يتوقع العلماء ملاحظة تغير معدلات تفشي الأمراض ومكانها وشدتها مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية. صرح الرئيس ترامب للجمهور الأمريكي أن دفء الجو قد يستطيع وقف انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19). لكن يشير العلماء إلى انعدام الأدلة على ذلك.

يثير هذا أسئلةً جديدة عن تأثير درجات الحرارة على الأمراض المُعدية مع ارتفاع حرارة الأرض. ما زال تأثير التغيرات المناخية على فيروس كورونا مجهولًا، لكن تقترح دراسات مرتبطة بأمراض أخرى أن خطر الأوبئة يرتفع، لأن درجات الحرارة المتزايدة تحث الحيوانات على الهجرة، ما يسبب تغيرات أخرى.

يستمر فيروس كوفيد-19 (COVID-19) بالانتشار، رغم ظهور بشائر الربيع في نصف الكرة الشمالي.

يظهر موسم الإنفلونزا فجأةً في الشتاء، في الأماكن معتدلة المناخ في العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا ومناطق واسعة من آسيا، ثم يختفي في الربيع، مثلما أبدت أنواع أخرى لفيروس كورونا -عُرفت منذ زمن أطول ودرست دراسةً أفضل من كوفيد-19- أنماطًا موسمية.

لكن كوفيد-19، بوصفه فيروسًا جديدًا، ما زال يستدعي أسئلةً أكثر من الأجوبة. والعلماء غير متيقنين من الأنماط المحتمَلة مع انتشار الفيروس أو كيفية تأثره بالطقس.

تغير معدلات تفشي الأمراض ومكانها وشدتها مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية - سيختفي فيروس كورونا بحلول الصيف.. هل هذا كلام علمي؟ - كوفيد-19

وثَّقت تقارير فيروس كورونا رصد 100 ألف حالة حول العالم، دون إشارة إلى الانحسار. ووفاة أكثر من 3,000 شخص حول العالم، أكثرهم صينيون.

يرى العلماء أنه حتى إذا تبين لنا مستقبلًا أن الفيروس يتأثر موسميًّا، فإن هذا التأثير على الأرجح سيكون محدودًا هذا العام. سيستمر المرض غالبًا بالانتشار بوصفه فيروسًا جديدًا لا تملك المجتمعات البشرية مناعة كافية لمقاومته.

الإجابة على هذا النوع من الأسئلة عن فيروس كورونا سيأخذ وقتًا. لكن عمومًا، فإن الارتباط بين المناخ والأمراض المُعدية هي محل اهتمام متزايد لدى العلماء.

يتوقع الكثير من العلماء مشاهدة تغيرات في توقيت تفشي الأمراض وشدتها وتوزعها حول العالم مع ارتفاع حرارة الأرض. ويعتقد بعض العلماء أن التغير المناخي، إضافةً إلى اضطرابات بيئية أخرى، قد يسهل ظهور المزيد من الأمراض الجديدة مثل كوفيد-19.

تحدي البحث

إن معرفة نتيجة هذه التغيرات يشكل تحديًا، خصوصًا بالنسبة للأمراض المنتقلة مباشرةً مثل كوفيد-19، الذي ينتشر بسهولة من شخص إلى آخر.

توجد الكثير من الأبحاث حول تأثير المناخ في الأمراض المنتقلة من طريق وسيط، مثل الأمراض المنتقلة من طريق حيوانات أخرى كالبعوض والقراد. لكن تصعب دراسة تأثير المناخ على انتشار الأمراض المنتقلة من إنسان إلى آخر.

تقول راشيل بيكر Rachel Baker، المختصة في المناخ والأمراض المُعدية في معهد برينستون البيئي Princeton Environmental Institute: «يمكننا وضع البعوض في مختبر. ودراسة كل شيء بدءًا من مدة الحياة وخصائص وضع البيوض لديها ومختلف خصائص دورة الحياة الوظيفية، ثم نربط ذلك بعوامل المناخ».

تقترح الدراسات أن النواقل كالبعوض والقراد تتغير نطاقات تواجدها مع تغير المناخ. ما يعني أن الأمراض المنقولة من طريق وسيط، مثل الملاريا وحمى الضنك، قد تنتقل إلى مستوطنات جديدة في المستقبل.

لكن يصعب إجراء التجارب في الأمراض المنتقلة مباشرةً، مثل الإنفلونزا أو كوفيد-19. يمكن إجراء بعض الاختبارات على حيوانات التجارب، مثل فئران المختبر، لكن هذا لا ينطبق على كل مرض فيروسي. ولا تقدم الحيوانات تمثيلًا مطابقًا لانتشار الفيروسات بين البشر.

يأتي الكثير مما نعرفه عن المناخ والأمراض المنتقلة مباشرةً من المشاهدات لسلوكيات الأمراض الحادثة على نطاق واسع. يكتسب العلماء بهذه الطريقة تدريجيًّا المعرفة بتأثير المناخ على معظم الأمراض الفيروسية الشائعة.

لكننا نملك أسئلةً أكثر من الأجوبة. ولنأخذ الإنفلونزا مثالًا.

تُبدي الإنفلونزا، في المناطق معتدلة المناخ في العالم، أنماطًا موسمية واضحة، وتميل إلى الظهور شتاءً. يعتقد العلماء أن هذا الفيروس ينجو بنجاح أكبر في الأجواء الجافة والباردة. قد يكون لسلوك البشر أثر في ذلك، إذ يميل البشر إلى البقاء في الأماكن المغلقة شتاءً، ما يعني أنهم سيكونون على الأرجح متقاربين وقد تنتقل الأمراض بينهم بسهولة أكبر.

في المناطق الأدفأ، ينتشر موسم الإنفلونزا على مدار العام، ويزداد الانتشار في المواسم الممطرة. نتيجةً لذلك، يرى بعض العلماء أن التغير المناخي قد يقلل من التفشي الحاد للإنفلونزا في المناطق معتدلة المناخ، لكن قد يجعله أكثر انتشارًا على مدار المواسم.

لاحظ الباحثون أنماطًا مشابهة في الفيروس المخلوي التنفسي RSV، وهو فيروس تنفسي شائع ينتقل مباشرةً.

ومع ذلك، أشارت دراسات محدودة إلى الآثار الأخرى المُحتمَلة للتغيرات المناخية أيضًا.

وجدت ورقة بحثية في 2013 أن فصول الشتاء الدافئة -على نحو غير متوقع- تتبعها مواسم إنفلونزا مبكرة وأكثر حدةً في العام التالي. يرجع الباحثون الأمر إلى إصابة عدد أقل من الأشخاص بالإنفلونزا في مواسم الشتاء الدافئة، ما يجعل أجهزتهم المناعية أضعف في العام التالي. تقترح ورقة بحثية أخرى أن التقلبات المناخية السريعة تجعل أوبئة الإنفلونزا أسوأ.

الإنفلونزا بالتأكيد لا تمثل كل الأمراض المنقولة مباشرةً. لكنه أحد أكثر الفيروسات شيوعًا، ما يساعدنا على شرح تحليل أثر التغير المناخي.

تركز الكثير من الأبحاث على الأمراض الشائعة اهتمامها على كيفية تأثير المناخ على الأمراض، إذ يُعَد ذلك الخطوة الأولى لفهم كيفية تأثير التغيرات المناخية على الأمراض مستقبلًا. ما سيمثل ضرورةً للعلماء لإجراء التوقعات عن مستقبل الأمراض المستجدة، مثل كوفيد-19.

تقول بيكر: «يجب علينا حقًا فهم ذلك قبل أن نتفرغ للتفكير في التغير المناخي. ما زالت الكثير من الأسئلة مطروحة حول أهمية المناخ».

الأمراض المستجدة

يثير الانتشار السريع لفيروس كورونا نقاشات محتدمة حول كيفية الاستعداد للأوبئة، خاصةً الأمراض الجديدة أو غير المعروفة. وقد تجعل التغيرات المناخية هذه المحادثات أكثر أهمية.

ذلك لأن التغير المناخي قد يدفع بعض الأمراض المنتشرة في مكان ما إلى الانتقال إلى أماكن جغرافية جديدة. ويرتبط ذلك بالأمراض المنتقلة بناقل، إذ يوسع البعوض والقراد نطاقهم.

يكون المرض في تلك الحالة معروفًا، لكنه يُعَد جديدًا للكثير من المناطق المتأثرة في المستقبل.

تقول كريستين جونسون، مديرة المركز الوبائي لديناميكية الأمراض في جامعة كاليفورنيا: «نتوقع أن الأمراض المنتقلة بواسطة البعوض والتغير المناخي ستغير توزيعها، وستصيب مجتمعات جديدة ليست معتادة على ذلك الخطر. بعض المجتمعات شديدة الضعف في بعض الحالات ولا تملك الكثير من الاستعدادات لمكافحة البعوض».

يعمل العلماء على تحسين توقعاتهم حول مكان ظهور هذه الأنواع من الأمراض مستقبلًا، كي تستطيع المجتمعات التهيؤ للتعامل معها. من المحتمل أن يؤثر التغير المناخي على نشأة الأمراض الجديدة كليًّا، مثل كوفيد-19.

التفسير الدقيق مجهول تمامًا. تنوه جونسون بأهمية تذكر أن أكثر الأمراض الجديدة تنشأ من البرية قبل أن تنتشر إلى البشر. فيروس كوفيد-19 مثلًا يُعتقَد أنه نشأ من الخفافيش.

قد تغير الكثير من فصائل الحيوانات سلوكها أو تهاجر إلى مناطق جديدة مع تغير المناخ. من المرجح في بعض الحالات أن يزيد هذا من احتمالية تواصلها مع البشر.

التغير المناخي ليس الاضطراب البيئي الوحيد الذي يجب مراقبته. قد تزيد بعض الأنشطة البشرية من احتمالية التواصل البشري مع البرية ومن خطر الأمراض الجديدة.

من هذه العوامل التصحر، وأسواق الحيوانات البرية.

من هذا نجد أن تأثير الاضطرابات البيئية على الأمراض الجديدة ما زال مجهولًا.

تقول جونسون: «يمكننا القول بأن الأمور ستتغير، وبأننا نتوقع تزايد الخطر. لكن لا يمكننا توقع الأمراض بدقة، ولا بأماكنها أو توقيت ظهورها».

من أعظم الدروس التي يتعلمها العالم من فيروس كورونا والتغير المناخي الآن أهمية الاستعداد لغير المتوقَع.

تقول بيكر: «يُقال دائمًا إننا لا نستطيع توقع موسم الإنفلونزا في العام القادم، إذن كيف نستطيع توقع موسم الإنفلونزا في عام 2100 أو 2050 مع حدوث التغير المناخي؟ أعتقد بوجود تناظُر كبير في علم المناخ نفسه. لكن الناس يفكرون دومًا في أنه لا يمكننا توقع وضع المناخ بعد 50 أو 100 عام، فنحن حتى قد لا نتمكن من توقع تساقط الثلج الأسبوع القادم».

الأهم هو أن التقلبات قصيرة الأمد قد تكون صعبة التوقع، لكن مراقبة أنماط طويلة الأمد على مدار سنوات يمنح العلماء الثقة بتوقعاتهم عن المستقبل. المحافظة على هذه الجهود في علم المناخ ودراسة الأمراض المعدية ضروري ومهم.

اقرأ أيضًا:

كيف تتعامل جوجل، فيسبوك، آبل وكبرى الشركات التقنية مع كورونا

مقارنة بين فيروس كورونا الجديد وفيروس الإنفلونزا: أيهما أخطر؟

ترجمة: ربا كيال

تدقيق: عون حداد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر