يواصل الأمريكيون محاربة فيروس كورونا الجديد مع سؤال واحد يشغل بال الكثيرين: هل نشهد الآن أو في المستقبل موجة ثانية من الفيروس؟ كتب مايك بنس نائب الرئيس مقالة افتتاحية في وول ستريت جورنال بعنوان (لا توجد موجة ثانية من فيروس كورونا) وقال إن البلد في وضع أفضل مما تُصوره التقارير الإعلامية.

لكن وفي اليوم نفسه، ألقى الدكتور أنتوني فوسي كبير خبراء المركز الفيدرالي للأمراض المعدية في مقابلة مع نفس الصحيفة ماءً باردًا على تطمينات بنس، إذ حذَّر من ارتفاع محتمل في عدد الإصابات قائلًا: «يتحدث الناس عن موجة ثانية، لكننا لا نزال في الموجة الأولى».

من الصعب تحديد موعد الموجة الثانية لفيروس كورونا ، لكن العلماء يراقبون عدد الإصابات اليومية مردّدين تحذيرات فوسي.

انخفض عدد الإصابات اليومية -حسب الرسم البياني- بنسبة الثلث تقريبًا منذ ذروته في أوائل مارس حتى أقرب موعد انخفاض له في أوائل يونيو. وتُظهِر البيانات منذ ذلك الحين (أوائل يونيو) ارتفاعًا في الأعداد يقترب تدريجيًا من الذروة السابقة.

الإصابات اليومية بفيروس كورونا في الولايات المتحدة

الإصابات اليومية بفيروس كورونا في الولايات المتحدة

طلبنا مساعدة الخبراء لنعرف ما الموجة التي نمر بها الآن؟ وما توقعات حدوث موجة انتشار جديدة؟ وما الدروس التاريخية التي نتعلمها من جائحة الإنفلونزا سنة 1918 وهي آخر جائحة كبرى مرت على الولايات المتحدة، وإليكم إجابات هذه الأسئلة:

هل نحن الآن خارج الموجة الأولى؟

لا يوجد تعريف واضح لبداية الموجة ونهايتها، لكن الموجة تعني في العادة أن تصل أعداد الإصابات إلى الذروة لتنخفض بعد ذلك انخفاضًا كبيرًا، وعند حدوث ارتفاع جديد والوصول إلى ذروة أخرى نكون في بداية موجة ثانية.

تقول نيكول جاتو الأستاذة المساعدة في كلية المجتمع والصحة العالمية في جامعة كليرمونت للدراسات العليا في كاليفورنيا: «ليس من المنطقي أن نتوقع انخفاض عدد الحالات الجديدة إلى الصفر، لكن ما نأمله هو الانخفاض المستمر أو الاستقرار في عدد الحالات الجديدة مع مرور الوقت».

يوضح الرسم البياني السابق أعداد الإصابات في كل أنحاء البلاد، ويُظهِر انخفاضًا في أعداد الإصابات الجديدة. انخفض عدد الحالات انخفاضًا شديدًا قبل أن يعاود ارتفاعه الحالي، ويقول العلماء إن بعض الولايات لم تقترب من نهاية الموجة الأولى بعد.

تقول بروك نيكولز الأستاذة المساعدة في كلية الصحة العامة في جامعة بوسطن: «تبدو الذروة الأولى واضحة والموجة الأولى أيضًا في بعض المناطق مثل نيويورك وبوسطن، لكن أماكن أخرى لا تزال في الموجة الأولى».

يُظهر الرسم التالي الولايات التي شهدت موجة أولى ثم انخفاضًا كبيرًا في أعداد الحالات

يُظهر الرسم التالي الولايات التي شهدت موجة أولى ثم انخفاضًا كبيرًا في أعداد الحالات

بينما لا تزال بعض الولايات الأخرى في الموجة الأولى

بينما لا تزال بعض الولايات الأخرى في الموجة الأولى

تقول جاتو: «إن كنت في ولاية ما تزال تشهد زيادة في عدد الحالات فليس من المنطقي التحدث عن موجة ثانية، يعتمد حدوث الذروة وتكرارها أو استمرار موجة واحدة على سلوك الناس واستجابتهم لما يحدث من حولهم».

هل كان هناك أكثر من موجة في جائحة الإنفلونزا سنة 1918؟

جاءت جائحة الإنفلونزا على ثلاث موجات واضحة بين عامي 1918و1919 تسببت بوفاة نحو 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. حدثت الجائحة في أثناء الحرب العالمية الأولى ويرى العلماء أن الحرب قد ساعدت على نشر الفيروس حول العالم بأسرع مما كان سينتشر من دون الحرب.

بدأت الموجة الأولى في مارس 1918 وانخفضت مع قدوم الصيف، وبدأت الموجة الثانية في الخريف ثم تلتها الموجة الثالثة في شتاء 1919 وربيعه، هذا رسم بياني تقريبي من ورقة أكاديمية لموجات الوفيات

يقول جيه أليكساندر نافارو مساعد مدير مركز تاريخ الطب في جامعة ميشيغان: «لم تكن الموجة الأولى قاتلة للغاية، إذ كانت شدتها في تلك المرحلة مساوية لشدة سلالات الإنفلونزا الموسمية المنتشرة».

كانت الموجة الثانية هي الأكثر فتكًا، وقد يكون ذلك بسبب الطفرات التي أصابت الفيروس وجعلته مميتًا أكثر، رغم أن العلماء يرون أن هذا محض تخمينات لأن مثل هذه الطفرات تستغرق عادة وقتًا أطول بكثير لتتطور وتنتشر.

يقول كينيث ديفيس مؤلف كتاب (أفتك من الحرب: التاريخ الخفي للإنفلونزا الإسبانية والحرب العالمية الأولى): «تباطأت الموجة الثانية مع نهاية شهر نوفمبر جزئيًا بسبب تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي تطبيقًا أكثر صرامة، وعند تخفيف هذه الإجراءات، بدأت موجة ثالثة في شتاء سنة 1919 وربيعها».

ويضيف نافارو: «استمرت الموجة الثالثة حتى مارس، ويقول البعض إن موجة رابعة بدأت في شتاء 1920، وكانت كل موجة أقل فتكًا من الموجة التي سبقتها رغم وجود اختلافات في شدة الموجات بين المناطق المختلفة، ويرجع سبب انخفاض عدد الوفيات بعد الموجة الثانية جزئيًا إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين لم يصابوا بالعدوى بعد، فعندما تنتشر العدوى بين السكان انتشارًا كافيًا تتباطأ سرعة انتشار المرض وشدته فيما يُعرَف بمناعة القطيع».

إلى أي مدى تساعدنا جائحة 1918 على توقع ما سيحدث الآن؟

رغم أن كلتا الجائحتين تنقل أمراضًا تنفسية سريعة الانتشار، توجد بينهما بعض الاختلافات المهمة التي تصعِّب توقُّع مستقبل انتشار فيروس كورونا الجديد اعتمادًا على جائحة 1918.

أحد هذه الأسباب أن جائحة 1918 نقلت مرض الإنفلونزا الذي تسببه عائلة من الفيروسات مختلفة عن عائلة الفيروسات التاجية، وفي هذا أخبار جيدة وسيئة في الوقت نفسه.

تقول رافينا كولر اختصاصية الأمراض المعدية وعضو مساعد في الهيئة التدريسية في جامعة كاليفورنيا: «الخبر الجيد أن فيروس كورونا يبدو أكثر استقرارًا بكثير من فيروس الإنفلونزا وأقل عُرضة للطفرات والتحول إلى فيروس أكثر فتكًا، وتُبدي البروتينات الشوكية على سطح الفيروس مقاومة خاصة ضد الطفرات، وهي التي تساعد الفيروس على الارتباط بالخلايا البشرية ومهاجمتها».

أما الجانب السلبي فهو أن فيروس كورونا لا يتأثر كثيرًا بالتغيرات الموسمية، فالإنفلونزا تزداد سوءًا في الطقس البارد وتخف حدتها في الأشهر الدافئة. ورغم أننا لاحظنا انخفاضًا في عدد الإصابات بفيروس كورونا بسبب انتقال التعاملات البشرية إلى الهواء الطلق حيث تقل نسبة العدوى، فلا يتوقع العلماء انخفاضًا موسميًا كبيرًا في أعداد الإصابات.

تقول كولار: «لا يتأثر الفيروس الحالي بالمناخ، إذ تعرَّضت مناطق حارة ورطبة مثل إندونيسيا وبومباي لموجات واسعة من الفيروس، ويرتفع أيضًا عدد الإصابات في الولايات الأميركية ذات الطقس الحار مثل أريزونا وفلوريدا».

وتشير أنماط الطفرات والأنماط الموسمية إلى أن فيروس كورونا قد لا يتبع نفس نمط موجات إنفلونزا 1918، وقد يأخذ نمط انتشاره بدلًا من ذلك شكلًا هضبيًا مع ارتفاعات ممكنة في أعداد الإصابات إن لم تُطبَّق قواعد التباعد الاجتماعي تطبيقًا جيدًا.

توجد اختلافات أخرى بين جائحة اليوم وجائحة 1918:

نحن نعرف الآن عن الفيروسات والصحة العامة أكثر بكثير مما كنا نعرفه سابقًا، والعلم الآن أقدر على صنع العلاجات واللقاحات.

ومن ناحية أخرى فإن عدد سكان العالم وكثافته أكبر بكثير. كان عدد سكان العالم سنة 1918 أقل من 2 مليار نسمة أما اليوم فيبلغ نحو 7.6 مليار نسمة، ولدينا اليوم الطيران التجاري الذي ينقل المصابين حول العالم أسرع بكثير من سفن عام 1918 وقطاراته.

تؤدي الكثافة السكانية العالية وزيادة أعداد المسافرين إلى استمرار بقاء الفيروس وانتشاره انتشارًا أوسع.

شهدت بعض المدن سنة 1918 انخفاضًا في شدة الجائحة فور اقترابها من مناعة القطيع لكن هذا لن يكون مفيدًا بالنسبة لفيروس كورونا لأنه أشد عدوى من إنفلونزا عام 1918، ويجب أن تصل نسبة المصابين بين السكان إلى 65% للوصول إلى مناعة القطيع بينما كانت هذه النسبة 35% فقط سنة 1918.

يقول نافارو: «استطاع الناس سنة 1918 تجاوز الجائحة في وقت أسرع بكثير بفضل مناعة القطيع، وتكبَّدوا رغم ذلك عددًا ضخمًا من الوفيات، لكن فيروس كورونا اليوم سيبقى معنا فترة أطول بكثير من إنفلونزا 1918».

ما العوامل التي قد تسبب موجة جديدة؟

يقول العلماء إن الخطر الأكبر يكمن في تخفيف إجراءات التباعد الاجتماعي. لكن نسبة أكبر بكثير من اقتصاد اليوم تقوم على جذب المستهلك مثل المطاعم وقطاع الترفيه، ما يزيد من الضغط الاقتصادي لتخفيف معايير التباعد الاجتماعي الذي قد يؤدي إلى تفاقم الجائحة.

يقول نافارو: «عاد الناس سنة 1918 إلى حياتهم فور رفع إجراءات التباعد، وعادت الجموع إلى الحياة الطبيعية بسرعة كبيرة، لتتزاحم في دور السينما والمتاجر والمحلات وقاعات الرقص وصالونات الحلاقة، وأدى هذا إلى ارتفاع في عدد الإصابات في عدة مدن».

تقول نيكولز: «تُحدِث تجارب المجتمع السابقة مع الفيروس بعض الفرق أحيانًا، ففي بوسطن كانت أولى موجات انتشار الفيروس شديدة نوعًا ما، وكان معظم السكان يعرفون شخصًا مصابًا بكوفيد-19 أو قريبًا لشخص توفي بكوفيد-19، وقد أثر هذا في سلوك الناس. أما المناطق التي لم تشهد انتشارًا قويًا للجائحة كان ميل الناس فيها لتغيير سلوكهم أقل».

وتضيف نيكولز أن التعامل مع الفيروس في أشهر الصيف -التي تتيح للناس حرية أكبر في الخروج والتعامل في الهواء الطلق- قد يصعِّب من تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي في الأشهر الباردة.

تقول: «أخشى أن يستمر الناس في تفاعلاتهم الاجتماعية الصيفية في الخريف والشتاء، فتتحول التعاملات الآمنة التي لا تنشر العدوى عادة، إلى تعاملات خطيرة تنشر العدوى».

اقرأ أيضًا:

كيف نتحدث إلى الأطفال عن فيروس كورونا؟

هل يملك بعض الأشخاص حصانة ضد فيروس كورونا المستجد ؟

ترجمة: علياء أحمد

تدقيق: وئام سليمان

مراجعة: رزان حميدة

المصدر