أظهر اختبار جديد لنجم يدور بسرعة جنونية حول الثقب الأسود العملاق في قلب مجرتنا صحة نظرية النسبية العامة لأينشتاين التي صاغها عام 1915. تمامًا كما تنبأت النظرية بتأثير الإزاحة الحمراء؛ تمدد ضوء نجم يسمى S2 نتيجة قوى الجاذبية الموجودة، وذلك أثناء دوران النجم حول الثقب الأسود في أقرب مسار ممكن.

إن بدا لك الأمر مألوفًا فلأنها ليست المرة الأولى التي نرى فيها مثل هذا الإنجاز؛ ففي العام الماضي، نشر فريق من الباحثين نتائجهم حول نجم S2 المعروف أيضًا بـ S0-2، وهو نجم من تجمع ضخم وشاب من النجوم فئة S التي تدور حول مركز مجري يدور حول A* من برج القوس مظهرة دليلًا واضحًا على تأثير الإزاحة الحمراء.

تأتي هذه النتيجة الجديدة من مجموعة مستقلة من الملاحظات، تؤكد وتفصِّل المجموعة الأولى من النتائج مع بيانات وأدوات إضافية؛ لاستبعاد أي تحيزات أو أخطاء قد تكون ناشئة من الأدوات نفسها.

«يمكننا بالتأكيد استبعاد قانون نيوتن للجاذبية»، وفقًا للفلكي أندريا غيز من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس. «ملاحظاتنا تتفق مع نظرية النسبية العامة لآينشتاين».

بعد 24 عامًا من الملاحظة ظُفِر بهذه النتيجة الصعبة؛ إذ تستغرق كل دورة من دورات S2 حول A* 16 عامًا، ولم يكن ممكنًا للأدوات أن تكون حساسة بما فيه الكفاية لملاحظة حدث بهذه الدقة غير المسبوقة إلا بعد الاقتراب الشديد لـ S2 لمسافة 17 ساعة ضوئية من مركز المجرة. Sgr A* لديه كتلة تعادل حوالي 4 ملايين شمس؛ يولد ذلك جاذبية هائلة، ويخلق البيئة الأكثر تطرفًا في درب التبانة.

لدى S2 مدار بيضاوي الشكل يتسارع إلى سرعات مذهلة تحت تأثير تلك الجاذبية مع اقترابه من Sgr A*، ويقفز بسرعة 25 مليون كيلومتر في الساعة؛ أي ما يقارب 3% من سرعة الضوء. عندما يكون S2 بهذا القرب من الثقب الأسود، فإن ضوء النجم يستطيل تحت تأثير الجاذبية إلى أطوال موجية أطول باتجاه الطرف الأحمر للطيف الكهرومغناطيسي؛ وفقًا للنظرية النسبية.

وصل S2 لأقصى سرعة في مارس من العام الماضي، تلاه أدنى اقتراب في مايو، وسرعة دنيا في سبتمبر. أخذ الفريق ملاحظات طيفية للأحداث الثلاثة، ودرسوا التغيرات في ضوء النجم وهو يتحرك حول الثقب الأسود، ثم دمجوا هذه الملاحظات الطيفية مع الملاحظات المأخوذة في الفترة من 1995 إلى 2017 لإعادة بناء مدار النجم بأكمله في أبعاد ثلاثية.

«هذا يعطينا تذكرة الدخول إلى اختبارات النسبية العامة»، وفقًا لغيز. «سألنا كيف تتصرف الجاذبية بالقرب من ثقب أسود هائل وما إذا كانت نظرية أينشتاين تخبرنا القصة الكاملة؛ إذ أن رؤية النجوم تمر في مدارها الكامل توفر الفرصة الأولى لاختبار الفيزياء الأساسية باستخدام حركات هذه النجوم».

هذه النتائج لا تدعم فقط، بل تعزز تلك التي أُعلن عنها العام الماضي، ما يؤكد النسبية العامة مرة أخرى باعتبارها مجموعة قوية من القواعد لفهم ديناميكيات الجاذبية.

على ذكر العام الماضي، ليس هذا هو الاختبار الوحيد الذي اجتازته النسبية العامة في الآونة الأخيرة، فقد اجتازت أيضًا رؤية نظام نجمي ثلاثي الأبعاد، ومجرة داخلية تسبب انحناءً للفضاء، واكتشاف موجات الجاذبية؛ كل منها بطريقته الخاصة يتماشى بدقة مع نظرية أينشتاين ذات المئة عام والتي ما تزال صامدة بقوة. لكن الحاجة إلى مجموعة جديدة من القوانين الفيزيائية قد تلوح في الأفق.

وفقًا لغيز: « تُظهر نظرية أينشتاين بالتأكيد بعض الوهن؛ إذ لا يمكنها تفسير الجاذبية داخل ثقب أسود بشكل كامل، وفي مرحلة ما سنحتاج إلى تجاوز نظريته إلى نظرية أكثر شمولية للجاذبية تشرح ماهية الثقب الأسود». بصراحة سيكون ذلك رائعًا.

نُشر البحث في مجلة Science.

اقرأ أيضًا:

تفسير مبسط لنظرية النسبية العامة

الزمكان – كيف فسرت نظرية النسبية العامة الجاذبية ؟

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: محمد نجيب العباسي

مراجعة: براءة ذويب

المصدر