«محركات الاعوجاج» تفوق سرعتها سرعة الضوء.. ونراها في أفلام الخيال العلمي.. قد تكون حيازتها ممكنة!

إنه من الصعب حقًّا العيش في هذا الكون الفسيح، حيث نعجز عن الوصول إلى أقرب النجوم التي تبعد عنا مئات السنين الضوئية، فسرعة الضوء مطلقة ولا يمكن تجاوزها أو الوصول إليها.

لا عجب إذن أن تستخدم مسلسلات الخيال العلمي وأفلام الخيال العلمي فكرة وجود مركبات أسرع من الضوء FTL حبكةً رئيسية، فيضغط أحدهم زرًّا أو يسحب ذراعًا فيبدأ النظام الرائع -الذي لا يمكننا تفسير آليته!- بالعمل، ويرسلنا إلى موقع آخر من الزمكان.

مع ذلك، أصبح المجتمع العلمي في السنوات الأخيرة متحمسًا -ومتشككًا في الوقت ذاته، وتشككه مفهوم- لفكرة أن يكون أحد المفاهيم المرتبطة بهذا الموضوع ممكنًا، وهو ما يُعرف بمحرك اعوجاج ألكوبير .Alcubierre Warp Drive

كان هذا موضوعًا لعرض قُدم في أثناء منتدى الدفع والطاقةPropulsion and Energy Forum التابع للمعهد الأمريكي للملاحة الجوية والفضائية AIAA، وقد أُقيم في فترة 19- 22 أغسطس في إنديانابوليس. قدم العرض جوزيف أغنيو Joseph Agnew، وهو طالب هندسة ومساعد أبحاث بمركز أبحاث الدفع (PRC) في جامعة آلاباما- هانتسفيل UAH.

أوضح أغنيو أن فكرة محرك الاعوجاج بسيطة نسبيًّا، وقد اقترحها سابقًا الفيزيائي المكسيكي ميجيل ألكوبير Miguel Alcubierre عام 1994، إذ تحدث عن مفهوم «الحركة التي هي أسرع من الضوء»، وذلك بتطبيق نظري -لكنه ممكن- لمعادلات أينشتاين، التي تصف كيفية تفاعل الفضاء والزمان والطاقة معًا في الكون.

يحقق محرك ألكوبير السفر أسرع من الضوء بتمدد نسيج الزمكان في موجة، ما يجعل الفضاء ينكمش أمام هذه الموجة، ويتمدد خلفها.

نظريًّا، يمكن لمركبة فضاء داخل هذه الموجة أن تمتطي فقاعة اعوجاج warp bubble، وتصل إلى سرعات تفوق سرعة الضوء، وهو ما يُعرف بمترية ألكوبير Alcubierre Metric.

إذا أردنا تفسير ذلك في ضوء نظرية النسبية العامة، فإن فقاعة الاعوجاج ستمثل إطارًا مرجعيًّا للقصور الذاتي لأي شيء يوجد داخلها، ومِن ثَمَّ، تستطيع الفقاعة أن توجد في منطقة مسطحة من الزمكان، وأن تتجاوز سرعة الضوء، ولمَّا كانت المركبة لا تتحرك عبر الزمكان، بل تُحرِّك الزمكان نفسه، فلن تنطبق عليها تأثيرات النسبية مثل تمدد (تباطؤ) الزمن.

باختصار، تسمح مترية ألكوبير بالسفر بسرعات تتجاوز سرعة الضوء بدون خرق قوانين النسبية.

«محركات الاعوجاج» تفوق سرعتها سرعة الضوء.. ونراها في أفلام الخيال العلمي.. قد تكون حيازتها ممكنة! - مركبات بسرعة أسرع من الضوء

قال أغنيو إن هذه الفكرة قد ألهمته منذ كان في المرحلة الثانوية، وسعى خلفها منذ ذلك الوقت، كما كتب في خطابه إلى موقع Universe Today:

«لقد تعمقت في دراسة الرياضيات والعلوم، واهتممت بالخيال العلمي والنظريات المتقدمة تقنيًّا، ولاحظت كيف أن مسلسلات الخيال العلمي قد ألهمت أو توقعت اختراع الهواتف الخلوية والأجهزة اللوحية وغيرها. ثم بدأت أفكر في تقنيات أخرى مثل طوربيدات الفوتون، وأسلحة الليزر، ومحرك الاعوجاج، وكيف تناول كل من الخيال العلمي والعلم الحقيقي هذه التقنيات، ثم عثرت على البحث الأصلي لميغيل ألكوبير، وبعد قراءته واستيعابه لبعض الوقت، سعيت خلف بعض الكلمات الدالة والمقالات، وتعمقت في دراسة النظرية».

كان المفهوم مرفوضًا عمومًا لأنه نظري بالكامل، ولكنه عاد إلى الحياة مرة أخرى في السنوات الأخيرة، ويرجع الفضل في ذلك بنسبة كبيرة إلى هارولد وايت Harold White، قائد فريق الدفع المتقدم بمختبر إيجل وركس Eagleworks Laboratory، التابع لمركز جونسون للفضاء بوكالة ناسا.

خلال ندوة 100 Year Starship Symposium التي عُقدت سنة 2011، شارك وايت بعض الحسابات المُحدثة عن مترية ألكوبير. وفقًا لوايت، فإن نظرية ألكوبير سليمة، ولكنها تحتاج إلى بعض الاختبارات الجادة والتطوير، وهو ما كان وايت وفريقه يعملون عليه منذ ذلك الحين في مختبر إيجل وركس.

قضى أغنيو كثيرًا من الوقت في دراسة ميكانيكا الاعوجاج ونظريته، تحت إشراف جيسون كاسيبري Jason Cassibry، أستاذ الهندسة الميكانيكية والفضاء، وعضو هيئة التدريس بمركز أبحاث الدفع بجامعة UAH، وتوَّج جهوده بدراسة تتناول العقبات الكبيرة والفرص التي تقدمها أبحاث ميكانيكا الاعوجاج.

يرى أغنيو أن عدم أخذ مفهوم محرك الاعوجاج على محمل الجد في الأوساط العلمية من أكبر العقبات، فيقول:

«يجلب ذكر محرك الاعوجاج الضحك والسخرية، لأنه يبدو خيالًا علميًّا، وغالبًا ما يُقابل بالرفض ويُنظر إليه على أنه أمر شديد الغرابة، وهذا مفهوم. بالنسبة لي، فقد صنفت هذا المفهوم ذهنيًّا ضمن مفاهيم الحركة التي هي أسرع من الضوءsuperluminal ، بينما يفترض الجميع أنه لا يمكن أن توجد سرعة أكبر من سرعة الضوء على الإطلاق.

عندما تعمقت في دراسة النظرية، وجدت أن هذا لا يمثل مشكلة، وأعتقد أن الاهتمام بالفكرة سيزداد عندما يطلع الناس على التقدم الذي حققناه حديثًا، لأن فكرة المحرك تاريخيًّا تمثِّل عقبة، إذ يراها الناس معادلاتٍ نظرية بدلًا من رؤية النتائج المتحققة، وهذا ما يصعِّب ملاحظة أي تقدم».

بينما ما زال هذا المجال في بدايته، فقد دعمته بعض التطورات الحديثة، مثل اكتشاف علماء المرصد الأمريكي LIGO عام 2016 لموجات الجاذبية التي تحدث طبيعيًّا GWSs، (تسمى أيضًا الموجات الثقالية، وهي تموجات في الزمكان تنتشر على شكل أمواج من المصدر إلى الخارج، وقد تنبأت بها نظرية النسبية العامة لأينشتاين)، وأثبت هذا الاكتشاف أن لمحرك الاعوجاج أساسًا في الطبيعة.

قال أغنيو: «حدث تقدم مدهش في توقع آثار المحرك خلال الـ10 سنوات الماضية، مما سيساعد على تحديد كيفية صنعه. يُعد اكتشاف الموجات الثقالية خطوةً كبيرةً حقًّا، إذ أثبت إمكانية انحناء الزمكان واعوجاجه في وجود حقول جاذبية هائلة، هكذا كنا نظن في الماضي، ولكننا مستيقنون الآن، ويرجع الفضل في ذلك إلى أينشتاين، الآن نعلم أن التأثير حقيقي. السؤال الآن هو: هل يمكننا توليد نفس التأثير بأنفسنا في المختبر؟ سيكون هذا استثمارًا هائلًا في الوقت والموارد، ولكنه سيعود بمنافع جمة».

لا شك أن نموذج محرك الاعوجاج يتطلب دعمًا إضافيًّا، وأوجه تقدم عديدة قبل أن يكون البحث التجريبي ممكنًا، إذ يتطلب تطورًا في نطاق البحث النظري بالإضافة إلى التطور التقني.

يعتقد أغنيو أننا إذا تعاملنا مع العقبات على أنها مشاكل صغيرة عديدة، بدلًا من تعاملنا معها على أنها مشكلة عويصة ضخمة، فسنحرز تقدمًا بالتأكيد، كما قال:

«يحتاج محرك الاعوجاج أساسًا إلى وسيلة للتحكم في ضغط الزمكان وتمديده، في نطاق ضيق مثل المنطقة المحيطة بمركبة فضائية. نحن نعلم بالتأكيد أن الطاقة المكثفة جدًّا -مثل حقول الطاقة الكهرومغناطيسية- يمكنها التسبب في انحناء الزمكان، ولكن هذا يتطلب كميات هائلة من الطاقة، حسب تحليلنا الحالي للوضع.

إذن الحل هو محاولة تحديث الإمكانيات التقنية من معدات وخطوات بأكبر قدر ممكن، لجعل هذه الطاقة المكثفة جدًّا ممكنة، إذا نجحنا في تطبيق هذا التأثير في المختبر، فسيقودنا ذلك إلى فهم أكثر عمقًا لطريقة عمل الجاذبية، مما يفتح المجال لاكتشاف نظريات وثغرات لم تُكتشف بعد. الخلاصة: الطاقة هي أكبر عقبة أمامنا، بعد ذلك تأتي العقبات التقنية، إذ نحتاج إلى حقول طاقة كهرومغناطيسية أكبر ومعدات أكثر حساسية».

مازال التحدي الأكبر أمام نموذج ألكوبير هو كمية الطاقة المطلوبة لخلق فقاعة الاعوجاج، يعتقد العلماء أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على كثافة الطاقة السلبية اللازمة لإنتاج الفقاعة هي استخدام المادة الغريبةExotic matter (وهي مادة تختلف خصائصها عن خصائص المواد الطبيعية).

يقول العلماء إن مقدار الطاقة اللازمة لذلك تعادل كتلة كوكب المشتري، ويُعد هذا أفضل من التقديرات السابقة التي قدرت الطاقة اللازمة بأنها تماثل حجم الكون بأكمله، ولكنه ما زال يمثل قدرًا هائلًا من الطاقة، لذلك فنحن في حاجة إلى المزيد من التقدم التقني من أجل تقليل ما نحتاجه من الطاقة إلى مقدار أكثر واقعية.

يرى أغنيو أنه يمكن تحقيق ذلك عبر المزيد من التقدم في مجالات فيزياء الكم، وميكانيكا الكم، والمواد الفائقة metamaterials (وهي مواد صُممت لتحصل على خصائص لا توجد في المواد الطبيعية)، أما بالنسبة للجانب التقني، فإننا نحتاج إلى المزيد من التقدم في صناعة الموصلات الفائقة superconductors، ومقاييس التداخل interferometers، والمولدات المغناطيسية، بالإضافة إلى مشكلة التمويل.

ولكن كما يرى أغنيو، فإن الأمر ليس مستحيلًا، وبالنظر إلى ما حققناه حتى الآن، فإن لدينا ما يدعونا لنكون أكثر تفاؤلًا، كما كتب:

«لقد أثبتت النظرية حتى الآن أنها تستحق السعي خلفها، وأنه من السهل الآن توفير أدلة على منطقيتها، وفيما يتعلق بالتمويل، فليس من الصعب رؤية أن القدرة على استكشاف ما وراء النظام الشمسي ستكون قفزة هائلة للبشر، وأن النمو التقني الناتج عن دفع حدود البحث سيكون مفيدًا جدًّا بالتأكيد».

سيكون على محرك اعوجاج ألكوبير أن يشق طريقًا صعبًا، كما حدث من قبل مع إلكترونيات الطيران، والأبحاث النووية، واستكشاف الفضاء، والسيارات الكهربية، ومعززات الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، وقد أثبتت الحالات السابقة أنك في نهاية المطاف تمر بنقطة اللاعودة، ويصبح الأمر ممكنًا تمامًا.

وبالنظر إلى انشغالنا المتزايد بالكواكب الخارجية، فإن عددًا غير قليل من الناس يأمل في إرسال مهمات للنجوم القريبة، بحثًا عن كواكب صالحة للحياة، وقد علمنا التاريخ، أنه أحيانًا كل ما يلزم لتحريك الكرة هو دفعة جيدة في البداية.

اقرأ أيضًا:

نظريّة غريبة: موجات الجاذبيّة المكتشفة مصدرها الثقوب الدوديّة

تقرير غامض من الجيش الأمريكي عن “محركات الاعوجاج”، إليك ما يعتقده العلماء عن هذا التقرير

ترجمة: عمرو خلف

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: صالح عثمان

المصدر