بدايةً، ينبغي التفريق بين سلالة القردة عديمة الذيول وتلك ذات الذيول. يُصنف البشر والشمبانزي ضمن دائرة القردة عديمة الذيول. بينما تُعد القردة المكاكية من القردة ذات الذيول. عاش آخر سلف مشترك للقردة المكاكية والبشر منذ 25-30 مليون سنة تقريبًا، وذلك قبل سلفنا الذي نشاركه الشمبانزي، والذي عاش قبل 5 ملايين سنة فقط. يمتلك الإنسان تكيفات خاصة مع اللغة تظهر في مناطق مختلفة من الدماغ.

لسوء الحظ فإن أنسجة الدماغ بالنسبة للإنسان لم تسلم على طول العملية التطورية الطويلة هذه، لذا فيعتمد العلماء في تقدير تاريخ نشأة اللغة ومراكزها في أدمغتنا على أسلافنا وأبناء عمومتنا وفقًا للسجل الأحفوري.

تقدم أننا نشترك مع القردة الشمبانزي بسلف مشترك يعود إلى حوالي 5 مليون سنة. وقد أظهرت الدراسات التي ركزت على تصوير المخ لدى الشمبانزي، أنه يملك دوائر لغوية مشابهة لتلك التي لدى الإنسان. لذا كان الباحثون يرجحون أننا امتلكنا الظاهرة اللغوية منذ 5 مليون سنة على أقل تقدير.

لكن السؤال الذي ظل مطروحًا: من يقول أن نشأة اللغة لم تكن منذ تاريخ أبعد من 5 مليون سنة؟

هنا كان لزامًا على العلماء أن يبحثوا عن أحفوريات لكائنٍ حي يملك مع الإنسان سلفًا مشتركًا. وبالفعل، فقد اختار العلماء البحث عن أحفوريات القردة ذات الذيل من نوع المكاك وهي تشترك مع الإنسان بسلف مشترك يعود إلى 25 مليون سنة.

في حين أن تشابه أدمغة القردة ذات الذيل مع الإنسان ظل لفترة طويلة محل جدل وخلاف، فقد أظهرت دراسة جديدة أننا كنا ننظر في المكان الخطأ من مخ هذه القردة، ففي الحين الذي كان العلماء ينظرون إلى القشرة الجبهية والفص الصدغي.

أصول اللغة البشرية تعود إلى 25 مليون سنة - القشرة السمعية - القشرة الجبهية - نشأة اللغة ومراكزها في أدمغتنا - الدراسات التصويرية على أدمغة القردة

وجدت الدراسات أن هذه القردة المكاكية تملك مراكزًا لغوية في الفص السمعي.

يقول عالم النفس العصبي المقارن كريس بيتكوف من جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة: «أعترف أننا فوجئنا برؤية مسار مماثل يختبئ داخل القشرة السمعية للرئيسيات غير البشرية، إن الأمر أشبه بإيجاد حفرية جديدة لسلف مفقود منذ فترة طويلة».

إلام يشير هذا؟

يشير هذا الاكتشاف إلى احتمالية أن تتغير النظرة السائدة التي تقصر دور المخ في معالجة اللغة لدى الإنسان على الفصين الجبهي والصدغي وبالدقة ضمن الحزمة المقوسة. بينما كانت هذه النظرة تُغفل أي دورٍ محتمل للجهاز السمعي في نشأة اللغة عند الإنسان. لكن وفقًا لهذه الدراسة فأنه ينبغي على الباحثين أن يجروا بحوثًا أكثر لإثبات ذلك في الإنسان.

إذا كان الباحثون على حق، ووجدوا فعلًا هذا الدور للقشرة السمعية في معالجة اللغة، فقد تكون الأسس العصبية الأولى لتطور اللغة قد ظهرت في وقت أبكر بكثير مما كنا نعتقد.

ومن هنا انبرى الباحثون لإجراء التجارب للتحقق من هذا الأمر.

وبواسطة مقارنة أدمغة البشر والقردة ذات الذيل وتلك عديمة الذيل إلى جانب بيانات التصوير. تمكنت الدراسة الجديدة من تحديد مكان الحزمة المقوسة في القشرة السمعية لنصفي دماغ الإنسان، كما أن هذه الحزمة كانت أكثر تطورًا على الجانب الأيسر من الدماغ مقارنة بالجانب الأيمن.

على مر السنين، ندرك يومًا بعد يوم أن هذه الدائرة اللغوية أكثر تعقيدًا بكثير مما كنا نعتقد في السابق.

ظهر هذا المسار اللغوي المشابه في نفس المناطق في كل من أدمغة المكاك والشمبانزي.

لاحظ المؤلفون كيف أن العلاقة بين المراكز اللغوية قد تطورت بشكل مختلف في البشر عما هي عليه في بقية القردة، إذ يبدو أن نظامنا اللغوي قد ابتعد عن الاعتماد بشكل كبير عن المسار السمعي، وتركز في القشرة الجبهية والفص الصدغي من المخ.

لذا تؤكد هذه الملاحظات ما افترضه العلماء من أن فكرة تكيفات اللغة قد نشأت من المسارات السمعية.

قال العالم بيتكوف لمجلة نيوز-ويك: «لأكون صادقًا، فوجئنا حقًا بأن النظام السمعي لديه هذا المسار المتميز الذي يربط مناطق القشرة السمعية مع القشرة الجبهية. يخبرنا هذا أن ثمةَ شيئًا مميزًا في هذا المسار. إن الارتباط بين القشرة السمعية ومناطق القشرة الجبهية لأجل معالجة اللغة أمر رائع. لذلك فقد فُوجئنا بصدق بإيجاد هذا المسار لدى كلا الصنفين من القرود والإنسان».

من المعروف أن قردة المكاك تتواصل عبر طرق مختلفة حول الطعام أو الهوية أو الخطر فلربما أن هذه المراكز السمعية هي التي تسهل لهم ذلك ولو جزئيًا.

يقول طبيب الأعصاب تيموثي جريفيثز في جامعة نيوكاسل: «لدى هذا الاكتشاف إمكانات هائلة لفهم علاقة الجانب السمعي البشري باللغة والتي يُمكن دراستها باستخدام النماذج الحيوانية لصعوبة إجرائها على البشر».

ستكون هذه المعرفة مهمة أيضًا في علاج المرضى الذين يعانون من مشاكل عصبية. يمكن تحدث اللغة أو كتابتها أو توقيعها، لذلك حتى إذا لم يعد بإمكان مريض السكتة الدماغية التواصل عبر إحدى هذه الطرق، ربما يكون لديهم مسارات لغوية سليمة أخرى لا يزال من الممكن الوصول إليها.

إنها توقعات مثيرة، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي ينبغي التحقق منه. لا يمكن لدراسات تصوير الدماغ أن تخبرنا بكل ما نحتاج إلى معرفته، وسيتعين علينا المزيد من البحث لأجل استكشاف هذا المسار السمعي.

يقول بيتكوف: «أن هذه الدراسة مثيرة للاهتمام. لكن، ما مقدار النفع الذي يمكن أن تزودنا به؟ هذا ما يجب أن يُجاب عنه».

يقترح الباحثون إجراء المزيد من الدراسات التصويرية على أدمغة القردة ذات الذيل لتأكيد ما تقدم من نتائج.

اقرأ أيضًا:

هل أخطأ نعوم تشومسكي في كيفية نشأة اللغة ؟

من أتى أولًًا: اللغة التي نستخدمها أم الدماغ القادر على استخدامها؟

ترجمة: جعفر قيس

تدقيق: سلمى توفيق

مراجعة: صهيب الأغبري

المصدر