رصد فيزيائيون في تجربة مصادم الهادرونات الكبير التابع لمنظمة سيرن الأوروبية للأبحاث النووية نوعًا جديدًا من الجسيمات دون الذرية رباعية الكواركات «تتراكوارك». وقد أصيبوا بالدهشة عندما وجدوا أن هذا الجسيم يتكون من أربعة كواركات من النوع نفسه، ما يعد سابقةً في مجال فيزياء الجسيمات.

رُفِعت ورقة البحث على موقع (arXiv) التابع لجامعة كورنل بانتظار مراجعة الأقران، وقد تضمنت الورقة البحثية أدلةً كثيرةً تدعم وجود هذا النوع من الجسيمات الغريبة.

تعد الكواركات جسيمات أوليةً ومن المكونات الأساسية لبناء المادة، إذ تتركب منها بنية البروتون والنيوترون، وهي جسيمات دون ذرية -داخل نواة الذرة- تتكون منها جميع المادة المرئية، متضمنةً الإنسان. يحتوي كل من البروتون والنيوترون على ثلاثة كواركات مرتبطة ببعضها بالقوة النووية القوية.

إن الجسيمات التي تحتوي على عدد كبير من الكواركات -من أربعة إلى ستة- نادرة جدًا، فلم يحسم وجود التتراكوارك إلا منذ سنوات قليلة، في حين ما زال الكوارك السداسي مجرد افتراض.

تصنف الكواركات إلى ستة أنواع وتسمى بالنكهات وهي: العلوي والسفلي والساحر والغريب والقمي والقاعي. لكل كوارك جسيم مضاد له، وتختلف الكواركات من ناحية الكتلة، فالكوارك العلوي والساحر والقاعي أثقل الكواركات.

تركيبة التتراكوارك المُكتشف حديثًا تركيبة غريبة؛ إذ يتكون التتراكوارك من أربعة كواركات من النكهة نفسها وكلها كواركات ثقيلة.

رصد جسيم غريب رباعي الكواركات لأول مرة - الكواركات جسيمات أولية ومن المكونات الأساسية لبناء المادة - البروتون والنيوترون - الجسيمات دون الذرية

يقول الفيزيائي جيوفاني بساليفا من المعهد الوطني للفيزياء النووية في إيطاليا والمُتحدث السابق باسم المُصادم الهادروني الكبير: «تُعد الجسيمات رباعية الكواركات غريبةً فعلًا، فالذي اكتشفناه للتو هو أول جسيم يتألف من أربعة كواركات ثقيلة من النوع نفسه: كواركان ساحران وكواركان ساحران مضادان.

حتى هذه اللحظة لم يرصد فريق تجربة بيوتي في مصادم الهادرونات الكبير والتجارب الأخرى إلا تتراكواركات تتألف من كواركين ثقيلين على أقصى تقدير، ولم يُرصَد أكثر من كواركين من النكهة نفسها في جسيم واحد».

اكتُشف هذا الجسيم الغريب بالرجوع إلى البيانات التي جمعها وخزنها مصادم الهادرونات الكبير بين عامي 2009 و2013 وبين عامي 2015 و2018. دقّق الفريق بعناية في هذه البيانات باستخدام تقنية حديثة لرصد الجسيمات الجديدة، تضمنت هذه التقنية البحث في البيانات المسجلة عقب أحداث تصادم الهادرونات عن حوادث تصادم زائدة تعرف بالنتوءات، وقد وجد الباحثون زيادات في التوزع الكتلي لنوع من الجسيمات يُسمى الميزون J/ψ، ويتكون من كواركين: كوارك ساحر وكوارك ساحر مضاد.

هذا الميزون J/ψ كباقي الميزونات؛ جسيم غير مستقر يتحلل في أقل من زيبتوثانية (جزء من مليار تريليون جزء من الثانية، 10-21 ثانية)، ولذلك يصعب على الباحثين رصده مباشرة، لكن يمكنهم استنتاج وجوده بواسطة جسيمات الميوون التي تنتج عن تحلل الميزون J/ψ.

على خلاف المعتاد كانت جسيمات الميوون التي رصدها الفريق نشطةً للغاية، وتحتوي على كتلة لا يمكن تفسيرها إلا بافتراض وجود جسيم جديد يتكون من أربعة كواركات من النوع الساحر. استدعت هذه التركيبة الجديدة للكواركات فريق البحث للإعلان عن اكتشاف جسيم جديد يشتمل على المعايير المطلوبة التي تجعل منه جسيمًا فريدًا من نوعه.

مع ذلك يبقى الأمر مبهمًا حتى الآن؛ فهل نستطيع اعتبار هذا الجسيم الجديد تتراكوارك «حقيقي» يحتوي على أربعة كواركات مرتبطة ببعضها ارتباطًا وثيقًا، أم هو زوج من الجسيمات ثنائية الكواركات ضعيفة الارتباط؟

ينطبق الاحتمال نفسه على البانتاكوارك-جسيم يتكون من أربعة كواركات وكوارك مضاد- والهيكساكوارك -جسيم يتكون من ستة كواركات- اللذين قد يتركبا من جسيمات ثنائية صغيرة مرتبطة فيما بينها، بدلًا من جسيم واحد شديد الارتباط.

قد يساعدنا اكتشاف المزيد من هذه الجسيمات الغريبة وأنواعها المختلفة -كالاكتشاف الذي بين أيدينا- على حل الكثير من الألغاز وإلقاء المزيد من الضوء حول القوة النووية القوية التي تربط الكواركات ببعضها مشكلةً بذلك البروتونات والنيوترونات، ما يسمح بوجود المادة.

قال فيزيائي الجسيمات والمتحدث الجديد باسم تجربة بيوتي في مصادم الهادرونات الكبير كريس باركس من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة: «تُوفر لنا هذه الجسيمات الثقيلة والغريبة حالات متطرفةً لكنها بسيطة نظريًا إلى الحد الذي نستطيع بواسطتها اختبار نماذج تفسر طبيعة المادة العادية، كالبروتونات والنيوترونات. لذلك من المثير للاهتمام رصد هذه الجسيمات لأول مرة نتيجةً للتصادمات التي تقع في مختبر مصادم الهادرونات الكبير».

اقرأ أيضًا:

ما هو الكوارك ؟

ما هو مصادم الهادرونات الكبير ؟

ترجمة: رضوان بوجريدة

تدقيق: راما الهريسي

المصدر