طالما اهتم علماء النفس بمعرفة سبب تعاطي المخدرات الترفيهية. تؤثر السمات الفردية في جوانب عدة من حياة الناس، والميل إلى التعاطي ليس استثناء لهذه القاعدة؛ لذلك أُجريَت عدة دراسات حول الموضوع، ودرس العلماء أهم السمات الشخصية المتعلقة بالموضوع، وهي 5 سمات:

  1.  الانفتاح على التجربة: الأمر المتعلق باتساع وتعقيد الحالة الذهنية للفرد.
  2.  الوعي: وهو ما يتعلق بالتنظيم.
  3.  الانضباط الذاتي الانبساطي: يتعلق بالبحث عن المتعة والاختلاط الاجتماعي.
  4.  التقبل: يتعلق بالتعاون ومراعاة الآخرين.
  5.  العُصابية: المتعلقة بعدم الاستقرار العاطفي ووجود مشكلات نفسية.

في دراسة حديثة بأستراليا، دُرس نحو 12 ألف شخص مدة 4 سنوات، ووجدت الدراسة أن استخدام العقاقير المخدرة يرتبط بالانفتاح على التجربة ونقص الوعي والتقبل والاضطراب العُصابي، بالترتيب.

تشير الدراسة إلى أن الأشخاص المنفتحين على تجارب جديدة ومن يسعون للاستمتاع بوقتهم وغير المستقرين عاطفيًا وغير المبالين بالمعايير الاجتماعية يميلون إلى استخدام العقاقير المخدرة، تظهر تلك الاختلافات الشخصية حتى مع ضبط عوامل اختلاف العمر والجنس والوضع الاجتماعي والاقتصادي.

استخدمت الدراسة بيانات العائلات الأسترالية على نطاق واسع مدةً طويلة، بهدف جمع بيانات من عينات تمثل التعداد السكاني الوطني؛ للاقتراب أكثر ما يمكن من الواقع. سُئل المشاركون عن سماتهم الشخصية عام 2012 ثم عن استخدامهم للمخدرات عام 2016، وهذا ما سمح للباحثين بمعرفة العلاقة بين السمات الشخصية والإدمان خلال مدة زمنية مناسبة.

حددت الدراسة العلاقة بين السمات الشخصية واستخدام القنب والميثامفيتامين والكوكايين والإكستاسي والمهلوسات. ترتبط العقاقير الأربعة بنقص الوعي والانبساط النفسي، أما الارتباط بالسمات الثلاث الأخرى فكان أقل وضوحًا. قد يشير هذا إلى أن الأسباب الشائعة لاستخدام هذه المخدرات هي البحث عن المتعة وعدم التحكم في الذات.

تميل النتائج إلى التشابه مع نتائج أي عقار مخدر رغم وجود بعض الاستثناءات الجديرة بالذكر، مثل أسباب تعاطي القنب الهندي، إذ يرتبط بشدة بالانفتاح على التجربة، يليه نقص الوعي والانبساط العالي ونقص التقبل وزيادة العصابية بالترتيب.

ويختلف استخدام المهلوسات مثل ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك، والفطر السحري، وثنائي ميثيل تريبتامين، إذ ارتبط بشدة بالانفتاح على التجربة، وبدرجة أقل بنقص الوعي والانبساط والتقبل، ولم تُلاحَظ علاقة واضحة مع العصابية، وهذا منطقي إذ يرتبط حب التجارب الجديدة بالحياة الداخلية الثرية التي توسع نطاق التفكير.

وجدت الدراسة أن الأشخاص الأكثر انفتاحًا على تجربة ما هو جديد لديهم قابلية عالية لتجربة عقاقير الهلوسة، ويميلون إلى أن يكونوا باحثين عن المتعة وغير منضبطين ولا يبالون بالمعايير الاجتماعية، مع أنهم لا يبدون بحالة عاطفية مضطربة.

على عكس مدمني الكوكايين والإكستاسي، إذ يتعلق الإدمان بالانبساط، ويرتبط بدرجة أقل بتجربة الجديد وبنقص الوعي والتقبل والعصابية (بنسبة أعلى لدى مدمني الكوكايين)، تقترح الدراسة أن حب المتعة هو الدافع الأساسي لتجربة هذه العقاقير، فمن يتعاطونها هم من رواد الحفلات والمضطربين عاطفيًا، على عكس متعاطي المهلوسات.

يرتبط تعاطي الميثامفيتامين بنقص الوعي والانبساط والعُصابية، ولا يوجد ارتباط واضح بالانفتاح على التجربة والتقبل، ما يشير إلى أن مستخدمي هذه العقاقير هم من أصحاب السلوك المندفع ومحبي المتعة، إضافةً إلى كونهم غير مستقرين عاطفيًا أكثر من سواهم، ما يشير إلى أن متعاطي هذه العقاقير يستخدمونها للتأقلم مع حالتهم العاطفية غير المستقرة.

أشار مؤلفو الدراسة إلى أن العلاقة بين تعاطي المخدرات والانبساط غير متوقعة. وإن كانت دراسات سابقة قد وجدت علاقة بين الانبساط والاستهلاك الزائد للكحول بغرض الانتشاء. يقترح مؤلفو الدراسة أن الانبساط قد يكون مرتبطًا بتعاطي المخدرات، إذ يرتبط خصوصًا بالتواصل الاجتماعي، ما قد يدفع الناس إلى التعاطي في الحفلات.

إن التواصل الاجتماعي هو أحد أوجه الانبساط، إلى جانب الحيوية والمغامرة والهيمنة. وجدت دراسة سابقة أن حب المغامرة هو الأكثر ارتباطًا بتعاطي المخدرات والإسراف في الكحول، وعلى هذا يرتبط تعاطي المخدرات بالبحث عن الإثارة والتجارب التحفيزية القوية أكثر مما يرتبط بالجوانب الأخرى للانبساط، متضمنةً العلاقات الاجتماعية.

أيضًا توجد علاقة محتملة مثيرة للاهتمام بين الانبساط وتعاطي المخدرات، هي ارتباطها بالتحرر الجنسي، إذ وجد الباحثون أن الناس يربطون تعاطي المخدرات بالتحرر الجنسي، فمن يتقبلون التحرر الجنسي يتقبلون تعاطي المخدرات أيضًا، والعكس بالعكس.

يتعاطى الناس المخدرات لأسباب عديدة تتعلق بسماتهم الشخصية، مثل اكتشاف العالم الداخلي أو النشوة أو الهرب من واقعهم، عندما يتعاطى قليلو الوعي وكثيرو الانبساط المخدرات، فليس ذلك بالضرورة لقضاء وقت جيد، بل قد تكون استراتيجية لتسهيل فرصهم في إقامة علاقات جنسية قصيرة الأمد. يساعدنا فهم تلك العوامل ودراستها على الحد من نتائجها الضارة.

اقرأ أيضًا:

ما الفرق بين إدمان المخدرات والاعتماد على المخدرات؟

إدمان المخدرات: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة: محمد علي شيخ عثمان

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر