باتت منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام طريق التواصل مع الأصدقاء والعائلة ومن نهتم بهم. لكن الكل يعلم أن تلك الوسائل أصبحت تشكل جدلًا متزايدًا.

لا شك أنك سمعت تقارير تفيد بأن المتسللين وحتى الحكومات الأجنبية يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للتلاعب بك ومهاجمتك. وقد تتعجب كيف يمكن ذلك. بصفتي متخصصًا في علوم الحاسوب وباحثًا في وسائل التواصل الاجتماعي والأمن، أستطيع أن أشرح وأقدم بعض الأفكار حول ما يمكنك فعله حيال ذلك.

البوتات والدمى المتحركة

لا تزودك منصات التواصل الاجتماعي بالمنشورات من الحسابات التي تتابعها ببساطة، بل تستخدم خوارزميات لتنظيم ما تراه، مستندين في ذلك جزئيًّا إلى الإعجابات أو الأصوات. تُعرَض المنشورات لبعض المستخدمين، وكلما تفاعلوا بالإيجاب أو بالسلب مع هذه المنشورات، تظهر أكثر لآخرين. وللأسف غالبًا ما تحصل الأكاذيب والمحتوى المتطرف على المزيد من ردود الأفعال، ومن ثم تنتشر بسرعة وعلى نطاق واسع.

لكن من المسؤول عن تلك الأصوات؟ غالبًا ما يكون جيشًا من الحسابات تُسمى البوتات، وهي لا تمثل بشرًا حقيقيين، بل يسيطر عليها الهاكرز أو القراصنة في الجانب الآخر من العالم. فقد أفاد الباحثون أن أكثر من نصف حسابات تويتر التي تناقش موضوع كوفيد 19 هي بوتات.

كيف تتعامل الحسابات المزيفة باستمرار مع ما نراه على وسائل التواصل الاجتماعي وماذا نفعل حيال ذلك - البوتات - الهاكرز أو القراصنة

بصفتي باحثًا في وسائل التواصل الاجتماعي، رأيت آلاف الحسابات التي تستخدم نفس صورة الملف الشخصي وتضغط زر الإعجاب على نفس المحتوى. ورأيت منشورات لحسابات تنشر مئات المرات في اليوم، وهذا أكثر بكثير مما يستطيع إنسان فعله. ورأيت حسابًا يدعي أنه «زوجة الجيش الوطني الأمريكي بالكامل»، ينشر هذا الحساب من فلوريدا منشورات بالإنجليزية حول المهاجرين، لكن تاريخ الحساب يؤكد أنه كان يستخدم اللغة الأوكرانية سابقًا.

مثل هذه الحسابات المزيفة تُسمى الدمى المتحركة، ما يشير إلى يد خفية تنشر منتحلةً هوية أخرى. وفي كثير من الحالات، يمكن الكشف عن هذا الخداع بسهولة بالنظر إلى تاريخ هذا الحساب، لكن أحيانًا توجد استثمارات ضخمة لجعل حسابات الدمى المتحركة تبدو حقيقية.

مثلًا نقلت وسائل الإعلام الشهيرة مثل نيويورك تايمز خبرًا عن حساب جينا أبرامز، وهو حساب لديه 70 ألف متابع، ينشر آراءً يمينية متطرفة ومعادية للأجانب، لكنه في الواقع حساب زائف تديره وكالة أبحاث الإنترنت، وهي منظمة حكومية روسية.

نشر الفوضى

لا يهتم المضايقون (trolls) بالمشكلة ذاتها، قدر اهتمامهم بخلق الانقسام وتبديد الثقة. استنتج الباحثون عام 2018 أن بعض الحسابات الأكثر تأثيرًا في أطراف القضايا الخلافية مثل «حياة الأشخاص السود مهمة» أو «حياة ضباط الشرطة مهمة» كانت تسيطر عليها مجموعات من المضايقين (troll farms) على الإنترنت.

يريد المضايقون أكثر من مجرد إثارة الخلاف، بل يريدون تشجيع الاعتقاد والإيمان بأن الحقيقة لم تعد موجودة، فرّق تسد. لا تثق بأي قائد أو صوت موثوق، لذا اقطع الرؤوس وأفسد الاخلاق، واخلق تشويشًا. كل هذه استراتيجيات هجوم مدمرة بالتأكيد.

بصفتي متخصصًا في هذا الشأن، قد أظن أن رأيي لا يتأثر كثيرًا بتلك الهجمات، فلدي ما يكفي من الذكاء لقراءة ما أريد وتجاهل الباقي والابتعاد دون أذى. ومع ذلك، فعندما أرى منشورًا يحمل ملايين الإعجابات، يعتقد جزء مني أن هذا المنشور سيؤثر بالتأكيد في الرأي العام. نعم، أنا أتأثر بانطباعات وسائل التواصل الاجتماعي التي أراها، بل أنني أتأثر بآراء أصدقائي الحقيقيين المتأثرين بها أيضًا.

يُتلاعب بالمجتمع بأكمله بمهارة ليعتقد أنه على جانبي النقيض في العديد من القضايا، رغم وجود أرضية مشتركة مشروعة.

لقد ركزت في المقام الأول على الأمثلة الموجودة في الولايات المتحدة، لكن هذا النوع من الهجمات ينتشر في جميع أنحاء العالم، بإثارة الأصوات الديموقراطية ضد بعضها، فتبدو الأنظمة الاستبدادية بديلًا أفضل من الفوضى.

طالما كانت منصات التواصل الاجتماعي بطيئة في معالجتها لهذه القضية. وللأسف، فالتضليل والتدليس الإعلامي يؤديان إلى زيادة الاستخدام ومن ثم فهي جيدة للأعمال. كثيرًا ما يُبرر التقاعس عن التعامل مع هذه القضايا بالحرص على حرية التعبير، لكن هل تشمل حرية التعبير الحق في إنشاء آلاف الحسابات المزيفة بهدف نشر الأكاذيب والانقسام والفوضى؟

السيطرة

إذًا ماذا تستطيع أن تفعل حيال ذلك؟ ربما تعلم بالفعل أهمية التحقق من مصادر ما تقرأه ومن تاريخه وتوجهه، ولكن هذه النصائح البديهية ليست كافية، لذا:
أولًا: استخدم وسائل التواصل الاجتماعي بتأن أكثر، واختر شخصًا معينًا لتتفاعل معه، بدلًا من قضاء الوقت في تتبع الأخبار الجديدة الافتراضية فقط. قد تندهش لرؤية ما فاتك، لذلك ساعد أصدقاءك وعائلتك على العثور على مشاركاتك باستخدام ميزات مثل تثبيت الرسائل الرئيسية أعلى أخبارك الجديدة.

ثانيًا: يجب عليك الضغط على منصات وسائل التواصل الاجتماعي لإزالة الحسابات ذات علامات الأتمتة الواضحة. اطلب المزيد من عناصر التحكم لإدارة ما تراه والمشاركات التي تُضخم. اطلب المزيد من الشفافية في كيفية الترويج للمشاركات ومن يضع هذه الإعلانات. مثلًا يمكنك تقديم شكوى إلى إدارة فيسبوك، أو إبلاغ المسؤولين القانونين عن مخاوفك.

ثالثًا: كن على دراية تامة بالقضايا المفضلة لدى المضايقين عبر الإنترنت وكن متشككًا فيها. فهم يهتمون بخلق الفوضى، لكنهم يظهرون أيضًا تفضيلات واضحة بشأن بعض القضايا. يريد هؤلاء مثلًا إعادة فتح النظم الاقتصادية بسرعة دون إدارة حقيقية لتسطيح منحنى كوفيد 19، ودعموا بوضوح أحد مرشحي الرئاسة الأمريكية عام 2016، ويجدر بك أن تسأل نفسك: كيف قد تكون هذه المواقف جيدة لبعض المضايقين الروس، لكنها سيئة لك ولعائلتك؟

ربما يعد الأهم من ذلك أن تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي باعتدال، مثل أي مادة أخرى تسبب الإدمان أو التسمم، واستثمر في بناء محادثات مجتمعية واقعية. استمع إلى أناس حقيقيين، وقصص حقيقية وآراء حقيقية، وابدأ من هناك.

اقرأ أيضًا:

أكثر عشر حقائق مخيفة بخصوص الذكاء الاصطناعي

قل لي ما يعجبك على الفيسبوك أقل لك من أنت!

ترجمة: بشار جهاد لويس

تدقيق: محمد الصفتي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر