يعتبر اضطراب الاكتئاب الشديد من أكثر الاضطرابات المزاجية شيوعًا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويصيب نحو 17 مليون بالغ كل سنة. حصيلة تأثيره في العالم -بحسب بعض التقديرات- أكبر من إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة الامريكية. ويتميز بمزيج من مشاعر الحزن العارمة أو الإحساس الشديد بالذنب وغياب الطاقة والدافع والأرق -أو الإفراط بالنوم- والقلق والانفعال وصعوبة التركيز.

تتبع هذه الأعراض نمطًا نهاريًّا في بعض الأحيان، إذ تزداد سوءًا في الصباح وآخر النهار، وفي نهاية المطاف أصبحت هذه الأعراض تنهك كثيرًا من الناس إلى الحد الذي جعل الاكتئاب السبب الرئيسي للعجز في مختلف أنحاء العالم. وعادةً يتوارد إلى أذهاننا أن العلاج النفسي ومضادات الاكتئاب هي المعيار الذهبي لعلاج الاكتئاب.

لسوء الحظ أظهرت الأبحاث أن هذه العلاجات مؤقتة وتعالج الأعراض، بدلًا من علاج السبب الرئيسي. وتشير البحوث طويلة الأمد إلى أنه على الأقل %73 من الأفراد الذين شُخصوا بهذا الاضطراب سيعانون نوبات مستقبلية وأن %90 من الأفراد الذين أصابتهم ثلاث نوبات سابقة على الأقل سيعانون المزيد.

إضافة إلى ذلك فإن هذا له تأثير مضاعف، إذ تزيد كل نوبة اكتئاب من احتمال التعرض لنوبة جديدة في المستقبل بشكل كبير، بصرف النظر عن استخدام العلاجات التقليدية سابقًا.

عرفنا لسنوات عديدة أن الإجهاد (الذي يتجلى في صورة إجهادات حياتية أو صدمة أثناء النمو) يمكن أن يزيد احتمالية حدوث المزيد من نوبات الاكتئاب، وتسمى هذه النظرية -فرضية التأجيج Kindling-hypothesis.

ووفقًا لهذه النظرية فإنه في كل مرة يتعرض فيها المصابون بالاكتئاب لبعض الضغوط، تتناقص جاهزيتهم لمقاومة الإجهاد قبل الدخول في نوبة اكتئابية.
كانت فرضية التأجيج مفضلة في عام 1992، إلا إن معظم الباحثين باتوا يشعرون أنها لا تقدم تعريفًا دقيقًا.

لماذا الاكتئاب معركة طويلة الأمد؟ - مقطتفات من تطور الأبحاث في الاكتئاب - ما الذي يجعل من الكآبة حالة صعبة؟ - أكثر الاضطرابات المزاجية شيوعًا

إزالة الغموض عن هذا الاضطراب أمر شاق في حد ذاته، إلا إننا نأمل أن توفر لنا الأبحاث الحديثة وضوحًا أكبر، مع أن ذلك يبدو غير ممكن.

اختبر تحليل تلوي meta-analysis الحديث عددًا من الصفات المختلفة التي قد تكون مرتبطة بتكرار حالات الاكتئاب، لكنه وجد أن أعراض الاكتئاب المتبقية ترتبط مع النوبات السابقة حتى بعد العلاج السلوكي الإدراكي.

والطرائق المقبلة التي قد توفر بعض الوضوح حول سبب تكرر الاكتئاب في كثير من الأحيان هي الطرائق التي ستعتمد على المؤشرات الحيوية استنادًا إلى: التصوير العصبي وتحليل مستويات الهرمون أو التنميط الجيني.

أُجري تحليل تلوي جديد بسبر أكثر من 600 مقال من المقالات المدروسة سابقًا، لمعرفة: هل حجم الدماغ (خاصةً حجم القشرة الجبهية الأمامية والحصين واللوزة) والسيتوكينات الإلتهابية والهرمونات (مثل الكورتيزول) مرتبط بتكرر نوبات الاكتئاب أم لا؟

مع وجود بعض المشاكل المنهجية بسبب الافتقار العام للتوحيد القياسي بين دراسات المؤشرات البيولوجية إلى اضطراب الاكتئاب الشديد، فإن فريق كنس Kennis’ group اكتشف مؤشرًا مستقبليًّا واحدًا فقط إلى حدوث نوبات الاكتئاب المستقبلية، هو الكورتيزول، الذي يكون مستواه أعلى عند الأفراد الذين يتعرضون لضغوطات أكثر في الحياة.

مع أننا على مشارف انتهاء سنة 2019 فإن معلوماتنا حول سبب مواصلة ظهور الاكتئاب طوال العمر هي نفس المعلومات منذ عام 1992.

صحيح أننا خطونا خطوات واسعة في التصوير العصبي؛ إذ ابتكرنا نظريات أكثر تماسكًا وتكاملًا حول الاكتئاب، لكننا ما زلنا جاهلين نسبيًّا بهذه القضية.

نأمل أن توفر المؤشرات الحيوية المستقبلية مزيدًا من الوضوح، خاصة عندما نبدأ بفهم التأثيرات العصبية الفعّالة على العلاجات غير الأولية مثل التحفيز المغناطيسي للجمجمة ودواء الكيتامين، علاوة على ذلك فمن المرجح أن العلاجات المذكورة آنفًا قد تقلل أو على الأقل تبطئ معدلات التكرار المستقبلية لهذا الاضطراب.

اقرأ أيضًا:

الاكتئاب: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

تدخين الحشيش في سن المراهقة مرتبط بخطر تزايد الاكتئاب في سن الرشد

ترجمة: يمام نضال دالي

تدقيق: عون حداد

مراجعة: صالح عثمان

المصدر