كان العلماء محقين في ظنهم، فالزمكان يهتز بالفعل متأثرًا بالأجسام الدوارة الهائلة. خلصت دراسة جديدة إلى أن الطريقة التي ينحني بها نسيج الزمكان في هيئة دوامة كونية حول نجم محتضر تؤكد من جديد أحد توقعات نظرية النسبية العامة لأينشتين، وهو ما يُعرف بظاهرة شد الإطار المرجعي frame dragging أو تأثير لينس-ثيرينغ Lense-Thirring، الذي ينص على أن الزمكان يهتز حول جسم دوار هائل. لنقل أن الأرض مغمورة في سائل، فعندما تدور سيهتز السائل المحيط بها، وكذلك الأمر يُعَد صحيحًا بالنسبة للزمكان.

تصور فني لشد الإطار المرجعي (تأثير Lense-Thirring) الناتج عن قزم أبيض دوار في النظام النجمي الثنائي PSR J1141-6545

تصور فني لشد الإطار المرجعي (تأثير Lense-Thirring) الناتج عن قزم أبيض دوار في النظام النجمي الثنائي PSR J1141-6545

كشفت بيانات الأقمار الصناعية عن ظاهرة شد الإطار في مجال جاذبية الأرض، التي تدور بطبيعة الحال، لكن كان التأثير في حالة الأرض صغيرًا للغاية، لذا كان من الصعب قياسه، أما في حالة الأجسام ذات الكتل الأكبر وحقول الجاذبية الأقوى كالأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية فتزداد فرص رصد هذه الظاهرة.

شاهد الفيديو

ركز العلماء على PSR J1141-6545، وهو نجم نابض pulsar حديث تبلغ كتلته نحو 1.27 ضعف كتلة الشمس. ويقع على بعد 10 – 25 ألف سنة ضوئية من الأرض، ضمن الكوكبة النجمية موسكا (الذبابة) Musca (the fly)، بالقرب من كوكبة الصليب الجنوبي Southern Cross.

النجم النابض هو نجم نيوتروني سريع الدوران، يبعث موجات راديو من قطبيه المغناطيسيين. النجوم النيوترونية هي بقايا النجوم الناتجة عن انفجارات كارثية تعرف بالمستعرات العظمى supernovas، وتكون جاذبيتها قوية لدرجة اندماج البروتونات والإلكترونات لتكوين نيوترونات.

النجم النابض PSR J1141-6545 يدور حول قزم أبيض كتلته تقارب كتلة الشمس. الأقزام البيضاء هي أنوية فائقة الكثافة تماثل حجم الأرض تقريبًا، تمثل بقايا النجوم المحتضرة الناتجة عن استنفاد نجم متوسط الحجم لوقوده. سينتهي المطاف بشمسنا قزمًا أبيض يومًا ما، وكذلك نحو 90٪ من نجوم مجرتنا.

صرح فينكاترامان كريشنان Venkatraman Krishnan، عالم الفيزياء الفلكية في معهد ماكس بلانك في بون بألمانيا، أن النجم النابض المقصود يدور حول قزم أبيض في مدار ضيق سريع يستغرق إكماله أقل من 5 ساعات، ويندفع عبر الفضاء بسرعة تبلغ نحو مليون كيلومتر في الساعة، مع فاصل بين-نجمي أكبر من حجم شمسنا.

رصد الباحثون على مدار 20 عامًا وصول نبضات من النجم النابض إلى الأرض بدقة ضمن مجال 100 ميكروثانية، وذلك باستخدام مرصدي الراديو Parkes وUTMOST في أستراليا، ما سمح لهم باكتشاف انحراف بعيد المدى في دوران النجم النابض والقزم الأبيض.

استنتج العلماء -بعد استبعاد الأسباب الأخرى- وجود ظاهرة شد الإطار. فالطريقة التي يشد أو يسحب بها القزم الأبيض سريع الدوران الزمكان تسبب تغيرًا في اتجاه مدار النجم النابض ببطء مع مرور الوقت، وبناءً على مستوى شد الإطار ووفقًا لحسابات الباحثين فإن القزم الأبيض يدور حول محوره نحو 30 مرة في الساعة.

شاهد الفيديو

اقترح بحث سابق أن القزم الأبيض تشكل قبل النجم النابض في هذا النظام الثنائي binary system. يتوقع أحد النماذج النظرية أنه قبل حدوث المستعر النجمي الذي شكَّل هذا النجم النابض، فإن سلفه قد أكسب القزم الأبيض مادةً تعادل 20 ألف مرة كتلة الأرض على مدار 16 ألف عام تقريبًا، ما زاد من معدل دورانه.

وقال كريشنان: «في أنظمة مثل PSR J1141-6545 يكون النجم النابض أحدث عهدًا من القزم الأبيض، وهي أنظمة نادرة جدًا. تثبت الدراسة الجديدة فرضية مُقترَحة منذ أكثر من عقدين حول كيفية نشوء هذا النظام الثنائي».

أشار الباحثون إلى أنهم استخدموا شد الإطار لتصور النجم الدوار المسبب له، وأنهم قد يتمكنون مستقبلًا من استخدام منهج مشابه لتحليل النجوم النيوترونية الثنائية لتعلم المزيد عن تكوينها الداخلي، ويضيف كريشنان: «كان التعامل مع النجوم النيوترونية الثنائية صعبًا، حتى بعد مرور أكثر من 50 عامًا من مراقبتها، فكثافة مادة النجم النيوتروني تفوق بكثير ما يمكن الوصول إليه مخبريًّا، لذلك أمامنا الكثير من الفيزياء الجديدة لنتعلمها باستخدام تقنيات المحاكاة لأنظمة النجوم النيوترونية».

اقرأ أيضًا:

أجمل أقوال ألبرت أينشتاين وأشهرها

موجات الجاذبية – بماذا أفادنا اكتشاف أمواج الجاذبية ؟

ترجمة: رولان جعفر

تدقيق: رزوق النجار

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر