كلَّا، حركة نظامنا الشمسي ليست دهليزية

انتشر على الإنترنت في الآونة الأخيرة فيديو يظهر محاكاة لحركة الكواكب حول الشمس وحركة مجموعتنا الشمسية حول مجرة درب التبانة، الفيديو كان جميلًا بمؤثراته الموسيقية ورسوماته الجيدة.

لكن في الواقع، هناك مشكلة في ذلك التمثيل، إنه خاطئ كليًا لاعتماده على مبادئ مغلوطة في الأصل.

صدق الكثير من الناس تلك المحاكاة حتى أن بعض الأشخاص المختصين في المجال العلمي تاهوا عن الحقيقة بعض الشيء، لذا دعنا نتبين حقيقة الأمر ونكشف المغالطات العلمية لهكذا محاكاة:

1-الحركة الحلزونية العشوائية:

يدعي مصمم الفيديو أن نموذج مركزية الشمس1 في النظام الشمسي غير صحيح، وهذا خطأ جسيم تماماً وكأننا ندعي أن لا وجود للجاذبية.

مبدأ مركزية الشمس يعتمد على أن الشمس هي مركز النظام الشمسي، والكواكب تدور حولها، وقد حل هذا المبدأ محل الأنموذج القديم والذي يدعي أن الأرض تقع في مركز النظام الشمسي، وفيزيائياً يقود إلى نظام معقد وغير متوافق مع الطبيعة، أما نظام مركزية الشمس فهو أكثر توافقاً وفعال في حل الكثير من المسائل.

وللعلم كلا النموذجين له استخداماته فإذا كنا نريد معرفة أين يجب أن ننظر في السماء كي نرى كوكباً معيناً فإننا نستخدم نموذج مركزية الأرض للحصول على الإحداثيات المطلوبة، لأننا موجودون على الأرض وبالنسبة لنا لا تتحرك بينما تدور حولها بقية الأجسام الكونية، وفي هذه الحالة هذا يجدي نفعاً، لكن إذا أردنا إرسال مسبار فضائي إلى ذلك الكوكب فبالتأكيد يجب أن نستخدم نموذج مركزية الشمس، لأنه سيكون أسهل رياضياً حيث كل من الكواكب والأرض تتحرك معاً.

يدعي مصمم الفيديو أيضاً أن حركة الكواكب حول الشمس حلزونية2، هذا خاطئ تماماَ، إنها في الحقيقة لولبية3 وليست حلزونية، وهناك فارق شاسع بين الحركتين من الناحية الفيزيائية وخصائص كل منهما، يمكن أن تتحرك الأجسام بشكل لولبي دون أن تتفاعل مع بعضها البعض كما هو الحال في النظام الشمسي، لكن في الحركة الحلزونية تتفاعل الجسيمات مع بعضها نتيجة العوائق وقوى الاحتكاك.

كما يظهر الفيديو أيضاً أن الشمس تقود حركة الكواكب وتتقدم أمامهم خلال دورانها حول المجرة، وهذا بالتأكيد خاطئ، فأحياناً تتقدم الكواكب على الشمس خلال دوراننا حول مجرة درب التبانة، وتتحرك خلفها أحياناً أخرى، هذا يعتمد على المكان الذي يوجد فيه الكوكب على مدراه حول الشمس، ويمكن أن يظهر هذا بوضوح لأي شخص يرصد حركة الكواكب، حيث يمكنه مشاهدتها تتقدم على الشمس والأرض في دورانها حول مجرة درب التبانة.

2-حركة الشمس حول المجرة:

لنكن عادلين في الفيديو الثاني أصبحت حركة الكواكب لولبية، لكن مازالت الكواكب تتحرك خلف الشمس ما يبقيه خاطئ أيضاً.

كما أنه يقارن في بداية الفيديو نموذج مركزية الشمس مع تفسيره للحركة اللولبية، معززاً الفكرة المغلوطة بأن الشمس دوماً تتقدم على الكواكب.


تمعن جيداً في الفيديو، إنه يظهر أن حركة الشمس حول المجرة تكون بنفس مستوى مدارات الكواكب الدائرة حولها، وهذا خاطئ أيضاً.

حيث يدور النظام الشمسي حول المجرة بميلان سطحي قدره 60 درجة، تماماً مثلما يصنع زجاج السيارة الأمامي زاوية مع مقدمة السيارة المتحركة للأمام.

هذا أمر بالغ الأهمية، فقد أظهر في نمط مركزية الشمس أن الكواكب تدور حول الشمس بشكل عمودي على حركة الشمس حول المجرة، حتى وإن أعجبك المشهد فإنه علمياً غير صحيح، لأن مدارات الكواكب تميل بمقدار 60 درجة وليس 90 درجة، ويمكن أن تكون الكواكب أحياناً في المقدمة وأحياناً خلف الشمس.

إضافة لذلك، يظهر الفيديو الشمس وهي تتحرك حول مجرة درب التبانة صعوداً وهبوطاً على طول مسارها، كما في الفيديو الأول، بعض من هذا صحيح لكنه يعاني من عدم الواقعية بعض الشيء.

إن مجرتنا عبارة عن قرص مسطح قطره حوالي 100،000 سنة ضوئية، مع انتفاخ مركزي من النجوم.

هذا القرص لديه المليارات من النجوم، وجاذبيتها معاً هي ما يبقي الشمس تدور حول مركز المجرة، تماما مثل جاذبية الشمس التي تبقي الكواكب دوارة حولها.

قطر مدار الشمس حول المجرة ليس 240مليون سنة, عندما تدور الشمس حول المجرة فانها تأرجح صعودا ونزولا اكثر او اقل مما هو موضح في الفيديو (لذا يحدث هذا التأرجح تقريبا 4مرات في كل دورة حول المجرة, بينما في فيديوهات سادهو تتأرجح الشمس صعودا ونزولا عشرات المرات في كل دورة).

هذا بسبب الطريقة التي تعمل بها جاذبية قرص المجرة.

إنه أمر جميل للغاية؛ فإذا كنت فوق القرص ولو بشكل طفيف ستشعر بقوة سحب نحو الأسفل باتجاه القرص، إذاً تخيل الآن القرص المكون من كتلة ضخمة من الطاقة والشمس فوقه.

جاذبية القرص ستجعل الشمس تهبط إلى الأسفل باتجاهها، وبما أن النجوم بعيدة جداً ومتباعدة عن بعضها البعض تتحرك الشمس مباشرة باتجاه القرص وخارج القاع.

تتباطأ حركة الشمس تدريجياً حتى تتوقف لينعكس اتجاه حركتها، وتهبط باتجاه القرص من جديد.

كل تأرجح يقطع ما يقارب 200 سنة ضوئية للصعود أو الهبوط من مستوى سطح قرص المجرة، بما أن سمك قرص المجرة هو 1000 سنة ضوئية، لذا فاننا نبقى دائما ضمن قرص المجرة، ولكن هذا الاهتزاز مستمر الى الأبد حيث تصعد الشمس وتهبط كقطعة فلين في المحيط.

بما أن الشمس تدور حول المجرة فهذه الحركة تبدي نمط لتموجات لطيفة، للأعلى والأسفل مثل لعبة الحصان الدوار، في هذه الفكرة كان مصمم الفيديو محق بشكل جزئي لكنه أضاف مكوناً ثالثاً دوامة اللف الملتوي حول مسار الشمس التي يعزوها للحركة البدارية، وهذا خاطئ تماماً.

الحركة البدارية هي التي تسبب التأرجح للأعلى أثناء الدوران، تحدث عندما تكون هنالك قوة خارج المركز نحو الأعلى تزيح المدار للاعلى فتسبب التأرجح بحركة بدارية.

حتى الارض تمتلك حركة بدارية عند دورانها حول الشمس حيث يحصل تأرجح كل 26,000 سنة, بسبب تأثرها بجاذبية الشمس والقمر.

هذا غالباً ما مثله المصمم في الفيديو، لكن هذه الحركة لا تؤثر على الشمس.

إنها مجرد شيء تقوم به الأرض.

لكن المصمم أضاف هذا إلى حركة الشمس حول درب التبانة، ما يجعل تمثيله غير منطقي.

الفيديو خاصته يظهر الشمس وهي تتحرك حول المجرة فتقترب من المركز المجري حيناً وتبتعد عنه حيناً آخر مراراً وتكراراً.

بالعودة إلى مثال لعبة الحصان الدوار، حيث يتحرك الحصان حول المركز للأعلى والأسفل، يمنةً ويساراً، لكن هذا ليس ما تفعله الشمس في الحقيقة.

فلا يوجد يسار ويمين في الحركة (باتجاه المركز المجري أو بعيداً عنه عدة مرات لكل مدار).

هذا النموذج المبين خاطئ كلياً.

في الحقيقة لقد شوه الفيديو الكثير من الأنظمة والحركات والقوى المنسقة والتي هي جميلة جداً في الواقع.

إذاً لمَ صور المصمم كل هذه الحركات بهذه الطريقة الخاطئة؟ لمعرفة ذلك قام المختص بعلم الفضاء فيل بليت(Phil Plait) بتقصي المصادر التي قام المصمم بالاعتماد عليها.

فكتب بعد بحثه:

من أين جاءت كل هذه الافكار؟

يقول سادهو (مصمم الفيديو) عن أشرطة الفيديو أنه تعلم كل ذلك من رجل يدعى كيشافا بات (Keshava Bhat) وجدت نصاً مكتوباً بواسطة بات يسمى اللولب الحلزوني: الحركة الديناميكية للنظام الشمسي، يصف كل هذه الافكار.

إنها ثرثرة ليس لها أي معنى لأن بات ادَّعى أن الحركة اللولبية للمجموعة الشمسية خاطئة، لكن بعدها يستخدم أفكار زائفة واحدة تلو الاخرى لدعم هذه الفرضية، أستطيع ان أكتب صفحات تفضح ادعائه، لكني سأحاول أن أوضح ذلك باختصار.

قرأت تفسيرات بات عدة مرات محاولًا ان أكون محسنًا قدر الإمكان، ومن بين ما جمعته هو قوله أنه نظراً لكون الشمس تتحرك فإن الكواكب تدور بشكل حلزوني، مع الشمس والكواكب تطارد ورائها, وعليه تكون مركزية الشمس خاطئة، لاحظ أن فيديو سادهو يصف ذلك أيضًا، لكن هذا غير صحيح تمامًا.

لو كان ذلك صحيحًا لما استطعنا مشاهدة الكواكب الأعلى من الارض (التي تبعد عن الشمس أكثر منا مثل المريخ والمشتري وهكذا) لأنها تذهب إلى الجانب الأبعد للشمس، في حين أننا نشاهدها طول الوقت.

لدينا أيضًا المسابير الفضائية المتعددة التي قامت بزيارة الكواكب الأخرى، أكثرها لاتزال في المدار.

إذا كانت مركزية الشمس خاطئة بالطريقة التي وصفها بات، فان هذه المسابير لن تصنع لهذه الكواكب, الحسابات المستخدمة لإرسالهم هناك ستكون خاطئة.

نحن لم نضع في الحسبان حركة الشمس حول المجرة أبدًا عند حساب مسارات المركبة الفضائية، لذلك فإن ادعاء بات غير صحيح.

الادعاء بأن الشمس هي في طرف المجموعة الشمسية والكواكب تطارد خلفها هو خاطئ بشكل واضح.

الشمس لا تقود المجموعة الشمسية حول المجرة مثل طرف الرصاصة كما يدعي بات وفيديو سادهو, بل إن الكواكب تدور حول الشمس والمجموعة كلها تدور حول المجرة كوحدة واحدة منحرفة بزاوية 60 درجة، وهذا يعني أن الكواكب بعض الاحيان تسبق الشمس وبعض الاحيان تتخلف عنها في مدار المجرة، إنها تشبه السير في طريق بينما تدور حول رأسك سلسلة معلقة في أطرافها كرات، الدائرة مائلة بزاوية 60 درجة، أحيانا تكون الكرة أمامك أو تكون خلفك، إنها تتحرك معك دائمًا على الطريق بغض النظر عن السرعة، وبالنسبة لك دائما تتحرك بنفس السرعة.

إذا تابعت الحركة ستكوّن خط والكرات ستكوّن لولب مائل هذا ما حاول بات وسادهو توضيحه لكنهم لم يصيبوا, هنالك العديد من الأخطاء والعثرات المنطقية التي ارتكبها بات في نصه فعلى سبيل المثال: الإخفاق في وصف الحركة البدارية للأرض حيث ادعى أن الدورة البدارية هي 225,000 سنة بينما هي 26,000 سنة.

يعتقد بات بأنه ينبغي أن يكون هنالك كسوف شمسي كل شهر إذا كانت مركزية الشمس صحيحة (في الواقع هذا بسبب ميلان دوران القمر) ويبدو أنه قد يكون لديه سوء فهم اساسي عن الدوران المغزلي للأرض بينما تدور حول الشمس، الذي يستنتج بأنه مركزية الشمس مستحيلة.

كل صفحة قرأتها تحتوي على خطأ أساسي، وهذا ما اعتمده سادهو في الفيديو الرائع.

فيديوهات سادهو رائعة جدًا وتحتوي على أساسيات صحيحة ولكن في رأيي فإن الجوهر مفقود بسبب الطريقة التي يستند فيها على وجات نظر بات المشوهة للكون.

الكون هو مكان رائع، ويعمل وفق قواعد منظمة إلى حدٍّ ما.

نطلق على هذه القوانين اسم “الفيزياء” مكتوبة بلغة الرياضيات وتحاول فهم كل ذلك علمياً.

ليس كل ما هو رائع فهو علمي، ولكن كل ما هو علمي فهو رائع، هذا التفسير قد لا يكون واحداً من هذه القوانين الكونية ولكن من خلال كل ما رأيت يبدو أنه حقيقة.

الهوامش:

  • مركزية الشمس: اي ان الشمس هي مركز النظام الشمسي، والكواكب تدور حولها، وأن الكواكب تدور في مدارات محددة، بدون التداخل مع بعضها البعض.
  • الحركة الحلزونية: تشبه دوامة الأعاصير حيث تنجرف جميع الاجسام نحو مركز الدوران المغزلي.
  • الحركة اللولبية: تشبه الحركة الحلزونية لكن تبقى الأجسام ضمن قطر مداري ثابت.