هناك كوكب يبعد عن الأرض مسافة 124 سنة ضوئية من المحتمل أنه يعج بالحياة في الوقت الذي تقرأ فيه هذه الكلمات. أجرى علماء الفلك تحليلات معمقة على خصائص كوكب خارج المجموعة الشمسية ذي وزن متوسط بين الأرض ونبتون، ووجدوا أنه من المحتمل أن يكون قابلًا للسكن. وسّع هذا الاكتشاف نطاق الكواكب التي يمكن أن يدرجها علماء الفلك في بحثهم عن حياة خارج كوكب الأرض.

يُسمى الكوكب المعني K2-18b، وقد يبدو مألوفًا بسبب الضجة الكبيرة التي خلقتها أخبار اكتشاف بخار الماء في غلافه الجوي في عام 2019. لكن في ذلك الوقت، لم تكن احتمالية أن يكون الكوكب قابلًا للسكن واضحة بعدُ.

يدور الكوكب حول نجم أحمر قزم يُسمى K2-18، ويقع في منتصف المنطقة المناسبة لاستقبال الحياة؛ ليست ساخنة جدًا للدرجة التي تحوّل الماء إلى بخار في السطح، وليست باردة جدًا للدرجة التي تجمد الماء كليًا. لكن القابلية لاستقبال الحياة تتطلب ما هو أكثر من مجرد مسافة مناسبة؛ يُعد المريخ مثالًا عن هذه الحالة.

كوكب غير بعيد خارج المجموعة الشمسية من المحتمل أن يكون قابلًا للسكن - حياة خارج كوكب الأرض - وجود الماء السائل تحت الغلاف الجوي

نميل أيضًا إلى الاعتقاد أن الأرض الصخرية -مثل الأرض والزهرة والمريخ وعطارد- شرط أساسي لاستقبال الحياة. يُعتبر كوكب K2-18b أقرب إلى كونه نسخة مصغرة ذات أرض صخرية من كوكب نبتون، إذ إن حجمه 2.6 من حجم الأرض وكتلته 8.6 من كتلتها.

قال عالم الفلك نيكو مادوسودهان من جامعة كامبريدج: «اكتُشف بخار الماء في الغلاف الجوي لعدد من الكواكب الخارجية، ولكن، وإن كان الكوكب موجودًا في المنطقة الصالحة للسكن، فهذا لا يعني بالضرورة وجود أوساط صالحة للسكن على سطحه».

وأضاف أيضًا: «من المهم الحصول على فهم موحد للظروف الداخلية والجوية على الكوكب في سبيل إيجاد احتمالات لاستقبال الحياة؛ على وجه الخصوص، معرفة إمكانية وجود الماء السائل تحت الغلاف الجوي».

وهذه هي الفكرة؛ وفقًا للتحليل الجديد، من المحتمل أن كوكب نبتون الصغير الواقع في المنطقة القابلة للسكن يدعم الحياة.

المشكلة هي أنه من المتوقع أن يملك كوكب نبتون الصغير غلافًا هيدروجينيًا سميكًا. يُعتقد أن هناك محيطًا سائلًا تحت هذا الغلاف، لكنه محيط ذو ضغط عالٍ للغاية، بالاستناد إلى سُمك غلاف الهيدروجين؛ كلما كان الغلاف أكثر سمكًا، زادت كثافة المحيط.

إذا كان المحيط كثيفًا لدرجة معينة، فهذا يعني أن الكوكب لا يصلح للحياة (حسب علمنا).

(معلومة جانبية: يجب أن تكون المحيطات على نبتون وأورانوس صلبة ومتجمدة في درجة الضغط العادية، لكن يُعتقد أنها ستتحوّل تحت تأثير ضغط كبير إلى مائع فوق حرج).

لذلك، قرر مادهوسودان وفريقه إلقاء نظرة فاحصة على كوكب K2-18b لرؤية ما إذا كان المحيط على ذلك الكوكب الخارجي سيصل إلى مستويات الضغط المحيطية غير المضيافة للحياة، وفقًا لما يمكن ملاحظته.

استخدموا ملاحظات موجودة مسبقًا حول الكوكب، من ضمنها خواص غلافه الجوي وحجمه وكتلته، لاستقراء تكوين وبنية غلافه الجوي وتوثيقهما. استُخدمت هذه النتائج لاحقًا لتوثيق الهيكل الداخلي للكوكب الخارجي وخصائص الديناميكا الحرارية له باستخدام النمذجة الرقمية والطرق الإحصائية.

وجدوا أن الغلاف الجوي غني بالهيدروجين، وتتراوح نسبة الماء بين 0.2% و14.8% (يحتوي جو الأرض على 0% إلى 5% من الماء). كانت هناك أيضًا كمية صغيرة من الميثان والأمونيا، والتي قد تنتجها كل من العمليات البيولوجية وغير البيولوجية. قال الباحثون إنه لا يمكن استبعادها في هذه المرحلة.

طُبقت هذه المعلومات في ما بعد على مجموعة واسعة من نماذج الكواكب، لمعرفة أي منها يناسب البيانات بشكل أفضل. وجد الباحثون أن أقصى كمية للهيدروجين يمكنها تفسير الخصائص المرصودة للكوكب تبلغ نحو 6% من كتلته؛ رغم أن معظم المحاليل تحتوي على هيدروجين أقل بكثير.

قال عالم الفلك ماثيو نيكسون من جامعة كامبريدج: «أردنا أن نعرف سمك غلاف الهيدروجين؛ أي مدى عمق طبقة الهيدروجين. في حين يمتلك هذا السؤال حلولًا متعددة، فقد أظهرنا أنه لا حاجة إلى الكثير من الهيدروجين لشرح جميع الملاحظات معًا».

كان الحد الأدنى من كمية الهيدروجين زهاء مليون من كتلة الكوكب؛ على غرار النسب الموجودة على كوكب الأرض. سمحت بعض السيناريوهات بوجود محيط سائل في درجة ضغط تسمح بالسكن.

لا يعد هذا دليلًا قاطعًا على أن K2-18b قابل للسكن بشكل كامل، لكنه يثبت أن الكواكب الخارجية مثله قد تكون قابلة للسكن. هذا يعني أنه لا يتعين علينا حصر بحثنا عن عوالم صالحة للسكن في كواكب صخرية، بل إنه يفتح المجال أمام عوالم فضائية مائية.

كتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «من المحتمل أن تصقل الملاحظات المستقبلية التي نستخلصها بمساعد تلسكوب جيمس ويب الفضائي نتائجنا. نعتقد أن الكواكب مثل K2-18b قد تملك القدرة على الاقتراب من الظروف الصالحة للسكن، وأن البحث عن البصمات الحيوية Biosignatures لا ينبغي أن يقتصر بالضرورة على الكواكب الصخرية الصغيرة».

اقرأ أيضًا:

العثور على كوكب صالح للحياة مماثل لحجم الأرض

لأول مرة: إيجاد الماء على كوكب غريب قد يكون قابلًا للحياة

ترجمة: هاني عبد الفتاح

تدقيق: علي قاسم

مراجعة: اسماعيل اليازجي

المصدر