قد يكون العلاج المعرفي السلوكي للأرق حلًا نهائيًا، إذ يعاني 30% من الأشخاص مشكلات النوم، ويواجه قرابة 10% صعوبةً في أداء مهامهم في أثناء النهار بسبب قلة النوم (حسب المؤسسة الوطنية للنوم سنة 2020). يقرر بالتأكيد العديد من الأشخاص البقاء مستيقظين حتى وقت متأخر سواء بإرادتهم أم للضرورة (الأمهات المنهمكات في تربية أطفال صغار أو طلاب الجامعة المماطلون)، لكن في هذا المقال يشير مصطلح الأرق إلى المحاولات اليائسة للأشخاص الذين يحاولون النوم بجد، لكنهم لا ينجحون في ذلك.

الأرق المعقد

الأرق حالة معقدة، إذ يعاني معظم الناس أرقًا قصير الأمد في مرحلة ما من حياتهم، باعتباره ردّة فعل لأزمات الحياة (المشاكل الصحية، ومشاكل العلاقات، وفي أثناء التعافي من العمليات الجراحية، إلخ). وقد تسبب المشاكل النفسية كالاكتئاب والقلق والصدمات النفسية الأرق، وبعد زوال السبب النفسي البدئي يتمكن العديد من الأشخاص من النوم دون مشاكل، ولحسن الحظ يستمر هذا النوع من الأرق فترةً قصيرة تتراوح بين عدة أيام وأسابيع.

لكن بالنسبة لآخرين يستمر الأرق فترات أطول حتى بعد زوال المسبب الأساسي، ويحدث هذا بسبب تكرار ردود الأفعال السلبية الناتجة عن قلة النوم ، كالتقلّب في الفراش، أو محاولة تعويض النوم بالذهاب مبكرًا إلى الفراش، أو التركيز المبالغ فيه في الأرق في أثناء النهار.

بعد عدة ليال (أو أسابيع) من الأرق، قد يحفز الذهاب إلى الفراش الاستجابة الشرطية للقلق والذعر، ومع مرور الوقت يصبح الليل مرتبطًا بالهلع والارتياب، ويصبح النوم المريح أمرًا نادرًا وغير متوقع.

البحث عن حلول

ظهرت عدة علاجات في محاولات لتخفيف الأرق، وتنوعت هذه العلاجات بين الطبيعية (كالميلاتونين، والأعشاب، وممارسة اليوغا، وتمارين التنفس) والتدخلات الدوائية (مضادات الاكتئاب المهدئة، والبنزوديازبينات). ومع أن الأدوية قد تكون ناجعة لفترات قصيرة لدى البعض، لكن لا يُفضل تناولها لفترات طويلة بسبب تأثيراتها الجانبية ومخاطرها المحتملة. أيضًا فإن هذه الأدوية لا تعالج الأسباب الكامنة للأرق، وقد لا تناسب الجميع.

لحسن الحظ يوجد علاج غير دوائي قائم على الأدلة، يُسمى العلاج المعرفي السلوكي للأرق (CBT-I)، ويُستحسن البدء به مع معالج خبير، لكن يستطيع الشخص تطبيق هذه الأساليب وممارساتها وحده، إذ وُثقت فعاليتها في دراسات عديدة، وثبت أنه حل أفضل للأرق على المدى الطويل مقارنةً بالأدوية. وبسبب فعالية هذا العلاج، أوصت الكلية الأمريكية للأطباء به بوصفه خطًا أول لعلاج جميع المرضى البالغين.

لا تستطيع النوم؟ جرب هذه الأساليب الفعالة لنوم هادئ - قلة النوم - الأرق - عدم الشعور بالنعاس - الاستغراق في نوم عميق - استجابة الاسترخاء

السبب الرئيسي لنجاح العلاج المعرفي السلوكي في علاج الأرق هو تحديده وعلاجه الأسباب والمشاعر والسلوكيات المسببة الأرق، إضافةً إلى تعزيز عادات النوم الصحي. يستخدم ممارسو هذا العلاج التعليم النفسي وإعادة الهيكلة المعرفية وسلوكيات تعزز التغيير طويل الأمد.

قد تساعدك الأساليب التالية التابعة للمبادئ الشاملة للعلاج المعرفي السلوكي للأرق:

توقف عن الخوف من الأرق

الخوف من قلة النوم هو من أسباب الأرق الدائمة، معظم المؤرقين يقلقون مما قد يحدث إذا فشلوا في النوم في وقت محدد، فهم يخشون تدهور أدائهم في وظائفهم بسبب قلة النوم ، أو يبالغون في التفكير في المخاطر الصحية المرتبطة بقلة النوم. يؤكد خبير النوم الدكتور دانيال إريكسن في كتابه (لماذا لا ننام؟) أن درجة تأثير النوم في الصحة العامة وأداء المهام غير واضحة، ويُساء فهمها بدرجة كبيرة، إذ تتراوح فترات النوم الصحية بين خمس ساعات ونصف إلى سبع ساعات في الليلة الواحدة، وهذا أقل من المتطلبات التي يروج لها مجتمع الرعاية الصحية العامة البالغة ثماني ساعات، وقد يقلق الفرد من عدم قدرته على الحصول على ساعات كافية من النوم، لكن يؤكد الدكتور إريكسن أن هذا الضغط غير الضروري لا يساعد المؤرقين على حل مشاكلهم المتعلقة بالنوم.

إن لم تستطع الحصول على 8 ساعات من النوم ليلًا فلا تقلق، فأكثر الناس لا يحظون بذلك أيضًا، وقد اتضح أن اضطراب النوم لليلة واحدة ليس بالسوء الذي يتخيله البعض.

اقضِ وقتًا أقل في الفراش

قد يبدو هذا غريبًا إذا كنت تحاول النوم فترات أطول، لكن على عكس الرأي السائد فإن قضاء وقت أقل في الفراش لا يعني نومًا أقل، بل يحسّن نوعية نومك، ويقلل وقت بقائك مستيقظًا في الفراش، فإضافةً إلى أن تقليل الوقت الذي تقضيه في الفراش يفيد في تنمية دافع أكبر للنوم، ما يسهل الخلود إلى النوم فور وضع رأسك على الوسادة، تساعد هذه الممارسة على إعادة تدريب الدماغ على الربط بين الفراش والنوم بدلًا من ربطه بالقلق أو الخوف، ومن التوجيهات الإضافية أيضًا ألّا تذهب إلى الفراش إلا عندما تكون متعبًا، وأن تنهض عندما تشعر بالقلق أو لا تستطيع النوم.

كي تحقق برنامجًا منتظمًا للنوم، ينصح الخبراء بحساب الساعات التي تكون فيها نائمًا بالفعل، وبتقليل الوقت الذي تقضيه على الفراش ليتوافق مع ساعات النوم الفعلية، وينصح الدكتور جايكوبس خبير النوم ومؤلف كتاب (قل وداعًا للأرق) بتحديد الوقت الأقصى الذي تخصصه للبقاء على الفراش بإضافة ساعة واحدة إلى ساعات نومك الفعلية المعتادة، فمثلًا إن كنت تنام 6 ساعات كل ليلة، لكنك تقضي في الفراش 8 ساعات، فمن الأفضل أن تقلل وقتك في الفراش إلى 7 ساعات كل ليلة، فهذه المدة تشمل ساعات نومك الفعلية + ساعة إضافية، بعد ذلك حدد وقتًا للاستيقاظ، وحدد وقت ذهابك إلى الفراش قبله بسبع ساعات، فمثلًا إذا كان عليك الاستيقاظ في السادسة صباحًا، فإن الوقت المناسب لذهابك إلى الفراش هو الساعة 11 مساءً.

ينصح الخبراء بألا تحاول النوم قبل حلول الوقت المحدد للذهاب إلى الفراش مهما كنت متعبًا أو تشعر بالنعاس، وينصحون أيضًا بألا يقل وقت نومك عن خمس ساعات ونصف، وبعد اعتيادك على الخلود إلى النوم في فترات أقصر من السابق، يمكنك حينها أن تزيد الوقت الكلي الذي تقضيه في الفراش تدريجيًا، ويحدث ذلك عادةً بتقديم وقت ذهابك إلى الفراش ربع ساعة يوميًّا حتى الوصول إلى الوقت المرغوب.

استجابة الاسترخاء

من التقنيات المهمة أيضًا إحداث استجابة الاسترخاء للعقل والجسد الهادئين. ابتكر مصطلح (استجابة الاسترخاء) لأول مرة هيربرت بينسون أحد رواد الطب العقلي/ الجسدي. تشير الأبحاث إلى أن الإثارة المعرفية المتزايدة تؤخر النوم أو تعرقله، لذلك فإن أساليب الاسترخاء التي تُمارَس بطريقة صحيحة قد تزيل هذه العراقيل بنجاح. توجد العديد من الطرق لإحداث استجابة الاسترخاء، يشمل الكثير منها مزيجًا من أساليب التنفس والتخيل الموجَّه والتركيز على الجسد ومقاربات الانتباه الأخرى.

ابدأ بتطوير سلوك مسترخ غير انتقادي لإحداث استجابة الاسترخاء، وابدأ بنية تجنُّب التحكم في أي مشاعر أو أحاسيس قد تشعر بها أو انتقادها أو إجبار نفسك على الشعور بها. ويمكنك البدء بالتنفس بأنفاس بطيئة طويلة، واكتم نفسك مدة 5-7 ثوان، يتبعها زفير مدة 7-8 ثوان، وتأمل في أثناء الزفير كلمات مريحة مهدئة، مثل استرخاء أو سلام.

وجه انتباهك تجاه الجسد، وركز على أجزاء جسدك المتتالية منتبهًا إلى مناطق التوتر أو الانزعاج، وركز على إحساس الثقل والدفء الساري في يديك وقدميك، وكرر هذه العملية حتى تصل إلى حالة الاسترخاء المرغوبة، محددًا هدفك بالوصول إليها في غضون 15 – 20 دقيقة.

حاول أن تبقى مستيقظًا (النية المتناقضة)

يُعتقد أن هذه الطريقة تعمل بناءً على العلاقة بين النوم والقلق حول الأداء، فإذا كنت تعاني الأرق فقد تعاني قلقًا متزايد عندما تحاول دفع نفسك إلى النوم عوضًا عن تركه يحدث وحده، وتزداد صعوبة النوم كلما حاولت النوم بجهد أكبر. وللمفارقة قد تجد أنه من الأسهل أن تستغرق في النوم عندما تتوقف عن محاولة الاستغراق في النوم، وتظل مركزًا على البقاء مستيقظًا.

لممارسة هذه الطريقة تمدد في سريرك بطريقتك الاعتيادية، وأبقِ عينيك مفتوحتين مركزًا نظرك على نقطة حيادية، وعندما تبدأ عيناك بالانغلاق افتحهما بلطف وركز على محاولتك البقاء مستيقظًا، وستتفاجأ في الصباح أن النوم قد غلبك دون أن تشعر. لقد واجهت مخاوفك في البقاء مستيقظًا، وانتصرت عليها في النهاية.

تذكر أنك إذا نجحت سابقًا في إكمال يومك بعد نوم قليل أو دون نوم في الليلة السابقة، فإن بإمكانك فعل ذلك مجددًا، فالحرمان من النوم ليس أمرًا يجب علينا الخوف منه، بل إن النوم في الواقع -ككثير من الأشياء- يصبح أسهل عندما لا نقلق بشأنه كثيرًا، ونتوقف عن إجبار أنفسنا عليه.

اقرأ أيضًا:

الأرق: أسبابه وطرق علاجه

دراسة جديدة تجد علاقة سببية بين القلق ونوعية النوم

ترجمة: ليلان عمر

تدقيق: عبد الله كريم

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر