يصف ثابت هابل Hubble constant سرعة توسع الكون لمسافات مختلفة من نقطة معينة في الفضاء، ويُعد من أساسيات فهمنا لتطور الكون، لكن ما زال الباحثون غير متفقين على قيمة هذا الثابت.

كيف اكتُشف ثابت هابل؟

احتسب الفلكي إدوين هابل Edwin Hubble (1889-1953) قيمة هذا الثابت للمرة الأولى في عشرينيات القرن الماضي، وكان هابل أول من اكتشف أن تلك الأجرام السماوية الغامضة الشبيهة بالسُحب، هي في حقيقة الأمر مجرات بعيدة موجودة خارج مجرتنا درب التبانة.

إدوين هابل

إدوين هابل

قبل ذلك، أوضحت عالمة الفلك هينريتا ليفيت Henrietta Leavitt (1868-1921) أن النجوم المعروفة بمتغيرات سيفيد Cepheid Variables، التي يضعف سطوعها ويشتد بانتظام، تُظهر ارتباطًا وثيقًا بين فترة تنوعها وسطوعها الذاتي، ومن ثم توصل هابل إلى أنه بمعرفة القدر الحقيقي لسطوع هذه النجوم وقدر السطوع المرصود من الأرض، يمكن احتساب بُعد هذه النجوم عنا.

هينريتا ليفيت

هينريتا ليفيت

كان ما اكتشفه هابل مذهلًا، إذ بدت جميع المجرات تتحرك مبتعدةً عنا، وليس هذا فحسب، بل إنه كلما كانت المجرة أبعد، كانت سرعة ابتعادها أكبر، ومن هنا وضع هابل عام 1929 قانونه المعروف باسمه Hubble’s law، والذي ينص على وجود علاقة بين بُعد جرم ما عنا والسرعة التي يبتعد بها.

لكن لا يعني هذا أن الأرض هي مركز الكون أو شيء كهذا، فقط يجعلنا وجودنا على الأرض نقيس بُعد الأجرام نسبةً إليها، لكن المراقب في أي مكان من الكون سيرى تلك الأجرام تبتعد عنه بمعدل يزداد بازدياد المسافة.

باستخدام ما جمع من بيانات، قدّر هابل قيمة الثابت -الذي حمل اسمه- بـ342 ألف ميل في الساعة لكل مليون سنة ضوئية، أو 501 كيلومتر في الثانية لكل ميغابارسيك (الميغابارسيك Megaparsec (Mpc) وحدة فلكية تساوي 3.26 مليون سنة ضوئية). لكن عندما أعاد العلماء القياس باستخدام تقنيات أحدث وأدق، وجدوا أن تقدير هابل كان أكبر من القيمة الحقيقية بنحو عشرة أضعاف.

لكن لماذا ثابت هابل متغير؟

يبقى انحراف قيمة ثابت هابل محل خلاف بين العلماء. في تسعينيات القرن الماضي، اكتشف علماء الفلك أن أجرام المستعر الأعظم supernovas البعيدة أكثر خفوتًا -أي أنها أبعد- مما كانوا يعتقدونه سابقًا. ويشير هذا إلى أن الكون لا يتوسع فحسب، وإنما يتسارع في توسعه أيضًا، ما تطلب إضافة مفهوم الطاقة المظلمة dark energy إلى النماذج الكونية، وهي قوة كونية غامضة تسبب تدافع كل شيء في الكون.

من ثم حاول العلماء تحديد معدل تسارع التوسع الكوني، في محاولة لفهم كيف بدأ الكون وكيف يتطور، وماذا سيكون مصيره. في عام 2016، احتُسبت قيمة ثابت هابل باستخدام بيانات متغيرات سيفيد Cepheid Variables، ومصادر أخرى لفيزياء الفلك، ووُجد أنها تساوي 50.4 ألف ميل في الساعة لكل مليون سنة ضوئية (أي 73.4 كيلومتر في الثانية لكل ميغابارسيك).

لكن باستخدام بيانات القمر الصناعي Planck التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، الذي أمضى 10 سنوات في قياس إشعاع الخلفية الكونية الدقيقcosmic microwave background (CMB) (وهو بقايا إشعاعية من الانفجار العظيم، تحتوي بيانات عن المقاييس الأساسية في الكون)، وُجد -سنة 2018- أن ثابت هابل يساوي 46.2 ألف ميل في الساعة لكل مليون سنة ضوئية (أي 67.4 كيلومتر في الثانية لكل ميغابارسيك).

 نجوم RS Puppis، من ألمع النجوم المرئية في مجرتنا، وهي من نجوم Cepheid variable التي رصدها تليسكوب هابل، ويستخدمها علماء الفيزياء الفلكية لاحتساب معدل تسارع الكون

نجوم RS Puppis، من ألمع النجوم المرئية في مجرتنا، وهي من نجوم Cepheid variable التي رصدها تليسكوب هابل، ويستخدمها علماء الفيزياء الفلكية لاحتساب معدل تسارع الكون

تلخيص لقيم ثابت هابل المحتسبة بالوسائل المختلفة

لا يوجد فرق كبير بين القيمتين المحتسبتين لثابت هابل (قياس سيفيد وقياس بلانك)، لكن كل قيمة منهما دقيقة للغاية، ولا تحتوي أي مجال للخطأ. إذا كان تقدير سيفيد للقيمة خطأ، سيعني ذلك أن جميع المسافات المقاسة بين النجوم منذ هابل خاطئة أيضًا، أما إذا كان قياس بلانك هو الخطأ، فسيعني ذلك أننا نحتاج إلى نماذج جديدة تمامًا للفيزياء الفلكية، لكن لم يعترف أي من الفريقين حتى الآن بوجود أخطاء جوهرية في حساباته.

في يوليو من عام 2019، استخدم العلماء تقنيةً جديدةً لاحتساب قيمة ثابت هابل، إذ درسوا ضوء النجوم الحمراء العملاقة red giant stars، التي تصل إلى نفس درجة السطوع في نهاية حياتها، أي أنه -بنفس المبدأ المستخدم في حالة متغيرات سيفيد- يمكن قياس بُعد هذه النجوم عن الأرض بالنظر إلى مدى السطوع المرصود، ووُجد أن قيمة ثابت هابل تساوي 47.3 ألف ميل في الساعة لكل مليون سنة ضوئية (69.8 كيلومتر في الثانية لكل ميغابارسيك)، لكن لم يُعلن عنه رسميًا بعد.

صرح أحد أعضاء فريق القياس الأخير، وهو الفلكي باري مادور Barry Madore من جامعة شيكاغو، لموقع Live Science: «أردنا حل الخلاف بين القياسين السابقين، لكن لم يتبين لنا بعد أي الفريقين على حق».

إذن ما زال الأمر قيد المناقشة. اقترح البعض أن مرصد Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory (LIGO)، الذي يرصد موجات الجاذبية (تموجات نسيج الزمكان التي يسببها تصادم النجوم النيوترونية البعيدة)، ربما يُمثل مصدرًا لبيانات تمكننا من إجراء حسابات أكثر دقة، ويرى فريق آخر من العلماء أن الحل يكمن في عدسات الجاذبيةgravitational lensing ، التي تحدث عندما تؤدي الأجرام الضخمة إلى انحناء وتشوه نسيج الزمكان، فتعمل مثل عدسة مكبرة تمكننا من رؤية مسافات أبعد لتوضيح الانحراف في القيم. لكن حتى الآن، لم يتوصل أحد بشكل قاطع إلى القيمة الحقيقية لثابت هابل.

اقرأ أيضًا:

قانون هابل – Hubble’s Law

الكون المرئي – شرح موجز لماهية الكون

ترجمة: فارس بلول

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: اسماعيل اليازجي

المصدر