يعد الدجاج من أكثر حيوانات المزرعة انتشارًا في العالم فضلًا عن كونه أكبر مصدر بروتينٍ حيوانيّ للبشر، يصل عدده إلى 24 مليارًا وهذا ما يجعله يحتل المرتبة الأولى بين جميع الطيور الأخرى من ناحية العدد. ومع هذا، فقد حار علماء الأحياء طويلًا في معرفة طريقة تطور الدجاج.

قد توصل العلماء -في أولى الدراسات المكثفة لكامل جينوم هذه الطيور- إلى أن سكانًا من شمال شرق آسيا أو جنوب الصين استأنسوا طيورًا ملونة من فصيلة الدراج نحو عام 7500 قبل الميلاد، ثم حمل المهاجرون والتجار هذه الطيور عبر آسيا ومنها إلى كل القارات الأخرى باستثناء القارة الجنوبية.

كتب فريق البحث بقيادة مينغ شان وانغ من معهد كانمينغ لعلم الحيوان التابع للأكاديمية الصينية للعلوم في ورقتهم البحثية التي نُشِرت في مجلة Cell: «تتناقض نتائج دراستنا مع الدراسات السابقة التي تقول إن استئناس الدجاج قد بدأ في شمال الصين ووادي السند». ووجدوا أيضًا أن السلف الرئيسي للدجاج الحديث هو نوع فرعي من دجاج الأدغال الأحمر اسمه Gallus Gallus Spadiceus.

يقول دوريان فولر عالم الآثار في كلية لندن الجامعية وليس من واضعي الدراسة: «من الواضح أنها دراسة مهمة، وقد تُسلِّط نتائجها الضوء على نشأة الزراعة وشبكات التجارة الأولى، والصفات التي أثارت اهتمام الناس بهذا الطائر».

حاول تشارلز داروين إثبات أن الدجاج الذي نعرفه اليوم ينحدر من دجاج الأدغال الأحمر بسبب الشبه بينهما ولأن النوعين قادران على التزاوج فيما بينهما وإنجاب ذرية خصبة، وخمَّن أن استئناس الدجاج قد بدأ في الهند. لكن توجد خمسة أصناف من الدراج تستوطن منطقة الأدغال الشاسعة الممتدة من إندونيسيا إلى سفوح جبال الهيمالايا في باكستان، فلم يستطع داروين أن يعرف بالضبط من أي صنف من الأصناف الخمسة تطور الدجاج؟ وفي أي منطقة؟

دراسة جينية تقول إن أول دجاجة مشت على سطح الأرض ظهرت في جنوب شرق آسيا - أكبر مصدر بروتين حيواني للبشر - السلف الرئيسي للدجاج - تطور الدجاج

وقد اختلف العلماء- استنادًا إلى عظام افترضوا أنها عظام دجاج- في هذه المسألة، فقال البعض إن الناس قد استأنسوا الدجاج منذ نحو 9000 عام في شمال الصين وافترض آخرون أن هذا التدجين قد حصل في باكستان منذ 4000 عام.

لجأ الباحثون إلى تحليل الحمض النووي لحل هذه المشكلة لكن لم يكن لديهم سوى عينات بسيطة لأقارب الدجاج القدامى من الطيور البرية، لهذا بدأ عالم الوراثة جيانلين هان -من المختبر المشترك للموارد الوراثية للثروة الحيوانية والأعلاف- بمشروع استمر عشرين عامًا لجمع عينات من الدجاج القروي النقي ودجاج الأدغال البري من أكثر من 120 قرية في آسيا وإفريقيا.

جمع وانغ وفريقه التسلسل الجينومي الكامل لـ 863 طائرًا وقارنوا بينها، وأشارت النتائج إلى أن الدجاج الحديث قد انحدر في الأصل من فصائل مستأنسة وبرية من المناطق التي تُعرف الآن بميانمار ولاوس وتايلاند وجنوب الصين. يقول عالم الوراثة وأحد واضعي الدراسة أوليفر هانوت من جامعة نوتنغهام: «تعد هذه المنطقة مركزًا لتدجين الحيوانات»، وتؤكد هذه النتائج صحة الفرضية التي وضعها ولي عهد اليابان أكيشينو المتخصص في علم الطيور استنادًا إلى بيانات الحمض النووي للميتوكوندريا سنة 1994.

توصل فريق وانغ أيضًا إلى أدلة على مساهمة طيور جنوب آسيا في الحمض النووي للدجاج، فقد يكون دجاج الغاب الأصيل المستوطن في شبه القارة الهندية قد تزاوج مع الدجاج بعد استئناسه الأوَّلي في جنوب شرق آسيا بحسب الفريق.

تفيد نتائج التحليل النووي إلى أن أقرب نوع إلى الدجاج المُستأنس هو نوع طيور فرعي من جنوب شرق آسيا يسمى G. g. spadiceus، لكن يرى الباحثون أن السلالة التي تطورت إلى الدجاج الحديث متفرعة من دجاج الأدغال الأحمر منذ 6200 إلى 12800 سنة، بالإضافة إلى استئناس حصل في وقت ما بعد انقسام السلالة.

لا يرى فولر أن الدجاج قد استؤنس استئناسًا كاملًا قبل ظهور زراعة الأرز والدُّخن في جنوب شرق آسيا قبل نحو 4500 عام. ويقول هانوت: «نحتاج إلى مساعدة علماء الآثار لفهم الأحداث الإنسانية التي أدت إلى استئناس الدجاج».

لكن جوناثان كينوير عالم الآثار والخبير بحضارة وادي السند من جامعة ويسكونسن-ماديسون يشكِّك بفرضية ظهور الدجاج في جنوب شرق آسيا قائلًا: «يحتاج واضعو هذه الفرضية إلى عينات حمض نووي قديمة لدعم فرضيتهم، لأن جينومات الطيور الحديثة لا توفِّر إلا أدلة محدودة عن الأحداث القديمة لتطور الدجاج».

ولا تُظهِر عينات الحمض النووي أيضًا السبب الذي دفع الناس في البداية إلى استئناس هذا النوع من الطيور؛ إذ إن أنواع الدجاج القديمة كانت هزيلة جدًا ولم تنتج كمية وفيرة من البيض مقارنة بأنواع دجاج اليوم، وكان عدد مفترسيها كبيرًا. ويرى بعض الباحثين أن استئناس الدجاج في البداية كان لغرابة ألوان ريشه أو لاستخدامه في مصارعة الديوك، فبيع ديوك المصارعة ما يزال تجارة رائجة في جنوب شرق آسيا، وقد يكون الثمن المرتفع لهذا النوع من الطيور هو ما أغرى التجار بحمله مسافات طويلة.

وتصف عالمة آثار الحيوان ميليندا زيدر من Smithsonian Institution الورقة البحثية الجديدة بـ «المدهشة» وتقول إنها: «تُثبت أن عملية استئناس الدجاج وانتشاره أعقد بكثير مما كنا نظن»، وتحثُّ علماء الآثار والوراثة على دمج بياناتهم حول هذا الموضوع للحصول على القصة الكاملة لاستئناس الدجاج.

يجمع علماء الآثار الآن عظام الدجاج التي تشير إلى أن مزارعي جنوب الصين وجنوب شرق آسيا هم أول من استأنسوا الدجاج منذ 3500 عام، وهي نتائج تعزز فرضية علماء الوراثة.

تعمل مجموعة هان في الوقت الحالي على إنشاء قاعدة بيانات ضخمة تضم أكثر من 1500 جينوم للدجاج الحديث في آسيا وأوروبا وأفريقيا؛ إذ ينوي الباحثون تحليل انتشار الدجاج في أوروبا وأفريقيا، والاختلافات الجينية المسببة للصفات المختلفة في الدجاج مثل القدرة على مقاومة الأمراض أو إنتاج المزيد من البيض. يقول هان: «تفتح هذه الدراسة صفحة جديدة تمامًا في دراسة جينوم الدجاج».

اقرأ أيضًا:

سؤال مهم: من أين جاء الدجاج وكيف كان داروين مخطئًا؟

الدجاج البري يسلط الضوء على عملية التطور

ترجمة: محند سعيد حمادوش

تدقيق: وئام سليمان

المصدر