات وعمل القوى النووية الشديدة من خلالها، فإنه لم يكن هناك إلكترونات ولا ذرات، ولكن في هذه البلازما الفريدة توجد بدايات المادة، إذ يملك هذا الخليط من الغاز والسائل العديم الاحتكاك تقريبًا، وهو تشابه غريب مع مادة تُدعى تكاثف بوز آينشتاين عند حدود الصفر المطلق، وهي عديمة الاحتكاك أيضًا.

لغز هيغز

تمتلك الغلونات والكواركات كتلةً، تحصل عليها نظريًا، من خلال جسيمات حاملة للقوة تُدعى (بوزونات هيغز)، التي يُتوقع أن تظهر للمرة الأولى في تاريخ الكون. يتوسط هذا البوزون مجالًا يُدعى مجال هيغز، الذي يسود الكون، ويعطي كل الجسيمات التي تقترن معه كتلتها بما في ذلك نفسه، يستخدم بعض علماء الفيزياء النظرية تشبيه هذا المجال ببحيرة من العسل اللزج، تسافر فيها جسيمات عديمة الكتلة، تتحول بعدها إلى جسيمات ذات كتلة تشكل في النهاية الذرات.

اكتشف بوزون هيغز، الجسيم الأكثر بحثًا في العلوم، حديثًا، قد نبدأ بفهم لماذا تمتلك المادة كتلة بينما يبدأ العلماء في دراسة خصائص هذا البوزون.

ما هي المادة ؟

انفصلت جسيمات الكوارك في المادة عن الطاقة في الكون عند مستوى (100) ميغا إلكترون فولت، يُطلق على مرحلة التحول هذه، أو خرق التناظر هذا، اسم مرحلة انتقال الكروموديناميك الكمومي. يُعبر الكروموديناميك الكمومي (الديناميكا اللونية الكمومية) عن رقم حالات الانتقال النظرية للمادة حيث تسمح درجات التحرر في النظرية للغلونات والكواركات والكواركات المضادة بالوجود.

توجد هذه الحالات من المادة عند كمية طاقة عالية جدًا، ولا يمكن لأي مصادم إنتاجها، لكن يجب وجودها خلال فترة الكواركات. تعمل القوى النووية الشديدة، في المادة العادية، ضمن مسافات قصيرة جدًا بحيث تضمن تثبيت الكواركات داخل النواة، ولكن في هذه المرحلة تصبح القوى النووية الشديدة هي القوى الفعالة المسيطرة، إذ تعمل في كل أنحاء المادة، ويُعتقد أن هذه المادة لا تشبه الغاز أو البلازما الأيونية، بل تتصرف بشكل مشابه للسائل أكثر.

يعتقد أغلب علماء الفيزياء أن الفكرة القائلة بأن المادة هي -ببساطة- طاقة الكون المتجمدة نسبةً لمعادلة آينشتاين في الكتلة والطاقة، هي فكرة خاطئة

لثلاثة أسباب:

السبب الأول: إن جسيمات المادة ليست ثابتة؛ بل هي في حالة ثابتة من التدفق، وأن كل جسيمات المادة تمتلك طاقةً أيضًا. السبب الثاني: تتألف كل من المادة والطاقة من الجسيمات، وفي حالة الطاقة قد تمتلك الجسيمات كتلةً أو تكون عديمة الكتلة، اعتمادًا على قوة التفاعل مع مجال هيغز؛ تُصعّب هذه المعلومة من فكرتنا حول خصوصية جسيمات المادة.

السبب الثالث: إن كل جسيم من المادة والطاقة -وفقًا لنظرية الأوتار- هو وتر ذو بعد واحد ويمتلك تردد الاهتزاز الخاص به، وإذا ما أخذنا آخر ما توصلت له الفيزياء النظرية، سنجد أن المادة هي ناتج عن شبكة معقدة من تفاعلات مجالات الطاقة، بدلًا من أن تكون مجموعةً من الجسيمات الثابتة أو المجمدة.

كانت فترة الكواركات ساخنةً وكثيفةً بشكل لا يُصدق، إذ استمرت في التمدد السريع، ولكن ليس بالنسبة القياسية نفسها التي حدثت في مرحلة التضخم، انفصلت القوى الأربعة الأساسية، وظهرت المادة حساءً يعج بالكواركات والغلونات، انتهت هذه الفترة عند حوالي 10-6 (10 للأس -6) ثانية عندما انخفضت طاقة الكون إلى ما دون الطاقة اللازمة؛ لربط البروتونات والنيوترونات، ولكن هناك المزيد؛ فالمادة تمتلك توأمًا، وهو المادة المضادة التي ظهرت في الوقت نفسه على مسرح الكون، تمثل المادة المضادة لغزًا يعمل علماء الفيزياء على فهمه.

اقرأ أيضًا:

تطور الكون منذ الانغجار العظيم وحتى الآن

مصادم الهادرونات الكبير يكتشف جسيمين جديدين وأدلة على وجود ثالث!

ترجمة: مازن سفّان

تدقيق: أسماء العجوري

المصدر