خلايا الجلد تهاجمالأورام في الدماغ وتقلص حجمها – تخيل خلايا يمكنها التنقل في الدماغ، ومطاردة خلايا السرطان وتدميرها، ثم تختفي دون ترك أي أثر!

استطاع العلماء أن يحققوا هذا الأمر في الفئران عن طريق تخليق خلايا من جلد شخص بالغ متخصصة لمهاجمة الأورام، والتي بإمكانها تقليص حجم الورم من 2 إلى 5 % من حجمه الأصلي.

وعلى الرغم من أنها لم تُختَبر على البشر بشكل كامل، إلا أنها ستُمكن الأطباء يومًا ما من إنتاج علاج مخصص للأورام الغازية، مثل الورم الأَرومي الدبقي glioblastoma -ورم خبيث يصيب الدماغ- الذي يقتل أغلب المصابين به في غضون 12 إلى 14 شهرًا، في حين أن عملية تخليق الخلايا المخصصة لمهاجمة الأورام تستغرق أربعة أيام داخل الفئران.

ينشر الورم الأرومي الدبقي جذور الخلايا السرطانية عبر الدماغ، ما يجعل إزالتها جراحيًّا أمرًا مستحيلًا، ويفرز -هو وغيره من الأورام الخبيثة الأخرى- مواد كيميائية تجذب الخلايا الجذعية، وهي خلايا متخصصة في إنتاج أنواع متعددة من خلايا الجسم.

يعتقد العلماء أن الخلايا الجذعية تنجذب للورم ظنًا منها أنه جرح يحتاج للالتئام، فتذهب للمساعدة في عملية الالتئام. يعتقد العلماء أنهم إذا استطاعوا تسخير قدرة الخلايا الجذعية الطبيعية على الانجذاب لخلايا الورم، ويمكنهم أن يستخدموها لتوصل الأدوية إلى الورم وتهاجمه. قد يشكل هذا سلاحًا لمحاربة السرطان.

اختبر العلماء هذه الطريقة في أبحاثٍ أخرى استخدموا فيها الخلايا الجذعية العصبية -خلايا تنتج العصبونات وخلايا الدماغ الأخرى- للبحث عن السرطان في أدمغة الفئران وتوصيل الأدوية الخاصة بالقضاء عليه.

لم يُجرَّب إلا قليلٌ من هذه الأبحاث على البشر لأنه ليس من السهل الحصول على خلايا جذعية عصبية كما يقول شون هينجتن، عالم الأحياء في الخلايا الجذعية بجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل.

حتى الآن يوجد ثلاث طرق رئيسية للحصول على هذه الخلايا الجذعية، إما باستئصالها من المريض أو من مريض آخر، أو بإعادة برمجة الخلايا البالغة وراثيًا. إلا أن الاستئصال يتطلب إجراء عملية جراحية. كذلك، لتأخذ الخلايا البالغة خصائص الخلايا الجذعية، فإنها تحتاج لعملية -مؤلفة من خطوتين- يمكن أن تزيد من خطر تحول الخلايا النهائية لخلايا سرطانية. إضافةً إلى أن استخدام خلايا من شخص آخر لمعالجة مريض السرطان قد يؤدي إلى رد فعل مناعي عنده ضد الخلايا الغريبة.

لحل هذه المشكلة، أرادت المجموعة البحثية للدكتور هينجتن معرفة إذا ما كان بإمكانها تجاوز خطوة معينة في عملية إعادة البرمجة الجينية تتحول فيها خلايا الجلد البالغة إلى خلايا جذعية معيارية ثم إلى خلايا جذعية عصبية، ووفقًا لتقريره هو وزميله في مجلة Science Translational Medicine. يبدو أن العلاج الكيميائي الحيوي لخلايا الجلد قد نجح في تعزيز خصائص الخلايا الجذعية العصبية، محولًا عملية إعادة البرمجة الجينية إلى عملية من خطوة واحدة.

السؤال المهم هو ما إذا كانت هذه الخلايا قادرة على مهاجمة الأورام كما تفعل الخلايا الجذعية العصبية، يقول هينجتن: «ذُهلنا حقًا عندما رأينا الخلايا تزحف في طبقٍ بتري نحو الورم، وعلمنا أننا نشاهد شيئًا مميزًا، فقد تحركت الخلايا مسافة 500 ميكرون -عرض خمس شعرات من شعر الإنسان- وذلك خلال 22 ساعة، ثم هاجمت خلايا الورم».

يقول فرانك ماريني، عالم أحياء السرطان في معهد ويك فوريست للطب التجديدي في وينستون، والذي لم يشارك في الدراسة: «إنها بدايةٌ رائعة، فهي تعتبر تجربة فعالة نسبيًا، وسريعة بشكل لا يصدق».

الأورام في الدماغ

الأورام في الدماغ

صمَّم الفريق الخلايا لتقدِّم علاجات السرطان الشائعة إلى الورم الأرومي الدبقي في الفئران، وتقلصت الأورام في الفئران التي حُقنَت مباشرةً بالخلايا الجذعية المبرمجة من 20 إلى 50 ضعفًا خلال 24-28 يومًا مقارنةً بالفئران التي لم تُعالج بهذه الطريقة. تضاعفت نسبة بقاء القوارض المُعالَجة على قيد الحياة. في بعض الفئران، أزال العلماء الأورام التي تكونت، ثم حقنوا الخلايا المُعالِجة في التجويف. كانت الأورام المتبقية -الناتجة عن بقايا الخلايا السرطانية- أصغر 3.5 مرة في الفئران المعالجة عن الفئران غير المعالجة.

يعتقد ماريني أنه يجب إجراء اختبارات أكثر صرامة لمعرفة أقصى مسافة يمكن أن تنتقلها الخلايا المستهدِفة للورم. ويقول: «في الدماغ البشري، ستحتاج الخلايا إلى السير لمسافة مليمترات أو حتى سنتمترات، أي ما يصل إلى 20 مرة أبعد من المسافة التي اُختبِرَت وهي 500 ميكرون».

يتساءل باحثون آخرون عن أهمية استخدام خلايا من جلد المريض نفسه. يقول إيفان سنايدر، عالم الأحياء في الخلايا الجذعية بمعهد سانفورد بورنهام بريبيس ديسكفري الطبي في سان دييجو Sanford Burnham Prebys Medical Discovery Institute، وأحد أوائل رواد فكرة استخدام الخلايا الجذعية لمهاجمة الأورام: «في الواقع يمكن للاستجابة المناعية التي تسببها الخلايا الجذعية العصبية الأجنبية أن تساعد في مهاجمة الأورام».

أجرت مجموعة هينجتين اختبارات على حيوانات أكبر لإظهار أقصى مسافة يمكن أن تنتقلها الخلايا المستهدفة للورم، واستخدموا خلايا جلد مريض مصاب بالورم الأَرومي الدبقي؛ لضمان نجاح التجربة على البشر. يقول هينجتين: «نبذل قصارى جهدنا ليصبح هذا العلاج متاحًا للمرضى بأسرع ما يمكن».

اقرأ أيضًا: الأورام الدماغية: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة محمود مرزوق – تدقيق غزل الكردي – مراجعة جعفر الجزيري

المصدر