تبقى مرحلة العصور المظلمة -مرحلة وُجدت قبل تشكل المجرات و النجوم الأولى- لغزًا؛ بسبب قلة الأدلة حولها، ولكن العلماء يرغبون بشدة تسليط الضوء عليها في محاولة لمعرفة الكيفية التي ظهر فيها الكون إلى الوجود. يقول عالم الفيزياء الفلكية النظرية (أبراهام لوب) رئيس قسم علم الفلك في جامعة هارفرد: «تمثل العصور المظلمة أصولنا، وهي الفترة التي شكلت فيها النجوم الأولى العناصر الثقيلة التي تكوننا».

يطور الباحثون حاليًا أدوات للنظر إلى تلك الفترة المبهمة حتى الآن من الزمن. ولوضع الأمور في نصابها قدّر العلماء عمر الكون بـ (13.7) مليار سنة. ويضيف: «إن وجودنا ناتج عن الجيل الأول من النجوم، لذا عندما نبحث في العصور المظلمة فنحن نبحث عن أصولنا».

في البدء كان النور ثم الظلام ثم النور من جديد

كان الكون، قبل العصور المظلمة، ساخنًا جدًا، إذ انقسمت كل الذرات الموجودة إلى نواة موجبة الشحنة، وإلكترونات سالبة الشحنة، حجبت هذه الأيونات المشحونة إمكانية سفر الضوء بحرية.

الخط الزمني لنشوء الكون العصور المظلمة كيف نجا الكون المجرات الأولى النجوم الأولى المادة المظلمة الثقوب السوداء ألغاز الفضاء

نزلت درجة حرارة الكون بعد حوالي (400) ألف سنة من الانفجار العظيم، بقدر كافٍ؛ ليُعاد تجمع هذه الأيونات؛ لتكون الذرات، الأمر الذي مكن الضوء الناتج من الانفجار العظيم، أن يبزغ للمرة الأولى، لكن ما حصل بعدها أنه كانت العصور المظلمة، إذ لم يكن هناك ضوء آخر، ولم تولد النجوم بعد.

تقترح النماذج الحالية للكون أن المجرات الأولى بدأت بالتكون بعد حوالي (100) مليون سنة من الانفجار العظيم، وهذا أنتج بداية النهاية للعصور المظلمة، استمرت عملية تكوين النجوم والمجرات تدريجيًا، حتى أُعيد شحن كل ذرات الهيدروجين، والهيليوم التي تكون كل شيء موجود في الكون مرة أخرى، ولكن هذه المرة عن طريق الضوء، وذلك بعد (500) مليون سنة من الانفجار العظيم.

ألغاز تنتظر الحل

قد يساعد التعلم عن فترة العصور المظلمة في الإجابة عن الكثير من الأسئلة، مثل: من أين تأتي كل تلك الثقوب السوداء العملاقة الموجودة في قلب كل مجرة كما يُفترض؟

يقول لوب: «تمتلك مجرتنا درب التبانة ثقبًا أسودَ يعادل حجمه أربع ملايين مرة حجم الشمس، بينما تمتلك مجرات أخرى ثقوبًا سوداء كتلتها أكبر بمليار مرة من كتلة الشمس، ويبقى هذا صحيحًا بالنسبة لمجرات قديمة مثل المجرة (ULAS J1120+0641) التي تمتلك ثقبًا أسودَ في مركزها، كتلته تعادل (2) مليار مرة كتلة الشمس والتي تشكلت بعد (770) مليون سنة من الانفجار العظيم».

ويتابع لوب: «لا يمثل هذا وقتًا كبيرًا لبناء مثل هذا الثقب الأسود، وكيف تكونت هذه الثقوب السوداء وماهي مكوناتها؟». يُضاف إلى كل تلك الألغاز لغز آخر؛ وهو كيف أثرت المادة المظلمة -شكل غير محدد يسيطر على 85% من المادة في الكون- على تشكل المجرات الأولى؟!

يتضاعف اللغز عندما نرى الحقيقة القائلة بأننا لا نعرف ما هي طبيعة المادة المضادة.

هناك جسيمات مرشحة لتخبرنا عن المادة المظلمة، تتفاعل هذه الجسيمات بشكل ضعيف مع المادة ومع بعضها البعض، لكن يتساءل لوب إذا ما كانت جسيمات المادة المظلمة تتفاعل مع بعضها بالنسبة نفسها التي يتوقعها العلماء، نظرًا لسلوك المجرات الصغيرة القريبة منا، يقول: «إذا افترضنا أن المادة المظلمة غير متفاعلة.

فعندما يُجري العلماء محاكاة لتطور المجرات مثل مجرة درب التبانة، يجب وجود عدة مجرات تابعة -المجرة التابعة هي مجرة صغيرة تدور في فلك مجرة أكبر منها وذات جاذبية أكبر-، ولكن عند النظر إلى عدد المجرات التابعة لمجرة درب التبانة، نجد عددها أقل من الرقم المقدر، وأيضًا فإن التوزيع الظاهر للمادة المظلمة داخل هذه المجرات القزمة مختلف تمامًا عما يفترضه العلماء، لعل المادة المظلمة تسلك بشكل مغاير تمامًا عن ما هو متوقع».

يظهر لغز آخر، وهو ماذا كان شكل النجوم الأولى؟، لقد تحولت العناصر البسيطة نسبيًا مثل الهيدروجين والهيليوم بفعل الحرارة، والضغط الهائلين إلى عناصر أثقل مثل الكربون الذي تستند إليه الحياة التي نعيشها والأكسجين الذي نتنفسه.

قال لوب: «نعتقد أن النجوم الأولى كانت أضخم من الشمس -ربما بعشرة أضعاف أو مئة ضعف- وذات فترة حياة قصيرة للغاية، إذ يعيش كل نجم فترةً لا تزيد عن عدة ملايين من السنين».

تقترح حسابات معينة أنه تحت ظروف معينة تشكلت نجوم أصغر في تلك الفترة؛ قال لوب: «عانت هذه النجوم من ندرة في العناصر الثقيلة، وقد نستطيع رؤيتها لوم أنها توجد في الوقت الحالي، مختفيةً تحت هالة مجرة درب التبانة، ويبقى السؤال حول إذا ما كانت النجوم الأولى تشبه النجوم الحالية دون جواب، إذ يقول: لو أن هذه النجوم موجودة لوددنا اكتشاف ذلك».

أسرار العصور المظلمة

تتضمن طريقة يسعى خلفها العلماء للتعلم حول العصور المظلمة، معرفة كيفية تشكل المجرات والنجوم الأولى، وبما أن الضوء يأخذ وقتًا حتى يسافر عبر الكون، فإن الضوء القادم من مناطق بعيدة جدًا يأتي من زمن بعيد أيضًا، ولهذا يبحث العلماء عميقًا في الفضاء؛ حتى ينظروا إلى الزمن القديم.

يقول لوب: «الأمر مشابه لعلم الحفريات، كلما حفرت أعمق، كلما انكشفت لك طبقات أقدم، ونحن هنا نحفر في أعماق الفضاء». أثارت أداة أساسية للبحث عن المجرات الأولى جدلًا كبيرًا؛ بسبب كلفتها المرتفعة، وكثرة التأجيلات التي خضعت لها، هذه الأداة هي تلسكوب (جيمس ويب) الفضائي. إذا بدأ هذا التلسكوب الفضائي بالعمل سيساعد على كشف الكثير حول بدايات الكون، من خلال التقاط الضوء الخافت جدًا القادم من المجرات الأولى.

وأضاف لوب: «يُعد هذا التلكسوب أفضل أمل لنا؛ لنشكل صورةً حقيقيةً عن كيفية تكون المجرات الأولى».

توجد استراتيجية أخرى للتعلم حول العصور المظلمة، وهي بالنظر إلى الندوب التي خلفتها المجرات والنجوم الأولى على الهيدروجين المحيط بها. يُنتج الهيدروحين البادر الضوء على شكل موجات إشعاعية بطول موجة محدد وهو (21) سنتيمتر، تمكن العلماء ، من خلال الانتقال إلى طول الموجة هذا، من رؤية كيف تغيَّر الهيدروجين بمرور الوقت استجابةً للإشعاع النجمي.

ويضيف: إن مجموعةً من التلسكوبات الراديوية قيد التطوير؛ لالتقاط طول الموجة البالغ (21) سنتيمتر، تتضمن هذه المجموعة مصفوفة مورشيسون جنوب أستراليا، ومجموعة التوتر المنخفض المنتشرة على طول أوروبا، وتلسكوب الهيكل البدائي في الصين، والمجموعة الدقيقة لسبر فترة إعادة التأين في جنوب أفريقيا، والتلسكوب الراديوي العملاق للموجات المترية في الهند، ومجموعة الكيلومتر المربع التي ستُبنى إما في أستراليا، أو جنوب أفريقيا.

يستطيع العلماء التحديق في المجرات الأولى من خلال البحث عن الأشعة السينية في الثقوب السوداء المركزية، باستخدام تلسكوبات، مثل تلسكوب شاندرا التابع لوكالة ناسا. قد ترصد أبحاث مستقبلية فقاعات الزمكان المعروفة باسم (موجات الجاذبية)، التي أطلقها اندماج الثقوب السوداء في المجرات الأولى.

يوجد مشروع طموح للغاية، يُدعى (هوائي مقياس التداخل الليزري- LISA – Laser Interferometer Space Antenna) قد يلتقط ناتج اندماج الثقوب السوداء العملاقة في المجرات البعيدة، ولكن مشاكل النفقات ألغت المشروع بشكل رسمي. يقول لوب: «حتى نكتشف السماء فوقنا بشكل أكبر، علينا أن ندفع أكثر، فنحن لا نعرف ماذا سنجد!».

اقرأ أيضًا:

مم يتكون الكون؟ هل بنية الكون عبارة عن رياضيات؟

متى بدأت النجوم بالتكون في الكون ؟

ترجمة: مازن سفّان

تدقيق: أسماء العجوري

المصدر