نحنُ نميل إلى الشعور بالوزن (قوة جذب الجاذبية للجسم) فقط عند شعورنا بأنّ الأرض تقوم بردّ فعل وزننا على أسفل أقدامنا. لهذا السبب، عندما نكون في حالة السقوط الحرّ، نشعر وكأنّنا خفيفون جدًّا؛ لأنّه لا شيء يدفع على الجزء السفلي من أقدامنا، و هذا ما يفسر أيضًا سبب شعورنا بأنّنا أقلّ وزنًا من المعتاد في مصعد يتسارع إلى الأسفل، لأنّك تشعر بقوة دفع أقلّ من المعتاد.

(هناك عواملٌ أخرى تدخل في شعور انعدام الوزن، تلك التي لها علاقة بجسمك، حيث لا تستطيع التحكم بموقع أطرافك على سبيل المثال).

ونحنُ كبشر، نتطلّع إلى إمكانية العيش في الفضاء لفتراتٍ طويلةٍ من الزمن (سواء في حال السفر، أو مجرد البقاء في مدار الأرض) لكن طبيعة أجسامنا لا تعمل بشكلها الأمثل في ظروف انعدام الجاذبية، وبالمحصلة نحن بحاجة إلى أن تقوم الأرضيّة بتطبيق قوة دفعٍ على أجسامنا حتى نستطيع التحرّك بشكل فعّال.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف يمكننا خلق جاذبيةٍ اصطناعيةٍ؟ أو كيف يمكننا محاكاتها؟

يتلخص أحد الحلول، بوضع مغانطٍ في الأرضيّة وفي أحذية روّاد الفضاء، ولكن في هذه الحالة، لا يمكننا الشعور بتلك القوّة التي نريدها إلّا عندما نحاول أن نتحرك؛ فهي لا تقوم بجذب كامل أعضاء جسدك نحو الأرض (يتم جذب القدمين فقط)، وبالتالي، فإنّ هذا الحل لا يساعد كثيرًا في حل المشكلة.

وحلٌّ آخرٌ يتلخص بربط روّاد الفضاء بحبالٍ مطاطيّةٍ، وهو حلٌ جيدٌ لتمرين العضلات التي تضمر نتيجة قلّة الاستخدام، ولكن، ولسوء الحظ سيتطلّب عليك فصل ووصل الحبال في كل مكان تنتقل إليه، و قد تخدع هذه الطريقة أطرافك، ولكنها لن تستطيع التحايل على الأعضاء الداخلية لديك.

لذلك، إنّ السبيل الوحيد لخلق شعورٍ واقعيٍ بالوزن بشكلٍ تقريبيٍّ هو أن يتمّ تصميم المركبات و المحطات الفضائية بشكل يمكّنها من الدوران حول نفسها، وعند دوران هذه المحطة حول نفسها، فإنّ جدرانها ستشكّل قوّة مركزيّة نابذة (طاردة) تطبّق على الأجسام الواقعة داخلها، فتمكّنهم من التحرّك بشكلٍ دائريٍ.

هكذا ما تبدو عليه الأشياء في غياب القوى المحصلة، حيث يتحول مفهومنا لما هو فوقنا ليصبح مركز المحطة.

كلما ازادت سرعة دوران المحطة، ازدادت القوّة النابذة (الجاذبية الاصطناعية). وكلّما ازداد قطر المحطّة، قلّت هذه القوة، وعن طريق ضبط سرعة الدوران بشكل يتناسب مع قطر المحطة، فإنّه يمكننا محاكاة الجاذبية الموجودة على الأرض.

هذا الأسلوب يعمل بشكلٍ جيدٍ لخداع ليس فقط قدميك، بل لكامل الأعضاء الداخلية أيضًا. والآن، لنتخيل أنّ رائد الفضاء يحمل تفاحةً براحة يده، من أجل أن تبقى التفاحة في مسارها الدائريّ، فعلى رائد الفضاء أن يقوم بتطبيق قوة نبذٍ مركزيٍ على أسفل التفاحة، هذه القوة تبدو للوهلة الأولى أنّها وزن التفاحة (مع العلم أن الوزن الحقيقي للتفاحة لا يمكن أن يسببه إلا قوة الجاذبية فقط)، لذا سيُخدع دماغ رائد الفضاء، ويظنّ بأنّ هذه القوة هي وزن التفاحة.

و لكن ما الذي سيحدث إذا أسقط الرائد تلك التفاحة؟

إنّه لأمر مثير للاهتمام أنه عندما يتمّ تحرير التفاحة من تلك القوة الخاضعة لها من يد الرائد، فإنّها تتحرر من القوى المحصلة الخاضعة لها، وفي غياب القوى المحصلة، فإنّها ستتحرك في نفس الاتجاه و السرعة (بسرعة ثابتة لا متسارعة) لحظة إطلاق سراحها.

ومن وجهة نظرنا، خارج المحطة سيبدو أنّ التفاحة تحركت بالاتجاه الذي قُذفت نحوه سواء للأعلى أو للأسفل. ولكن من وجهة نظر رائد الفضاء الخاضع هو نفسه لقوة النبذ المؤثرة بالتفاحة، سيبدو أنّ التفاحة تحركت نحو الأرضية كما لو أنّ الجاذبية هي القوة المؤثّرة.

الحالة الوحيدة التي أشار فيها روّاد الفضاء بإحساسهم بالدوار، هي عندما ينظرون من خلال النوافذ إلى النجوم و هي تدور حولهم، لذلك كان من الأفضل بناء المحطات الفضائية بنوافذٍ أقلّ، أو على الأقلّ الحرص على أن تكون مغطاة بستائر.


 

المصدر