استخدم العلماء لأول مرة تقنية كريسبر CRISPR لتعديل الجينات في محاولة منهم لتعديل جين في الحمض النووي DNA داخل جسم المريض دون إخراجه للمختبر.

تضمن هذا الإجراء الرائد إدخال أداة مجهرية مُعدِّلة للجينات في عين مريض أعمى نتيجة إصابته باضطراب وراثي نادر، على أمل أن يستعيد قدرته على الرؤية. خلال أسابيع، راقب العلماء المريض لمعرفة مدى نجاح هذه العملية، إذ سيتكمنون في حال نجاحها من معرفة مقدار الرؤية التي استعادها المريض في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر.

قال الدكتور إريك بيرس Dr. Eric Pierce أستاذ طب العيون في كلية الطب بجامعة هارفارد ومدير قسم اضطرابات شبكية العين الوراثية في شعبة أمراض العين والأذن في مستشفى ماساتشوستس: «متحمسون جدًا لهذا الأمر، فنحن نعمل على تطوير حقبة جديدة من تعديل الجينات للاستخدامات العلاجية سيكون لها تأثيرات مهمة في العديد من جوانب الطب».

أحدثت تقنية كريسبر في تعديل الجينات ثورة كبيرة في البحث العلمي؛ لأنها تسهل إعادة ترتيب الشيفرة الوراثية وتعديلها، وتُعطي آمالًا كبيرة في علاج العديد من الأمراض.

قبل هذه العملية، استخدم الأطباء تقنية كريسبر فقط لمحاولة علاج بعض المرضى المصابين بالسرطان أو اضطرابات الدم النادرة مثل فقر الدم المنجلي sickle cell anemia والثلاسيميا بيتا beta-thalassemia. كانت بعض النتائج الأولية واعدة، لكن ما زال الوقت مبكرًا لمعرفة مدى نجاح هذه المحاولات.

في الحالات السابقة، أزال الأطباء الخلايا من أجسام المرضى، ثم أجروا تعديلًا للجينات الموجودة فيها باستخدام تقنية كريسبر في المختبر، ثم أعادوا إدخال هذه الخلايا المُعدَّلة في أجسام المرضى، إما بقصد مهاجمة السرطان أو لخلق بروتين غير موجود في أجسامهم.

في هذه التجربة الجديدة التي أجراها الأطباء في معهد كيسي للعيون Casey Eye Institute في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون الأمريكية، حُقنت قطيرات مجهرية في عين مريض أعمى تقريبًا بسبب حالة تُسمى عمى ليبر الخلقي Leber Congenital-LCA Amaurosis، هذه القطيرات تحمل فيروسًا غير مُضرّ صُمم لتوصيل توجيهات أو تعليمات آلية كريسبر لتعديل الجينات.

في مرحلة الطفولة، تدمر هذه الحالة الوراثية النادرة تدريجيًا الخلايا الحساسة للضوء الضرورية للرؤية في شبكية العين. يتفاوت ضعف البصر الناجم عن هذه الحالة كثيرًا بين المرضى المصابين، لكن معظمهم يعانون العمى القانوني legally blind (العمى القانوني هو مستوى ضعف البصر الذي يحدده القانون إما للحد من الأنشطة المسموح بها لأسباب تتعلق بالسلامة -مثل القيادة- أو لتحديد الأهلية للحصول على استحقاقات العجز المُمولة من الحكومة من مساعدات تعليمية أو خدماتية أو مالية) ويمكنهم فقط التمييز بين الضوء والظلام أو ربما كشف الحركات من حولهم.

قال بيرس أيضًا: «يعاني معظم المرضى المصابين بهذا المرض ضعفًا شديدًا في الرؤية، إنهم عُميان وظيفيًا».

فور إدخال الفيروس الذي يحمل تعليمات تقنية كريسبر داخل العين، فإن الأداة المُعدِّلة للجينات ستزيل العيب الوراثي الذي تسبب في حدوث العمى، ويأمل الباحثون أن يؤدي ذلك إلى إنتاج بروتين أساسي وضروري لعملية الرؤية ومنع موت الخلايا في شبكية العين وكذلك إحياء خلايا أخرى، ما يسمح للمرضى باستعادة الرؤية بعض الشيء.

وأضاف: «إنها المرة الأولى التي نستخدم بها تقنية كريسبر لتعديل الجينات مباشرة داخل جسم المريض، نحن متفائلون حقًا، ونأمل أن هذه التقنية ستكون فعالة على نحو جيد».

أُجريت الدراسة تحت رعاية شركة إديتاس ميديسن Editas Medicine في مدينة كامبردج وولاية ماساتشوستس، وشركة ألرغان Allergan في مدينة دبلن في إيرلندا، وشملت في النهاية نحو 18 مريضًا تراوحت أعمارهم بين 3 و17 عامًا، تلقوا ثلاث جرعات مختلفة.

قال تشارلز ألبرايت Charles Albright، رئيس الموظفين العلميين في شركة إديتاس: «نحن متحمسون جدًا؛ فهي المرة الأولى التي نُعدّل فيها داخل الجسم، ونعتقد أن هذا الأمر سيفتح مجالات جديدة بالكامل في عالَم الطب وسيُؤدي إلى ظهور علاجات جديدة للأمراض التي لا يمكن علاجها بأي طريقة أخرى».

وصف فرانسيس كولينز Francis Collins مدير معاهد الصحة الوطنية هذا التقدم باللحظة المهمة، وقال: «نحلم جميعًا بأن يأتي الوقت الذي نستطيع فيه تطبيق هذه التقنية على آلاف الأمراض. نجرب هذه التقنية على الإنسان للمرة الأولى، وإذا نجحت وتأكدنا من أمانها فسنأمل في أن نتمكن من توسيع نطاق تطبيقها لتشمل العديد من الأمراض الأخرى».

أكد بيرس وألبرايت وآخرون أن مريضًا واحدًا فقط قد عُولِج حتى الآن، وأن الدراسة -التي ما تزال في مرحلة مبكرة جدًا- مُصممة أساسًا لتحديد إذا كان إدخال أداة تعديل الجينات مباشرة ضمن العين آمنًا أم لا.

تحقيقًا لهذه الغاية، بدأ الباحثون بأقل جرعة عند المرضى الكبار في العمر الذين عانوا بالفعل من أضرار جسيمة في رؤيتهم، وعالج الأطباء عينًا واحدة فقط عند كل مريض، واتُخذت جميع هذه الخطوات تحسّبًا في حال أعطى العلاج -بطريقة أو بأخرى- نتائج عكسية، وتسبّب في المزيد من الضرر بدلًا من أن يكون مفيدًا.

قال بيرس: «إذا استطعنا إصلاح الخلل الأساسي في عين هذا المريض وغيره من المرضى المتضررين بشدة، فسنستطيع إعادة الرؤية للأشخاص الذين لم يتمكنوا من الرؤية الطبيعية من قبل، كم سيبدو الأمر رائعًا!»

تضمنت الدراسة النمط العاشر من أشكال مرض عمى ليبر الخلقي الذي يسببه خلل في جين CEP290.

إذا نجحت الطريقة وأثبتت فعاليتها، فسينتقل عندها الباحثون لعلاج المرضى الأصغر سنًا. بحسب رأي ألبرايت، إن الأطفال لديهم القدرة على الاستفادة جيدًا من العلاج لأن مساراتهم البصرية ما زالت سليمة.

تتضمن العملية -التي تستغرق نحو ساعة كاملة- إجراء ثلاثة شقوق صغيرة يستطيع الجراح من خلالها الوصول إلى الجزء الخلفي من العين، ثم حقن أو إدخال ثلاث قطرات من السوائل التي تحتوي مليارات النسخ من الفيروس المصمم لحمل تعليمات تقنية كريسبر المعدلة للجينات وتوصيلها إلى تحت الشبكية، ومع وصوله ستتمكن عناصر كريسبر المُعدِّلة من قص الطفرة التي تسببت في حدوث عيب في جين CEP290 وإزالتها. نأمل أن يؤدي العلاج بعد تطبيقه -ولمرة واحدة- إلى تصحيح الرؤية لمدى الحياة، وعند نجاح التجربة يمكننا أن نكررها على العين الثانية لاحقًا.

قال بيرس: «بعد نجاح التجربة والتأكد من أمانها، يمكن عندها تطبيقها في علاج العديد من الأمراض الأخرى التي لا نستطيع فيها إزالة الخلايا من الجسم ومعالجتها خارجه»، ومن أمثلة هذه الأمراض: بعض اضطرابات الدماغ مثل داء هنتنغتون Huntington’s disease والأشكال الموروثة من الخرف dementia، وكذلك أمراض العضلات مثل ضمور العضلات وحثل التأتر العضلي myotonic dystrophy.

قال أرتور سيديسيان Artur Cideciyan الأستاذ في طب العيون في جامعة بنسلفانيا: «إن أمراض الشبكية الوراثية تُعد خيارًا جيدًا في العلاجات الجينية نظرًا لسهولة الوصول إلى الشبكية. تُظهر الأساليب والطرق الأخرى بعض الوعود والآمال، وما زلنا لا نعلم بوضوح أي الطرق هي الأفضل».

وأضاف: «يُفترض أن أسلوب تعديل الجينات سيكون حلًا دائمًا وثابتًا، لكن ما يزال الأمر غير واضح تمامًا، وسيتوجب علينا تقييم المعلومات والبيانات لمعرفة ذلك».

اقرأ أيضًا:

علماء روس سيبدؤون التعديل الجيني على خمسة أجنة

من الممكن أن تكون تقنية كريسبر آمنةً لعلاج السرطان

ترجمة: يوسف الجنيدي

تدقيق: غزل الكردي

المصدر