كشف العلماء عن نوع جديد من الإشارات الكهربية بين الخلايا العصبية، ما قد يساهم في اكتشاف الطريقة المميزة لعمل الدماغ البشري.

تعمل أدمغتنا كالحواسيب عبر مجموعة من الخلايا الدماغية المترابطة فيما بينها، تُسمى الخلايا العصبية (العصبونات) Neurons، التي تتبادل المعلومات عبر إشارات كيميائية وكهربية تُسمى كمونات العمل Action Potentials.

كشف الباحثون أن بعض الخلايا في القشرة المخية البشرية ترسل إشارات بطريقة لم نرها في الخلايا العصبية للقوارض. قد تساعدنا هذه الآلية على فهم أدمغتنا المميزة وتطوير البرامج المعتمدة على نموذج الدماغ البشري.

في دراسة أُجريت في جامعة هامبولدت Humboldt University ببرلين، كتب ماثيو لاركم Matthew Larkum: «قد تكون الخلايا العصبية البشرية أجهزةً حسابية أقوى مما كنا نظن«.

تملك الأدمغة البشرية قشرةً سميكة في الطبقتين L2/L3 الخارجيتين. تحوي هاتان الطبقتان خلايا عصبية ذات تفرعات كثيفة تُسمى تغصنات Dendrites، تؤمن الاتصال وتبادل المعلومات بينها وبين الخلايا العصبية الأخرى.

حصل الباحثون على مقاطع من طبقات القشرة المخية الثانية والثالثة من أدمغة مرضى الصرع والأورام وحللوها مع التركيز على تغصنات الخلايا العصبية. أوضح لاركم أن جراحات مرضى الصرع وفرت قدرًا كافيًا من القشرة المخية للدراسة، واستُخدمت عينات مرضى الأورام للتأكد من أن المشاهدات التي حصلنا عليها من عينات مرضى الصرع ليست مميزةً لهم.

علق الفريق الأنسجة باستخدام الالتقاط الرقعي Patch Clamp (وهو نظام ينشئ دارة كهربية بين الخلايا)، واستخدموا المجهر الوامض Fluorescing Microscope لمراقبة عمل طبقات القشرة المخية. لاحظ الفريق أن التيارات الكهربية المتدفقة تحرض كمونات عمل أكثر مما تحرضه الخلايا المماثلة في القوارض، وأن المادة الكيميائية التي من المفترض أن تعيق عمل التغصنات لم تقم بذلك بالكامل.

اكتشاف نوع جديد من الإشارات العصبية قد تساعدنا على فهم طريقة عمل الدماغ البشري - تتبادل العصبونات المعلومات عبر إشارات كيميائية وكهربية

كشفت التجربة وجود نوع جديد من كمونات العمل تنتقل بمساعدة شوارد الكالسيوم بدلًا من شوارد الصوديوم والكالسيوم معًا، وهو نوع لم يسبق لنا رؤيته في خلايا القشرة المخية للثدييات.

بعد دراسة سلوك كمونات العمل المتواسطة بالكالسيوم، صاغ الباحثون -في مرحلة تالية من التجربة- هذه الكمونات برمجيًّا، بإدخالها في محاكاة افتراضية، ما كشف قدرتها على إجراء عملية حسابية تُسمى بوابة الاختيار الحصري XOR Gate التي ظن العلماء أن إجراءها يتطلب شبكةً من الخلايا العصبية لا خليةً واحدة. اقترح العلماء إنه من الممكن أن تتضمن الشبكات العصبية الاصطناعية هذا النوع الجديد من الكمونات لتبسيط العمليات الحسابية.

لكن الدراسة تظل محدودة، فلم يتمكن الباحثون من دراسة كامل الخلية العصبية، ولم تُنفذ التجارب على البشر ولكن فقط على خلايا بشرية. قد نجد مثل هذه الكمونات لدى الثدييات الأخرى، لكنها لم تُشاهد حتى الآن ضمن العينات المخبرية.

صرح مايكل هوسيه Michael Hausser أستاذ علم الأعصاب في جامعة لندن: «هذه دراسة مثيرة تستكشف حدودًا جديدة لفهمنا لعمل الخلايا العصبية البشرية وخصائص تغصناتها، إذ تشغل التغصنات العصبية %95 من سطح المنطقة الهرمية في القشرة المخية، لكنها تبقى مساحةً غير مستكشفة من الدماغ البشري«.

وفقًا لهوسيه فإن الخطوة التالية من الدراسة هي بحث كون كمونات العمل ممَيِّزة حقًّا لهذه التغصنات، ودراستها ضمن دماغ سليم، وهو ما سيسمح لنا بالكشف عن دور الخصائص الكهربية للتغصنات العصبية البشرية في تميز الدماغ البشري.

يأمل الباحثون في إكمال دراستهم حول كمون العمل وسلوك التغصنات العصبية، باعتبارها طريقةً لفهم آلية عمل القشرة المخية البشرية.

اقرأ أيضًا:

وجد العلماء الطريقة التي تستطيع خلالها الخلايا العصبية نقل المعلومات إلى عدة أجيال

فيزيائيون يبطلون تفسيرًا لكيفية عمل الخلايا العصبية دام لما يزيد عن مئة عام

مكابح الخلايا العصبية: كيف تنتقل الإشارة الكهربائية على طول العصب؟

ترجمة: أنس بيرام بك داغستاني

تدقيق: محمد وائل القسنطيني

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر