«إلى اللانهاية وما بعدها!»

هل فكرت يومًا ما في جملة باز يطير Buzz Lightyear من فيلم “Toy Story”؟ ربما لم تفعل، لكنك قد تكون نظرت في بعض الليالي نحو السماء مستائلًا عن طبيعة اللانهاية ذاتها.

اللانهاية مفهوم غريب، إذ يصعب على الدماغ البشري بحدوده المعرفية الضيقة استيعابه. نقول إن الكون لا نهائي، لكن هل بإمكانه المضي قدمًا إلى الأبد حقًا؟ أو هل تستمر أعداد الثابت الرياضي «باي – Pi» بعد الأعشار ــ إلى اللانهاية، مستمرةً في إعطائنا دقةً أكبر حول المعدل بين محيط الدائرة ونصف قطرها؟ وهل كان «باز» مُحقًا؟ هل يوجد شيء بعد اللانهاية؟

من أجل مناقشة هذه التخمينات المحيّرة للعقل، طلب موقع Live Science مساعدة عالم الرياضيات هنري توسنر Henry Towsner من جامعة بنسلفانيا في ولاية فيلاديلفيا ـ الولايات المتحدة الأمريكية، الذي كان كريمًا للغاية لمحاولة الإجابة عن السؤال، «هل بإمكانك العدُّ إلى ما بعد اللانهاية؟».

يقول توسنر إن اللانهاية تقع في مكان غريب: يعتقد معظم الناس بامتلاكم لحدسٍ معين حول المفهوم، لكن كلما فكروا حياله أكثر ازداد غموضًا.

ويضيف أن الرياضيين بالمقابل لا ينظرون إلى اللانهاية على أنها مفهوم مستقل. بدلًا من ذلك، فهم يوظفون عدة طرق للنظر نحو اللانهاية، من أجل الإلمام بأكبر عدد ممكن من جوانبها.

نجد على سبيل المثال أحجامًا مختلفة لمفهوم اللانهاية. أثبت ذلك عالم الرياضيات الألماني جورج كانتور Georg Cantor في أواخر القرن التاسع عشر.

علِمَ كانتور بأن الأرقام الطبيعية ــوهي جميع الأرقام الموجبة مثل 1، 4، 27، 56 و 15,687ــ مستمرة إلى ما لانهاية. تلك الأرقام لا نهائية، وهي أيضًا المستخدمة لعدّ الأشياء، لذلك عرَّفها على أنها أعداد «لا نهائية عدّيًا».

هل بإمكانك العد إلى ما بعد اللانهاية المضي قدمًا إلى الأبد أحجام مختلفة للانهاية هل يمكن أن ينتهي العد أين تنتهي الأرقام ما هو آخر رقم

تملك بعض الأرقام اللا نهائية حسابيًا خصائص مثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، الأعداد الزوجية (2، 4، 6 …إلخ) لا نهائية حسابيًا كذلك. وفي حين أنها تشتمل تقنيًا على نصف ما تضمه المجموعة الكاملة للأعداد الطبيعية، إلا إنها من نفس صنف اللا نهائية.

بلغةٍ أخرى، بإمكانك وضع كل الأعداد الزوجية والطبيعية جنبًا إلى جنب في عمودين، وسيستمر العمودان إلى ما لانهاية، لكنهما نفس «طول» اللانهاية. ذلك يعني أن نصف اللانهاية القابلة للحساب تبقى لانهاية بذاتها.

لكن تبصُّر كانتور العظيم في هذا الشأن كان باكتشافه وجود مجموعات أخرى من الأعداد اللا نهائية -لا عدّيًا. الأعداد الحقيقية ــالتي تضم الأعداد الطبيعية والكسور والأعداد غير النسبية مثل Piــ هي أعداد لا نهائية أكثر من الأعداد الطبيعية.

إذا وضعت كل الأعداد الطبيعية وكل الأعداد الحقيقية جنبًا إلى جنب في عمودين، ستمتد الأعداد الحقيقية إلى ما بعد لانهاية الأعداد الطبيعية. أصاب كانتور الجنون بعد ذلك، ولعل مرضه كان لأسباب لا علاقة لها بعمله حول اللانهاية

ما هو العدّ؟

إذن، لنعد إلى سؤالنا الرئيسي حول العد إلى ما بعد اللانهاية. يقول توسنر في هذا الصدد: «السؤال الذي تدفعك الرياضيات إلى طرحه هنا هو، «ماذا يعني ذلك؟». ماذا تعني بالعد إلى ما بعد اللانهاية؟»

من أجل الخوض في هذه المعضلة، تحدث توسنر عن الأعداد الترتيبية. عكس الأعداد الأصلية (1، 2، 3 وما بعدها) التي تخبرك بعدد الأشياء في مجموعة معينة، تعرَّف الأعداد الترتيبية بموقعها (الأول، الثاني، الثالث… إلخ)، وأُدرجت في الرياضيات من طرف كانتور.

نجد ضمن الأعداد الترتيبية مفهومًا يسمى أوميجا (يرمز إليه بالحرف الإغريقي ω)، يقول توسنر. يُعرَّف ω بأنه الشيء الذي يأتي وراء كل الأعداد الطبيعية الأخرى، أو كما سمَّاه كانتور «العدد الترتيبي الأول ما بعد الحدود».

يضيف توسنر هنا، أن ما يميز الأرقام أنه بإمكانك إضافة عدد آخر دائمًا في النهاية. لذلك أشياء مثل ω+1 و ω+2 موجودة بالفعل بل وحتى ω+ω. (إذا كنت تتساءل حول الأمر، في النهاية ستصل إلى عدد يسمى ω1، المعروف «بالعدد الترتيبي الأول غير القابل للحساب».

وبما أن العدَّ هو عبارة عن إضافة للأعداد، تسمح لك هذه المفاهيم بالعد إلى ما بعد اللانهاية بطريقة معينة، حسب توسنر.

ويضيف أن غرابة كل هذه الأمور هي التي تدفع علماء الرياضيات إلى الإلحاح على وضع تعريفات صارمة لمصطلحاتهم. من الصعب أن تفصل بين الحدس البشري الطبيعي وما يمكن إثباته رياضيًا إلا إذا كان كل شيء منظم.

نقتبس من كلام توسنر: «تخبرك الرياضيات: فكر عميقًا، ما هو العدّ؟»

قد تكون هذه الأفكار صعبة للغاية لاستيعابها بالمطلق، لنا نحن البشر الفانون. كيف يتعامل الرياضيون العاملون مع هذه الأشياء الغريبة في أبحاثهم اليومية؟

يجيب توسنر: «الكثير منه تمرُّس» ليضيف: «أنت تطور تخمينات جديدة مع إمكانية تعرض للخطأ، عند فشل الحدس، يمكنك القول أننا نتحدث عن هذا الدليل التدريجي الدقيق بذاته. لذلك إذا كان هذا الدليل مفاجئًا، بإمكانك التأكد من صحته، ثم تعلم كيفية تطوير تخمين آخر حول ذلك».

اقرأ أيضًا:

علماء رياضيات يقيسون لانهائيات ويقارنوها وهذا ما وجدوه

ما هي اللانهاية ؟

إعداد : وليد سايس

تدقيق: عون حداد

مراجعة: آية فحماوي

المصدر