للمرة الأولى، تمكن العلماء من حساب عمر النيوترون في الفضاء. لا يمكننا تضييق هامش الخطأ حتى الآن، لكن تستطيع هذه التقنية أن تغير القواعد فور إضافة تحسينات عليها.

تكون النيوترونات مستقرة وهي محتجزة بأمان داخل نواة الذرة، لكن لحظة طردها بعيدًا عن النواة تصبح دورة حياة النيوترون قصيرة إلى حد كبير.

ما مدى قصر هذه الحياة؟ في الحقيقة لا نعلم، إذ تُظهر الطرق المستخدمة في قياسها تباينًا في النتائج، لكن العلماء يرغبون في حل هذه المشكلة.

قد تساهم طريقة حساب عمر النيوترونات في الفضاء في حل هذا اللغز، ما قد يساعدنا على فهم مدى سرعة تشكل العناصر من سيل الجسيمات التي ملأت الكون مباشرةً بعد الانفجار العظيم، قبل نحو 13.8 مليار سنة.

تُعرف هذه العملية بنظرية (تخليق الانفجار النووي العظيم) ويُظن أنها حدثت بعد 10 ثواني إلى 20 دقيقة بعد الانفجار العظيم.

إن معرفة مدى قدرة النيوترون على البقاء في الفضاء بمفرده دون عامل مساعد مثل النواة، ستسمح للفلكيين بتحديد الحد الأقصى لذلك الإطار الزمني.

قال جاك ويلسون، المؤلف الرئيس للبحث، عالم الكواكب في مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز: «للمرة الأولى يقيس أي شخص عمر النيوترونات في الفضاء، وهو ما يثبت جدوى هذه الطريقة التي قد تصبح يومًا ما طريقًا لحل هذه المسألة الدقيقة».

منذ تسعينيات القرن الماضي، استُخدم نوعان مختلفان من التجارب على الأرض لحساب عمر النيوترون، هما (الزجاجة) و(الشعاع).

في تجربة الزجاجة، صمم العلماء فخًا ميكانيكيًا أو جذبيًا أو مغناطيسيًا، أو مزيجًا من كل ذلك، وحسبوا فترة تحمل النيوترون داخل هذه الأفخاخ قبل انحلاله.

أما في تجربة الشعاع، فقد أطلق العلماء شعاعًا من النيوترونات وحسبوا كمية البروتونات والإلكترونات الناتجة خلال عملية انحلال النيوترونات.

كلتا الطريقتين على درجة عالية من الدقة، لكن توجد مشكلة كبيرة: زمن انحلال النيوترون في طريقة الزجاجة يساوي 879.5 ثانية، أو ما يعادل 14 دقيقة و39 ثانية، بهامش خطأ 0.5 ثانية، في حين يبلغ زمن انحلال النيوترون في طريقة الشعاع 888 ثانية، أو ما يعادل 14 دقيقة و48 ثانية، بهامش خطأ يساوي ثانيتين.

قد لا يبدو فرق الثواني التسع بين الطريقتين كبيرًا، لكن عندما تحاول أن تحدد نطاق عمر النيوترون فالفرق يُعَد ضخمًا، لا سيما وأن هامش الخطأ لا يجعل الأمر أفضل حالًا. وهنا يظهر تأثير الفضاء.

عندما تصطدم الأشعة الكونية التي تتدفق باستمرار عبر الفضاء بالذرات على سطح الكوكب أو غلافه الجوي، تفلت بعض النيوترونات وتصل إلى الفضاء حتى تنحل.

نظريًا، يجب أن تكون النيوترونات أقل عددًا في الارتفاعات العالية، لكنك تحتاج إلى آلة مناسبة على ارتفاع مناسب للتمكن من القياس.

دارت مركبة ناسا الفضائية (مسنجر) -الخاصة بدراسة سطح عطارد وبيئة الفضاء والكيمياء الجيولوجية- حول عطارد بين عامي 2011 و2015، لكن مسارها كان معقدًا، إذ تضمن دورتين حول الزهرة و3 دورات حول عطارد.

العلماء يتمكنون لأول مرة من حساب عمر النيوترون في الفضاء - مدى قدرة النيوترون على البقاء في الفضاء بمفرده دون عامل مساعد مثل النواة

التقط مطياف النيوترونات الخاص بالمركبة عند اقترابها من الزهرة بيانات حول النيوترونات المتدفقة من الكوكب بسرعة تبلغ بضعة كيلومترات في الثانية. على ارتفاع 339 كيلومترًا، اقتربت المركبة من الحد الأقصى للمسافة التي قد تقطعها النيوترونات قبل أن تبدأ في الانحلال، والتُقطت حسابات مماثلة خلال تحليق المركبة بالقرب من عطارد، على ارتفاع 205 كيلومتر.

قال ويلسون: «يشبه ذلك تجربة الزجاجة، لكن بدلًا من استخدام الجدران والمجالات المغناطيسية، استخدمنا جاذبية الزهرة لحجز النيوترونات فترات مقاربة لعمرها».

لحساب عمر النيوترونات، وضع الفريق نموذجًا لعدد النيوترونات المفترض اكتشافها، وتحقق منها على الارتفاعات التي تحلق بها المركبة حول الزهرة، في مدى 10 – 17 دقيقة. وفقًا لهذه النمذجة كان العمر الأدق 780 ثانية (13 دقيقة).

لكن هذه النتيجة جاءت أيضًا مع هامش خطأ يبلغ 60 ثانية، ما يعني أنه ما زال ضمن نطاق نتائج حسابات طريقتي الزجاجة والشعاع.

لذلك لم نتوصل إلى عمر النيوترون بدقة حتى الآن. في الحقيقة لم يكن جمع هذا النوع من البيانات من أهداف المركبة بالأساس، لذا فإن تحقيق هذه النتائج باستخدام بيانات المسبار -وإن كان بهامش خطأ كبير- يُعد مثيرًا للإعجاب.

يُظهر نجاح تقنيات الفريق أن لمحاولات تحسين الحسابات بمهمة مخصصة لذلك قيمة كبيرة.

حاليًا، وضعت وكالات الفضاء المختلفة دراسة مسابير كوكب الزهرة في الاعتبار، ويعمل الفريق على اكتشاف آلة يمكنها القيام بالحسابات التي يحتاجون إليها.

قال ويلسون: «نريد تصميم آلة خاصة بالمركبات الفضائية يمكنها القيام بحسابات دقيقة للتوصل لعمر النيوترونات».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف نوع جديد من المادة داخل النجوم النيوترونية

الفيزيائيون يتوصلون إلى التقدير الأدق حتى الآن لحجم النجوم النيوترونية

ترجمة: رياض شهاب

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر