منذ أكثر من 50 مليون عام، حدث احترار عالمي هائل وغامض لم يستطع العلماء تفسيره كليًا، يُدعى «احترار العصر الباليوسيني/ الأيوسيني»Palaeocene–Eocene Thermal Maximum (PETM) . أنتج هذا الشذوذ المناخي الشديد كميات هائلة من الكربون داخل الغلاف الجوي للأرض، واستمرت درجات الحرارة العالمية بالتزايد على مدار20 ألف سنة، وارتفعت بمقدار 5 إلى 8 درجات مئوية. استغرق هذا الارتفاع الذي بلغت مساحته كوكب الأرض بأكمله نحو 170 ألف سنة ليهدأ.

يعتبر PETM، مثل جميع أحداث الاحترار الشديد في تاريخ الأرض القديم، مثيلًا للتغيرات المناخية الحادثة في كوكبنا اليوم نتيجة للأنشطة البشرية، لكن بينما ترجع مشكلة كوكب الأرض الحالية للإنسان مباشرةً، لم يستطع أحد تفسير حدوث موجة PETM الغامضة.

وفقًا لدراسة جديدة، يزعم العلماء أن لديهم إجابة؛ وهي شذوذ مدار الأرض في النظام الشمسي غير المنتظم.

وفقًا لريتشارد زييب Richard Zeebe عالم المحيطات من جامعة هاواي في مانوا، ولوكاس لورينز Lucas Lourens الجيولوجي من جامعة أوتريخت في هولندا، حدث الـ PETM بسبب حدوث ظاهرة تسمى الشذوذ الأقصى eccentricity maximum في مدار الأرض حول الشمس.

بمعنى أوضح، خلال دورة فلكية هائلة استغرقت 405 ألف سنة، انحرفت الأرض في مدارها حول الشمس بشكل واضح تمامًا عن الدائرة الكاملة، ما أدى إلى حدوث تغيرات نتيجةً للتعرض للمزيد من الإشعاع الشمسي.

احترار في تاريخ الأرض القديم خلال العصر الباليوسيني حدث بسبب شذوذ مداري الشذوذ المناخي الشديد الكريون في الغلاف الجوي للأرض

وصرح زييب لمجلة ديسكفر Discover: «إذا عدنا بالزمن مئة مليون عام، فسنرى علاقة وطيدة بين التغيرات المدارية والتغيرات المناخية». وصل زيب ولورينز إلى هذا الاستنتاج بعد تحليل رواسب من عينات حفرية بحرية مستخرجة من المحيط الأطلسي الجنوبي. ترجح نتائج التحليل أن العينات تعودإلى 53-58 مليون عام، أي أنها تشمل أواخر العصر الباليوسيني وبدايات الأيوسيني.

بفحص هذه الرواسب تبين أنها تشير إلى أدلة على التغير المناخي الحادث في ذلك الوقت، والذي بدوره يمكن أن يشير إلى تغيرات في مدار الارض.

وباستخدام وسائل المقارنة بين تحليل الأرقام الفلكية وتحليل الرواسب، وجد الباحثون تطابقًا استثنائيًا يمكنهم من الوصول إلى مدى 8 ملايين عام أبعد بما يُسمى مقياس الوقت الفلكي astronomical time scale.

مقياس الوقت الفلكي هو تقويم نظري يمكنه تحديد العصور الجيولوجية عن طريق الرجوع إلى علم الفلك، لكن الحركة الفوضوية للأجرام بسبب الجاذبية تضع حدًا لقدرة هذا التقويم على تحديد مدى أبعد من 50 مليون عام.

وفقًا للمؤلفين، تحد فوضوية النظام الشمسي من قدرة المقياس الفلكي على تحديد العصور الجيولوجية، فلا يمكن تحديد ما هو أبعد 50 مليون عام؛ لأن الاختلافات الصغيرة في الظروف والعوامل الأولية تجعل الحلول الفلكية تنحرف بعد ذلك الحد.

الآن يسمح لنا البحث الجديد بالنظر أبعد من ذي قبل، إذ تتطابق الحسابات الفلكية والفيزيائية (ما يدعوه الفريق بالحل الفلكي ZB18a) مع البيانات المستخرجة من قاع الأطلسي.

يقول المؤلفون إن هذا التطابق يعني أن لدينا الآن ما يسمى تسلسل الزمني الفلكي المطلق الجديد new absolute astrochronology ، والذي يسمح لنا بدراسة النظام الشمسي في نطاق 58 مليون عام.

يخبرنا الاكتشاف الجديد عن كيفية بدء الـ PETM، بالإضافة لأمور أخرى، مثل تاريخ انتقال العصر الباليوسيني وتحوله للأيوسيني (منذ 56 مليون عام وفقًا لما يعتقده الفريق).

ومن المحتمل أنه ذات يوم، بواسطة اكتشاف كهذا، يمكننا توقع الأحداث الفلكية في مدى زمني أبعد.

(نُشر في مجلة العلم Science)

روابط ذات صلة:

تغير المناخ هل هو ظاهرة طبيعية؟ وما رأي العلماء في ذلك؟

هل كانت درجة حرارة الأرض سابقًا مرتفعة كما هي عليه اليوم؟

ترجمة: عمرو خلف

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر