هناك، في غياهب الفضاء يقع كوكب غير اعتيادي يُسمى جلايس 3470 ب (Gliese 3470 b) والمعروف اختصارًا (GJ 3470 b). يعود سبب غرابة هذا الكوكب إلى أنه يُعتبر -نوعًا ما- مزيجًا من كوكبي الأرض ونبتون، فنواته صلبة مثل الأرض، ومن ناحية أخرى يتكون الغلاف الجوي له من الهيدروجين والهيليوم كما هو الحال في نبتون. لا تشبه هذه التركيبة أي كوكب في مجموعتنا الشمسية.

يدور الكوكب حول نجم قزم يدعى جلايس 3470 في كوكبة السرطان، وتبلغ كتلته 12.6 ضعف كتلة الأرض، ما يجعله تقريبًا في المنتصف ما بين كتلة الأرض وكتلة نبتون التي تقدر بحوالي 17 ضعفًا من كتلة الأرض.

بفضل مهمة كيبلر، عرفنا أن هناك العديد من الكواكب خارج المجموعة الشمسية التي تقع في مدى هذه الكتلة. من الممكن أن حوالي 80 بالمئة من الكواكب يقع في هذا النطاق، الأمر الذي ستؤكده البعثات الاستكشافية المستقبلية دون شك.

لم يتمكن علماء الفلك حتى الآن من أخذ نظرة جيدة على الغلاف الجوي لأحد تلك الكواكب، لذلك يبدو تشكيلها غامضًا نوعًا ما.

تعاونت التلسكوبات الفضائية هابل Hubble وسبيتزر Spitzer لإلقاء نظرة عن قرب على الغلاف الجوي لكوكب GJ 3470 b، وهي المرة الأولى التي يتمكن فيها علماء الفلك من التعرف على البصمة الكيميائية للغلاف الجوي لكوكب مثل هذا.

وجد العلماء أن الكوكب لديه غلاف جوي بدائي مكون من الهيدروجين والهيليوم، دون وجود أي عناصر أثقل، ما شكل قليلًا من الغموض.

نصف نجم، نصف كوكب

يبدو كوكب GJ 3470 b بجوه المكون من الهيدروجين والهيليوم نجمًا أكثر منه كوكبًا. فمثلًا تحتوي شمسنا على 73 في المئة من الهيدروجين، والباقي تقريبا من الهيليوم.

تشغل العناصر الأثقل -مثل الأكسجين والنيون والحديد والكربون- جزءًا صغيرًا فقط من الشمس. ويشكل الهيدروجين والهيليوم العنصرين الأبرز في الغلاف الجوي للعملاق الغازي المشتري وجاره زحل، لكنهما يحتويان أيضًا على مركبات أخرى مثل الميثان والأمونيا، وكذلك عناصر أثقل. ومن ناحية أخرى، تغيب هذه المركبات تقريبًا في كوكب GJ 3470 b.

يقول بيورن بينيكي -من جامعة مونتريال في كندا في بيان صحفي لوكالة ناسا-: «يُعد هذا اكتشافًا كبيرًا من منظور تكوين الكوكب. إذ يدور الكوكب بالقرب من النجم وهو أقل كتلة من كوكب المشتري -ويساوي 318 مرة كتلة الأرض-، لكنه تمكن من تجميع الغلاف الجوي البدائي من الهيدروجين والهيليوم، الذي لم يلوَّث إلى حد كبير بالعناصر الأثقل. ونظرًا لعدم وجود شيء مثل هذا في النظام الشمسي، يُعد الكوكب ملفتًا للنظر».

جمع علماء الفلك وراء هذا الاكتشاف بين إمكانيات الطول الموجي المتعدد لكلا التلسكوبين الفضائيين لإلقاء نظرة عن كثب على غلاف كوكب GJ 3470 b الجوي عن طريق قياس امتصاص ضوء النجوم أثناء انتقال الكواكب الخارجية أمام نجمها المضيف.

كما قاسوا أيضًا كمية الفقد في الضوء المنعكس مع مرور الكوكب خلف النجم. وإجمالًا، لاحظ زوج التلسكوبات الفضائية 12 مرورًا و20 كسوفًا.

يستخدم علماء الفلك التحليل الطيفي لتحديد البصمات الكيميائية للهيدروجين والهيليوم في الغلاف الجوي، كما أن طبيعة الغلاف الجوي للكوكب جعلت ذلك ممكنًا.

كانت الرؤية واضحةً في الغالب مع قليل من الضباب، ما يعني أنهم كانوا قادرين على النظر بعمق في الغلاف الجوي. وفي هذا السياق يعقب بينكي: «لأول مرة لدينا توقيع مطيافي لمثل هذا العالم».

كشف هذا التحليل الطيفي عن شيء غير متوقع. اعتقد علماء الفلك أنهم سيجدون تركيبةً كيميائيةً مماثلةً لكوكب نبتون، مع عناصر أثقل مثل الأكسجين والكربون. ولكن بدلًا من ذلك وجدوا غلافًا جويًا يشبه الشمس.

يصرح بينكي: «كنا نتوقع غلافًا جويًا غنيًا بشدة بالعناصر الأثقل مثل الأكسجين والكربون التي تشكل بخار ماء وفير وغاز الميثان، على غرار ما نراه في نبتون، وبدلاً من ذلك، وجدنا غلافًا جويًا فقيرًا جدًا بالعناصر الثقيلة، يشبه تركيبه تركيبة الشمس الغنية بالهيدروجين والهيليوم».

تجميع القطع

الآن، بفضل القوة المركبة لتلسكوبات هابل وتلسكوب سبيتزر الفضائيين، فهم علماء الفلك جيدًا أجواء الكواكب الخارجية، ويمكنهم البدء في فهم كيف تشكل هذا الكوكب الغريب.

يعتقد علماء الفلك أن الكواكب الخارجية الأخرى -مثل كوكب المشتري الحار- تتشكل على مسافة كبيرة من شموسها، ثم تنجذب للنجوم، بينما يمثل كوكب GJ 3470 تناقضًا صارخًا لهذه القاعدة.

يعتقد علماء الفلك أن هذا الكوكب تشكل بالقرب من نجمه القزم الأحمر، بالقرب من موقعه اليوم.

من المحتمل أنه كان كوكبًا صخريًا صغيرًا في البداية، يقع في وسط قرصه الكوكبي، في نفس الوقت تقريبًا الذي تشكل فيه النجم. كان من الممكن أن يُجمع أو يتراكم غلافه الجوي من نفس المادة البدائية الموجودة في القرص التي شكلها النجم. وهذا من شأنه أن يفسر جو الهيدروجين والهيليوم، ولماذا يفتقر إلى العناصر الأثقل.

تلسكوبات ناسا تكتشف الغلاف الجوي الغريب لكوكب خارج المجموعة الشمسية الغلاف الجوي لكوكب GJ 3470 b كوكب Gliese 3470 b الكواكب خارج المجموعة الشمسية

يقول بينكي: «إننا نشاهد كوكبًا استطاع أن يراكم الهيدروجين من القرص الكوكبي الأولي، لكنه لم يهرب ليصبح كوكبًا حارًا. هذا نظام مثير للاهتمام».

ربما ما حدث هو أنه بينما كان الكوكب يتراكم من القرص، نما النجم بشكل أسرع، وتبدد القرص، ما منع كوكب GJ 3470 b من النمو بشكل أكبر ليصبح أشبه بعمالقة الغاز في نظامنا الشمسي مع وجود عناصر أثقل في أجوائها.

في الوقت الحالي، يتوقف فهمنا لهذا الكوكب الخارجي الفضائي غريب الأطوار عند هذا الحد ولكن بمجرد تشغيل James Webb Space Telescope JWST فسيخبرنا المزيد.

JWST: تلسكوب فضائي قوي يمكنه الرؤية من خلال الأشعة تحت الحمراء بحساسية غير مسبوقة. سنتمكن من استكشاف الغلاف الجوي لكوكب GJ 3470 b وغيره من الكواكب الخارجية، والكشف عن الأشياء التي لم تُرَ بعد. على وجه الخصوص، سنلاحظ الأطوال الموجية التي تجعل من المناطق المشوشة والمعتمة شفافةً تقريبًا وعندئذٍ سيُكشَف عن أسرار هذا الكوكب وغيره من الكواكب على قدم وساق.

اقرأ أيضًا:

إختيار التيليسكوب “بلاتو” لمهمة اكتشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية

خريطة الكواكب خارج المجموعة الشمسية

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: تسنيم الطيبي

المصدر