الكون عِبارة عن فارغ واسعِ جِدًا، فإنّ أغلبه فراغ بشكلٍ غريب.

بالرّغم مِن كل هذا الفراغ، توجد أماكن تحتوي على هياكل وبُنى ضخمة بشكل لا يمكن تخيله.

مثلًا، شمسُنا خليط كبير مِن الغاز والغبار الكوني.

وحتّى ما هو أكبر مِن شمسِنا، فإنّه عِبارة عن هياكل هائلة مِثل السُدُم الكوكبيّة، المجرات والعناقيد المجريّة.

لكنّ السؤال هنا، ما هو أكبر جسم في الكون؟ يبدو أنّه شيء غامض، ووجوده يتحدّى قوانين الفيزياء!

إنّ أكبر هيكل أو جسم في الكون يُدعى بِـ “جِدار هرقل-كورونا القطبي العظيم – Hercules-Corona Borealis Great Wall” أو “سور انفجار أشعة جاما العظيم – Great Gamma-Ray Burst Wall (GRB Wall)”.

انفجارات أشعة جاما هي انفجارات ذات طاقة عالية جِدًا تبعث أشعة جاما – الحدث الكهرومغناطيسي الأكثر بريقًا في الكون.

يُعتقَد بأنّ مصدر انفجارات أشعّة جاما مرتبط بسَكَراتِ الموت لِنجومٍ كبيرة داخلَ المجرات البعيدة.

بالنّسبة للعلماء، هذه الإشعاعات عِبارة عن منارات تُشير بأنّ تلك المناطق مُحاطة بطبقة كثيفة مِن الغبار الكوني.

مُؤخّرًا، وجد العلماء منطقة كثيفة مِن الفضاء بعدد كبير بشكل غريب مِن هذه المنارات – 14 تحديدًا.

قام العلماء بربط هذه الأجسام بسور، حيث تُرَتَّب الأجسام الهائلة هذه مثل لَبَنات البناء.

لكن بدلًا مِن أن تمتد من جانب منزل إلى أخر، هذا السور يمتد مِن سنوات ضوئيّة عبرَ الفضاء الواسع.

إنّ بُعد السور عنّا الكبير جِدًا يجعله أخفت وأصعب لتحديد موقعه بِدقة.

مع ذلك، التقدير الأولي لحجمه يتراوح مِن 5.4 مليار سنة ضوئية (وهو كبير بشكل لا يمكن تخيله) إلى 18 مليار سنة ضوئية (وهذا رقم لا يمكن تحمل تخيله حتّى).

وإذا كان تخيل هذا الجسم صعبًا، فما بالك بتخيّل الصعوبة التي واجهها العلماء لمعرفة كيفيّة تَشَكُّله.

وهذا ما يجعله كبيرًا جِدًا لِأن يكون موجودًا حتى.

انّه كبير جدًا حتى يتم اعتباره بقايا مِن الانفجار العظيم أو نتيجة لتلاحم المادة.

جون هاكيلا (Jon Hakkila)، أحد مؤلّفي الدِراسة وبروفيسور في كلية تشارليزتون (College of Charleston)، عَلّق قائِلًا: “إنّ النماذج النظرية التي تَصِف تركيب هذه الأجسام، تبدو غريبة عن المُراقبات”.

والأكثر غرابةً، هذا الجسم يبدو وكأنّه يزداد حجمًا.

“أسوار انفجارات أشعّة جاما يتمّ تحديدها بمُعدلٍ ثابتٍ نسبيًّا، وهذا يعني أنّها تنمو بِبُطئ”.

هناك جسم آخر يبدو مُقارِبًا بالحجم لهذه السحابة الهائلة.

ولكن إذا توخينا الدِقّة، فإنّه ليس بجسم.

وبدلًا مِن أن يكون مِن أكبر أماكن تجمّع المادة، فإنّه أكبر منطقة لغياب المادّة: إنّه الفراغ العظيم.

الفراغ العظيم، هو مساحة كبيرة جِدًا تبلغ تقريبًا 1.4 مليار سنة ضوئية.

وعِندما نقارنه بسور أشعة جاما، فإنّ الفراغ العظيم سيكون ضئيل الحجم.

بالرغم مِن اسمه، منطقة الفضاء هذه ليست فارغة حقًا: إنّها رشّات مِن المجرات والمادّة المظلمة، لكنّ كثافة المادة في هذه المنطقة أقل بِشكلٍ ملحوظ مِن باقي الفضاء.

ما الذي يجعل هذه البقعة الكونية غير مُلفِتة للمجرات وباقي المادة لِزيارَتها؟ إستفان سزابودي (Istvan Szapudi)، الذي قاد فريقَ العلماء الذي بحث في أصل الفراغ العظيم في جامعة هاواي.

سيُساعدُنا لِفهم هذا الأمر.

إنّ الانفجار العظيم هو التوسّع في الزمكان (الزمان والمكان).

كان مُوَحّدًا – نفس الشكل في كل اتّجاه، يتوسع بِشكلٍ مثاليٍ.

وعلى كُلٍ، فإنّ بعض الأماكن غير ثابتة.

أحيانًا، توجد هناك تغيّرات طفيفة على المستويات تحت الذرية.

سزابودي فَسّرَ كيف لِهذه العيوب الكمية أن تُأخّر عمليّة التكوين.

“ووِفقًا لِنظريّتِنا، الفراغ العظيم يتوافق مع التقلبات الكمية الأساسية لِلتضخمات التي حدثت مباشرةً بعد الانفجار العظيم”، كما يقول سزابودي.

“وبالأصل، كانت تقلبات صغيرة، لكن عِندما توسّع الكون، كَبُرَت التضخمات، فأصبحت منطقة فارغة كبيرة تفتقد لعشرات الآلاف مِن المجرّات”.

بسبب وجود نُقصان للمادة في هذه المنطقة، أصبحت هذه المنطقة أبرد مِن المناطق المُحيطة بِها.

وهذا ما يعطي الفراغ العظيم اسمهُ المستعار: البُقعة البارِدة.

هذان الجِسمان، تقريبًا مُتعاكِسان، هما الجبّاران المُسيطران على أكبر هيكلٍ وفراغٍ في الكون.

إنّ حجمَهُما غير القابل للتّخيُّل، كافٍ لإذهال أي أحد.

وفي الوقت نفسه، الفلكيّون والمناظير مشغولون بتَفَحُّص السماء.

ومن يدري؟ لربّما يوجد ما هو أكبر مِنهما!