من بين مظاهر الرعب التي جلبتها جائحة كوفيد-19 ، يُعَد العنف المنزلي إحدى المشكلات التي تنمو بعيدًا عن الأنظار، إذ تزايدت التقارير عن العنف المنزلي والاعتداء (يُشار غالبًا إلى هذين المصطلحين في المراكز الطبية بتعبير: العنف من الشريك)، وقد حصدت الكثير من الاهتمام على مستوى الدول وعلى مستوى العالم أيضًا.

تشير تقديرات صندوق السكان بالأمم المتحدة إلى زيادة تصل إلى 20% في حالات العنف من الشريك حول العالم. وعمومًا يتوقع التقرير زيادةً كلية تصل إلى 15 مليون حالة إضافية من حالات العنف من الشريك، نتيجة الحجر الصحي المفروض بسبب جائحة كوفيد-19.

فوجئ البعض بوجود علاقة بين البقاء في مكان واحد وتزايد حالات العنف من الشريك، وأعرب محافظ نيويورك أندرو كومو عن قلقه إزاء تزايد تقارير العنف المنزلي في ولايته. لكن أي شخص خبير بحالات العنف من الشريك يدرك أن زيادة حالات العنف المنزلي لا تمثل مفاجأة، فتزايد حالات العنف من الشريك يحدث دائمًا في أثناء الأزمات والكوارث الطبيعية. وقد لوحظت الظاهرة نفسها خلال إعصار هارفي سنة 2017، وستتكرر خلال أي كارثة مستقبلية.

لماذا ازداد العنف المنزلي خلال فترة الحجر - جائحة كوفيد-19 - سبب ارتباط زيادة حالات العنف المنزلي بالحجر - القلق الاقتصادي

لكن يبقى السؤال: لماذا؟

تربط عدة أبحاث العنف المنزلي بعوامل مرتبطة بالأزمات والكوارث الطبيعية، وبمراجعة هذه الأبحاث، يمكننا أن نتوصل إلى فهم أفضل حول سبب ارتباط زيادة حالات العنف المنزلي بالحجر.

الانعزال:

تشجع الحكومات التباعد الاجتماعي وغلق أماكن العمل والبقاء في المنزل وعدم زيارة الأصدقاء والأقارب وحتى الخروج إلى الحدائق، لكن للأسف فالعزلة الاجتماعية من الوسائل الشائعة التي يستخدمها المُعَنِّفون.

إذ يتمكن المعتدي -عبر عزل الضحية عن الأصدقاء والعائلة وأي اتصال خارجي- من فرض سيطرته على البيئة المحيطة بالضحية. قد يؤدي الانعزال الاجتماعي إلى تحويل العنف المنزلي إلى شيء طبيعي، ويسمح للمعتدي أن يتحكم في ضحيته، وقد يؤدي الانعزال الشديد والمستمر إلى اعتماد الضحايا على مستغليهم بالكامل لإكساب حياتهم الواقعية، ما يؤدي إلى دائرة مغلقة من الاعتداء، وهو أمر يصعب الهروب منه.

التوتر:

يُعَد التوتر من العوامل الشائعة المرتبطة بالعنف المنزلي أيضًا، إذ تحفز الأزمات والكوارث الطبيعية ردود أفعال ناتجة من التوتر الشديد، وترتبط غالبًا بزيادة حالات العنف من الشريك. كشفت إحدى الدراسات أن التوتر المتعلق بكارثة إعصار هارفي ارتبط بمعدلات أعلى من العنف المنزلي خلال الإعصار وبعده. وكشف تقرير آخر عن ارتباط التوتر الناتج من كارثة تسرب النفط في ألاسكا بزيادة بلغت 3 أضعاف في حوادث العنف المنزلي.

قد تسبب جائحات الأمراض أنواعًا أشد من التوتر، فهي تحفز التفكير في المجهول، إذ نبقى خلال الوباء في حالة مستمرة من الخوف والشعور بالخطر، ما يحرّض إفراز الكورتيزول (هرمون التوتر)، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة العدوانية. أما في الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والزلازل، فنحن نعلم إن كنا تعرضنا لضرر مباشر أم لا، ورغم كون هذه الأحداث مثيرة للتوتر للغاية، فإننا نملك الوقت الكافي لتقييم الأضرار والمضي قدمًا.

البطالة والقلق الاقتصادي:

يُعَد القلق الاقتصادي عاملًا مهمًا في سياق العنف المنزلي. كشفت عدة تقارير زيادة معدل حالات العنف من الشريك وشدتها في الأسر التي تعاني ضائقةً مالية. مثلًا، وجدت دراسة عن التراجع الاقتصادي سنة 2008 أن ارتفاع نسبة البطالة ترافق مع عدد أكبر من حالات العنف من الشريك. واليوم تسبب جائحة كوفيد-19 خسائر بالغة في الوظائف تقارب ما حدث في الأزمة الاقتصادية.

يعتقد العديد من الباحثين أن تهديد الهوية الذكورية يدعم العلاقة بين القلق الاقتصادي والعنف المنزلي. إذ أوضحت دراسة ضمت 33 رجلًا أن تهديد الهوية الذكورية يلعب دورًا كبيرًا في وقوع حالات العنف المنزلي. إذ يلجأ المعتدون إلى العنف عندما تُهدد ذكوريتهم (مثلًا عندما يفقدون وظائفهم فيعجزون عن إعالة عائلاتهم)، وذلك لاستعادة إحساسهم بالسيطرة والقوة في العلاقة.

الكحول:

يُعَد الكحول أيضًا من العوامل الرئيسية لحدوث العنف المنزلي، نظرًا إلى آثاره التي تزيد العدوانية. ومع بقاء الأشخاص في منازلهم ارتفعت مبيعات الكحول بنسب بلغت 243%، ويشبه ذلك ما حدث سابقًا في أثناء الأزمات والكوارث الطبيعية. في العلاقات التي تشهد العنف والاعتداء أساسًا، يزيد الكحول الأمور سوءًا، خصوصًا إذا صاحب ذلك الانعزال الاجتماعي والتوتر كما ذكرنا آنفًا.

نقص الموارد:

قد يزيد نقص الموارد من حالات العنف من الشريك، فرغم بقاء المحاكم مفتوحةً للأمور الاضطرارية كأوامر التقييد، تشير التقارير إلى أن بعض هذه القضايا تُؤجل. وتأثرت الخدمات القانونية للضحايا أيضًا، إذ أُجبِر العديد من المنظمات القانونية والمحامين الذين يساعدون ضحايا العنف المنزلي على العمل من بُعْد عبر الإنترنت. وربما يتردد بعض القضاة في حبس المعتدين في قضايا العنف المنزلي، نظرًا إلى زيادة خطر انتقال الفيروس في السجون.

وتواجه الملاجئ (التي تشكل ملاذًا آمنًا لضحايا العنف المنزلي) تحديات كثيرة، إذ يثير نظام المهاجع الذي تتبعه والحياة الجماعية فيها مخاوف صحية، ما يُهددها بالإغلاق. وإن بقيت هذه الملاجئ مفتوحة قد يعارض بعض الضحايا التعايش مع عدد كبير من الأشخاص ضمن مكان مغلق.

لحسن الحظ وجدت بعض الملاجئ حلولًا مبتكرة لمواجهة هذه المشكلات، مثل ملجأ في ناشفيل استخدم الباصات لسكنى اللاجئين. يعاني العديد من ضحايا العنف المنزلي -خصوصًا قاطني المدن المزدحمة- تفشيًا أكبر للإصابات، لذلك يجدون صعوبةً في قبولهم بالملاجئ.

كانت حوادث العنف المنزلي حتى قبل جائحة كوفيد-19 مرتفعةً للغاية، فوفقًا لتقديرات مراكز الوقاية والسيطرة على الأمراض، تتعرض واحدة من كل 3 نساء أمريكيات إلى العنف من الشريك، ويرتبط ذلك بارتفاع معدل الوفيات. ووجدت الأبحاث أنه إضافةً إلى ازدياد معدل حالات العنف إبان الأزمات والكوارث، تزداد شدتها أيضًا. ويتوقع الباحثون ازدياد عدد حالات جرائم القتل المنزلية مع ارتفاع مبيعات الأسلحة في أثناء جائحة كوفيد-19.

من الجدير بالذكر أن العوامل التي نوقشت آنفًا كلها ذات طابع تبادلي، إذ قد يؤدي التوتر إلى استهلاك الكحول المفرط وخسارة العمل، وقد تؤدي خسارة العمل إلى الإفراط في استهلاك الكحول والتوتر، فالعوامل التي تؤدي إلى العنف من الشريك متعددة ومترابطة، وهذا ما يجعل المشكلة أصعب. لقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى خلق جو مثالي للعنف المنزلي، عبر إثارة العديد من العوامل المرتبطة بوقوعه.

اقرأ أيضًا:

خمس نصائح لتجنب العنف المنزلي في أثناء الحجر

متلازمة المرأة المعنفة: ما الأعراض وكيف تُعالج؟

ترجمة: زياد الشاعر

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر