مكَّن التطور في مجال الفضاء خلال القرن الماضي العلماءَ من بناء نموذج يوضح كيفية عمل الكون، وهذا منطقي، فكلما قسنا شيئًا ما بدرجة أفضل، تعلمنا أكثر. لكن عندما يتعلق الأمر بالإجابة عن سؤال: ما هي سرعة تمدد الكون ؟ فإن بعض المقاييس الكونية الحديثة تضعنا في حيرة أكثر من ذي قبل.

نعلم منذ عشرينيات القرن الماضي أن الكون يتمدد، وأنه كلما بعدت عنا مجرة، زادت سرعة ابتعادها، ثم اكتُشف في التسعينيات أن معدل تمدد الكون في تزايد مستمر.

يُطلَق اسم ثابت هابل – معيار كوني أساسي – على معدل تمدد الكون الحالي، وحتى وقت قريب، بدا أننا قريبون من قيمة واحدة مقبولة لثابت هابل حتى ظهرت بعض التناقضات الغريبة بين القيم الناتجة عن قياسات باستخدام تقنيات مختلفة.

أما الآن، فقد نُشرت دراسة جديدة في دورية Science تقدم طريقة جديدة من شأنها حل هذه المشكلة.

مشكلة الدقة:

تُقدَّر قيمة ثابت هابل عن طريق دمج قياسات بعد المجرات الأخرى مع سرعة ابتعادها عنا. وبحلول القرن الحالي، اتفق العلماء على أن قيمة ثابت هابل حوالي 70 كيلومتر/ثانية لكل مليون بارسك – فرسخ فلكي وهو حوالي مليون سنة ضوئية – لكن في السنوات الأخيرة بينت قياسات جديدة أنه ربما لا يكون هذا الرقم نهائيًّا.

فإذا قدرنا ثابت هابل عبر رصد كوننا المحلي حاليًا، تكون النتيجة 73، لكن يمكننا أيضًا الاستعانة بشفق الانفجار العظيم –الخلفية المايكروية الكونية– لتقدير قيمته. إلا أن قياسات الكون القديم تعطي نتائج منخفضة تصل لحوالي 67.

المثير للقلق هو أن كلا القياسين دقيق بما يكفي للاعتقاد أن ثمة مشكلة، ويشير علماء الفلك مجازًا لهذه الظاهرة باسم «التوتر» في قيمة ثابت هابل.

إذا كنت من النوع القلق، فسيمثل ذلك التوتر إشارة إلى مشكلة في أحد القياسين أو كليهما، أما إذا كنت من النوع الذي يسهل إثارته، فسيمثل ذلك إشارة إلى وجود قواعد فيزيائية جديدة لم نكن نعرفها.

ومع أن نموذج الكون ناجح حتى الآن، فمن المحتمل أن يكون خاطئًا أو غير مكتمل.

البعيد مقابل المحلي:

ولحل إشكالية التناقض في القياسات، نحتاج مقياسًا أفضل لربط قياس المسافات بين الكون المحلي والكون البعيد.

تقدم الورقة البحثية مدخلًا جيدًا لحل هذه المشكلة.

تعتمد تقديرات كثيرة لمعدل تمدد الكون على المسافات المحددة بين الأجسام، لكن الأمر بالغ الصعوبة؛ لأننا لا نستطيع ببساطة مد شريط قياس حول الكون.

وتقترح الورقة استخدام النجوم المستعرة العظمى من النوع A1 لشدة لمعانها بدرجة تمكننا من مشاهدتها على مسافات بعيدة جدًّا، إضافة إلى معرفتنا بدرجة الإضاءة المفترضة لها، وبناءً عليه، يمكننا حساب المسافة التي تفصلنا عنها بمقارنة لمعانها الظاهري بإضاءتها.

ولاستنتاج ثابت هابل عن طريق رصد المستعرات العظمى، لا بد من معايرتها بمقياس مسافات مطلق نظرًا لوجود درجة شك كبيرة في إجمالي درجة لمعانها.

حاليًا، يمثل المتغير السيفيدي – متغير النجوم النابضة التي تلمع وتبهت بشكل دوري – نقطة ارتكاز قريبة جدًّا ودقيقة جدًّا لتحديد المسافات.

وإذا توفر لدينا مقياس مسافة مطلق في الكون، فمن الممكن معايرة مسافات المستعرات العظمى بدقة أكثر على نطاق كوني أوسع.

المراسي البعيدة:

قدمت الورقة الجديدة عدة مراس جديدة عبر استغلال ظاهرة تسمى المفعول العدسي التثاقلي.

بالنظر إلى انكسار الضوء من مصدر ضوء خلفي – كإحدى المجرات مثلًا – بفعل جاذبية جسم ضخم أمامه، يمكننا تحديد خصائص هذا الجسم الأمامي.

اختبار جديد لقياس تمدد الكون يقدم نتائج محيرة كيفية عمل الكون كيف يتمدد كوننا ما هي سرعة تمدد الكون المقاييس الكونية الحديثة

درس الفريق مجرتين أماميتين تقومان بكسر الضوء الصادر عن مجرتين أخريين في الخلفية. كان التشوه كبيرًا جدًّا لدرجة انعكاس أكثر من صورة لكل مجرة خلفية حول كل مجرة أمامية، كما هو موضح في الصورة.

سافرت مكونات الضوء المشَكلة لكل صورة ملتقطة مسافات مختلفة قليلًا في أثناء رحلتها إلى الأرض بسبب انحناء الضوء حول الجسم الأمامي، ويسبب هذا قليلًا من التأخير في وصول الضوء إلى الأرض.

لن نلاحظ ذلك التأخير لو أن لمصدر الضوء في الخلفية درجة لمعان ثابتة نسبيًّا، لكن عندما تختلف درجة لمعان مصدر الضوء الخلفي نفسه فبإمكاننا قياس أوقات وصول الضوء المختلفة، وهذا ما تفعله الورقة البحثية بالضبط.

يرتبط التأخير في الصور الملتقطة بكتلة المجرة الأمامية المشتتة للضوء وحجمها الحقيقي، لذا يمكننا قياس الحجم الحقيقي للمجرة المشتتة للضوء عبر دمج قياسات تأخر الضوء مع كتلة هذه المجرة.

كعملة معدنية على مسافة امتداد ذراع، إذا قارنا الحجم الظاهري للمجرة مع حجمها الفعلي يمكننا تحديد المسافة التي تفصلها عنا، إذ تظهر الأجسام ذات الحجم الثابت أصغر كلما كانت أبعد.

يقدم مؤلفو الورقة البحثية مسافات مجردة تقدر ب 810 و1230 مليون بارسك لكلتا المجرتين بهامش خطأ من 10% إلى 20%.

وباعتبار تلك القياسات مراسي مطلقة لتحديد المسافة، أعاد الفريق تحليل تعيير المسافات ل 740 مستعرًا عظيمًا استنادًا إلى مجموعة بيانات محددة جيدًا للوصول إلى ثابت هابل، وكانت الإجابة التي توصلوا إليها هي 82 كيلومتر/ثانية لكل مليون بارسك.

هذا الرقم مرتفع مقارنة بالأرقام المذكورة من قبل، لكن النقطة الأساسية هنا هي أن معدل الشك ما يزال مرتفعًا لاستخدام نقطتي ارتكاز لتحديد المسافة.
الأهم من ذلك هو توافق تلك النتائج إحصائيًا مع القياسات المتوفرة للكون المحلي. ستقل درجة الشك بالبحث عن مجرات لها المفعول العدسي التثاقلي وقياس مسافتها.

وجود تلك المجرات نادر، لكن المشروعات المستقبلية مثل «مقراب المسح الشامل الكبير» ستكون قادرة على رصد العديد من تلك الأنظمة، رافعة الآمال في الحصول على قيم يمكن الاعتماد عليها أكثر. تقدم النتيجة أحجية جديدة، وثمة حاجة للمزيد من العمل.

لم تفسر الورقة البحثية سبب انخفاض القيم الصادرة عن الخلفية الميكروية الكونية، لذا يبقى الغموض قائمًا، لكننا نأمل ألا يستمر لوقت طويل.

اقرأ أيضًا:

فجوات الفضاء المشوهة يمكن أن تساعدنا في قياس تمدد الكون بدقة

يبدو أننا بحاجة لفيزياء جديدة لفهم تمدد الكون

إذا كان الكون يتمدد فما الشيء الذي يتمدد بداخله الكون؟

المصدر

اسم المترجم: مصطفى عبد المنعم

تدقيق: صالح عثمان

مراجعة: نغم رابي