يُعد الدماغ البشري المرجع الذي يقارن به الحاسوب، ولهذا يسعى الباحثون دائمًا إلى إيجاد جهاز مشابه ومحاكٍ له. توجد اليوم خطوة تمشي بهذا الاتجاه؛ جهاز يمتلك القدرة على نسيان الذكريات تمامًا كما تنسى أدمغتنا. يسمى الجهاز بالمقاومة الذاكرية الجيل الثانيsecond-order memristor، إذ يتألف من الذاكرة والمقاومة، ويُعرف هذا الجهاز بأنه أحد العناصر الأساسية الأربعة للدوائر الكهربائية. يحاكي هذا الجهاز الدماغ البشري بالطريقة التي يتذكر بها المعلومات، وأيضًا بالطريقة التي يفقد فيها تلك المعلومات تدريجيًا إذا لم تُستدعى خلال فترة معينة من الزمن. لا توجد حاليًا تطبيقات عملية تُذكر لهذا الجهاز، ولكنه سيساعد العلماء على تطوير نوع جديد من الحواسيب العصبية neurocomputer – الأساس لأنظمة الذكاء الاصطناعي- والتي تنفذ بعض وظائف الدماغ.

في الحواسيب العصبية، ستأخذ الرقاقات الإلكترونية -مثل الميمريستور – دور محاكٍ للخلايا والتشابكات العصبية للتقليل من الطاقة المستهلكة من قبل الحاسوب، ولزيادة سرعته.

لا توجد حاليًا أجهزة حواسيب عصبية، لأننا بحاجة إلى محاكاة عمل التشابكات العصبية بالدماغ؛ لأن التشابكات العصبية النشطة بالدماغ هي التي تمكننا من حفظ ذكرياتنا بينما تُخفي التشابكات غير الفعالة ذكرياتنا، هذا ما يعتقده العلماء.

استُخدمت في الجيل الأول للميمريستور موصلات جسرية conductive bridges بحجم النانومتر، والتي تتلاشى بمرور الوقت، كما تختفي ذكرياتنا.

قال الفيزيائي أنستازيا شوبريك، من معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا MIPT في روسيا خلال حديث معه:

»تكمن مشكلة الجيل الأول من المقاومة الذاكرية في تغيير سلوك الجهاز بعد فترة من الزمن، وإن استمر في العمل طويلًا فإنه يتعطل، أما الآلية التي استُخدمت في الجيل الثاني لمحاكاة التشابك العصبي -بين الخلايا العصبية في الدماغ البشري- فقد كانت أكثر نجاحًا هذه المرة، إذ شُغِّل الجهاز وأُطفئ 100 مليار مرة، ومع ذلك استمر الجهاز بالعمل بشكلٍ طبيعي».

جهاز يفقد الذكريات كما ينساها الدماغ البشري جهاز يبشبه في عمله الأدمغة البشرية نسيان الذكريات كما ينساها دماغ البشر الحواسيب العصبية

ولهذا استخدم الفريق مادة أكسيد الهافنيوم بدلًا من الموصلات الجسرية، مع استقطاب كهربائي يتغير تبعًا للحقل الكهربائي، للسيطرة على حالات المقاومة المنخفضة والعالية بواسطة نبضات كهربائية. والسؤال الآن: لماذا استُخدم أكسيد الهافينوم بمثابة مادة كهرومغناطيسية؟

والجواب على ذلك: بسبب استخدامه في تصنيع الرقائق الإلكترونية من قبل الشركات، مثل شركة إنتل الأميركية، أي أنه يسهُل استخدام المقاومة الذاكرية في الحواسيب العصبية عند اكتشافها مستقبلًا.

ويكمل شوبريك حديثه ليقول: «كان التحدي هو تحديد سمك طبقة المادة الكهرومغناطيسية، وخلال عمل الفريق، ثبت أن 4 نانومترات هو السمك المثالي. إذ أدى استخدام سمك نانومتر واحد إلى تلاشي الخواص الكهرومغناطيسية، بينما أدى استخدام سمكٍ أكبر من 4 نانومترات إلى تكوين حاجز كبير لا تستطيع الإلكترونات تجاوزه».

اقرأ أيضًا:

اللجوء إلى بنية الدماغ البشري من أجل النهوض ب عالم الحوسبة !

شركة كوالكوم تخطط لصنع رقاقات مخصصة للهواتف الذكية والروبوتات مستوحاة من الدماغ وشبكاته العصبية

ترجمة: إسراء حيدر هاشم

تدقيق: محمد سعد السيد

مراجعة: آية فحماوي

المصدر