حاول الفيزيائيون منذ وقت طويل فهم الطبيعة غير العَكوسة للعالم المُحيط بنا، وقد نسبوا وجودها لقوانين الفيزياء الأساسية المتناظرة زمنيًا. فبحسب ميكانيكا الكم، يتطلَّب عكس الزمن في حالة نهائية غير عَكوسة سيناريوهات شديدة التعقيد وخيالية لا يمكن تصور حدوثها تلقائيًا في الطبيعة. وقد أثبت الفيزيائيون في السابق أنه رغم ضعف احتمالية عكس الزمن في البيئة الطبيعية، فمن الممكن تصميم خوارزمية تعكس سهم الزمن نحو حالة محددة أو معروفة باستخدام حاسوب IBM كمِّي. لكن النسخة من الزمن المعكوس اقتصرت على حالة كمِّية معروفة وقورنت لهذا بضغط زر الرجوع في مقطع فيديو بهدف «عكس سهم الزمن».

في تقرير جديد نُشِر في مجلة Communications Physics، تعاون عالما الفيزياء «إي في ليبيديف» و«في إم فينوكور» مع زملاء من مختصي المادة والفيزياء والهندسة المتقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لتطوير طريقة تقنية لعكس تدفق الزمن في حالة كمية مجهولة وعشوائية. سيفتح هذا العمل التقني طرقًا جديدة للوصول إلى خوارزميات عامة لعكس الزمن في أنظمة عشوائية، لكن هذا العمل اقتصر فقط على العمليات الرياضية لعكس الزمن من دون تطبيقات تجريبية.

سهم الزمن وتطوير بروتوكول عكس الزمن

يُعبِّر مفهوم سهم الزمن عن اتجاه الزمن في مسار واحد فقط بحسب القانون الثاني للديناميكا الحرارية، الذي يعني أن حالة الإنتروبيا أو الفوضى تتولَّد من تبديد طاقة النظام إلى البيئة المحيطة. ويستطيع العلماء بهذا عدَّ تبدُّد الطاقة ناتجًا عن ارتباط النظام بالبيئة المحيطة. ركَّز البحث السابق على المفهوم الكمي لسهم الزمن في فهم تأثير فرضية لاندو-نيومان-وينر، لتحديد تعقيدات عكس سهم الزمن في حاسوب (آي.بي.إم IBM) كمي.

ويقترح العلماء استخدام خزان حراري ديناميكي بدرجات حرارة محدودة لإنتاج حمام عشوائي عالي الإنتروبيا لتسخين نظام كمي معين وزيادة الاضطرابات الحرارية أو الإنتروبيا تجريبيًا في النظام. لكن حواسيب (آي.بي.إم) لا تدعم المعالجة الحرارية التجريبية، وهذا ما يشكِّل أولى خطوات العملية الجديدة المُقتَرحة.

انعكاس الزمن في حالة كمية مجهولة - عكس الزمن - سيناريوهات شديدة التعقيد وخيالية لا يمكن تصور حدوثها تلقائيًا في الطبيعة - ميكانيك الكم

من الناحية النظرية، سمح وجود الخزان الحراري -على غير المُتَوقَّع- بتحضير حالات حرارية لنظام كمي مُساعِد/بديل بدرجات حرارة مرتفعة في مكان آخر، يخضع لنفس الهاملتوني «وهو مؤثِّر في ميكانيكا الكم يوافق مجموع الطاقة الحركية والطاقات الكامنة لجسيمات النظام». وهذا ما سمح لليبيديف وفينوكور بأن يطورا -رياضيًا- مؤثِّرًا لتدفق الزمن المعكوس ليعكس ديناميكيات التسلسل الزمني في نظام كمي معين.

العملية الشاملة والنظام المُساعِد

حدَّد الفريق العملية الشاملة لعكس الزمن في حالة كمية مجهولة باستخدام مصفوفة الكثافة لنظام كمي (حالة مُختَلَطة)، لوصف عملية عكس التدفق في النظام الزمني ليرجع إلى حالته الأصلية. قد تبقى الحالة الكمية للنظام الجديد مجهولة في أثناء تدفق سهم انعكاس الزمن. وعلى عكس البروتوكول السابق المُستخدَم في عكس حالة كمية معروفة، ليس من الضروري أن تكون الحالة الأولية مستقلة تمامًا عن البيئة المحيطة فقد تبقى في حالة مُختَلطة وترتبط بتفاعلات سابقة من البيئة المحيطة. ولاحظ العلماء أيضًا انخفاضًا في تعقيد عملية عكس الزمن في الحالة الكمية ذات الإنتروبيا العالية والمُختَلطة.

اعتمد ليبيديف وآخرون على عملية عكس شرحها سابقًا إس لويد ومحسني وريبنتروست وسُمِّيَت عملية ل.م.ر LMR (الحروف الأولى من أسماء العلماء الثلاثة) لوضع خريطة لمصفوفة الكثافة الأولية. أخذت عملية (ل.م.ر) بالاعتبار الترتيبات المُجَمَّعة للنظام المدروس باستخدام نظام مساعِد لتحقيق حساب قابل للعكس. سيُزوَّد النظام التجريبي بحمام ديناميكي حراري لتسخين النظام المساعد والوصول إلى الحالة اللازمة للتدفق العكسي.

إذ تزداد حرارة النظام كلما أصبح أكثر عشوائية. يهدف ليبيديف وزملاؤه من استخدام الخزان الحراري في تعريض النظام المُساعِد لدرجات حرارة مرتفعة جدًا، إلى مراقبة النظام الأساسي تجريبيًا في الحالة الباردة وحالة الماضي المُرَتَّب، باستخدام صيغة (ل.م.ر). ويرى واضعو الورقة البحثية أنه يمكن استخدام خوارزمية عكس الوقت الكلي لإجراء الحسابات بطريقة عكسية، من دون وجود حالة كمية معينة يمكن الرجوع إليها، شرط أن تُسهِّل الخوارزمية عكس الزمن إلى نقطة بدايته.

الحسابات المعقدة في عملية عكس الزمن

حدد هذا العمل التحليل الرياضي فقط الذي نحتاج إليه لعكس الزمن، ولم يحدد التطبيقات التجريبية، ففي أثناء عملية عكس الزمن استمر النظام المُقتَرح في التدفق نحو الأمام خاضعًا لمؤثرِّ طاقته الكلية الخاص «الهاميلتوني». وتبيَّن أن التعقيد الحسابي لعملية عكس الزمن لحالة كمية مجهولة يتناسب مع مربع بُعد مفهوم الفضاء الإقليدي للنظام «فضاء هلبرت» وهو فضاء شعاعي رياضي مجرد.

نحتاج لإنجاز هذا تجريبيًا إلى نظام طبيعي يتدفق بهاميلتوني مجهول مترافقًا بمعالجة حرارية لا تدعمها الحواسيب الكمية الموجودة حاليًا، إذ يتطَلَّب تحقيق عملية عكس الزمن ارتباط النظام ببوابات كمية شاملة. وهذا يعني أننا نحتاج إلى تطوير الحواسيب الكمية الموجودة حاليًا لتلبية هذه المُتَطلبات وتطبيق كل ذلك عمليًا.

هذا النظام يجب أن يرتبط ببوابات كمية شاملة لتطبيق انعكاس الزمن. وبسبب وجود كل هذه المتطلبات يحتاج العلماء إلى ترقية الحواسيب الكمية الحالية لتنفيذ العملية.

طريقة لتطوير التصميم الحالي للرقائق الكمية

يسعى ليبيديف وزملاؤه لتطوير التصميم الحالي للرقائق الكمية للوصول إلى مجموعة من الكيوبتات المُتَفاعلة «البيتات الكمومية» القادرة على تسخين بيئة ما إلى درجات حرارة مرتفعة. يمكن بتحقيق ذلك دمج كيوبتات ذات ناقلية فائقة مع خط توصيل يُغذيه الإشعاع الحراري ليرفع بدوره حرارة الكيوبتات إلى درجات عالية جدًا. نحتاج بعد ذلك إلى مجموعة ثانية من الكيوبتات تستطيع الاحتفاظ بحالة كمية شبيهة بالحالة الكمية للكيوبتات الأصلية، وعند تسخين الكيوبتات الأصلية تجريبيًا لتطبيق تدفق (ل.م.ر)، تستطيع مجوعة الكيوبتات الثانية أن تمر عبر ديناميكيات الزمن المعكوس فتخضع لمؤثر طاقة كلية «هاملتوني» واحد لتصل إلى الحالة الأصلية.

قد تُسهِّل هذه الآلية لو طُبِّقت تطبيقًا صحيحًا عملية تصحيح الأخطاء في الحواسيب الكمية المُرقَّاة لتؤدي وظيفتها على أكمل وجه. وقد تصوَّر ليبيديف وزملاؤه تطبيق هذه العملية على الحواسيب الناشئة -القادرة على معالجة عمليات شديدة التعقيد- مُزوَّدة بكيوبتات حرارية حسب الحاجة.

أثبت ليبيديف وفينوكور بهذه الطريقة إمكانية عكس الزمن في حالة كمية مختلطة مجهولة، وذلك بتنفيذ بروتوكول (ل.م.ر) مع وجود نظام بت مساعد، تخضع ديناميكياته لهاملتوني النظام المعكوس نفسه. ولتنفيذ عملية العكس سنحتاج إلى تطبيق بروتوكول (ل.م.ر) تسلسليًا على الحالة المشتركة المُجهَّزة حراريًا للنظام والبت المساعد. وقد طوَّر فريق العمل صيغة تسلِّط الضوء على الدورات التي نحتاج إلى تكرارها لعكس حالة نظام معين نحو حالات أولية في الماضي. يعتمد هذا العدد على درجة تعقيد النظام وبُعد النقطة الزمنية في الماضي التي نرغب بالرجوع إليها. عند تطبيق بروتوكول عكس الزمن يجب أن تُجرى عملية (ل.م.ر) بكفاءة عالية لتجاوز التدفق الزمني للنظام المعكوس.

اقرأ أيضًا:

علماء فيزياء يعكسون الزمن ويعودون إلى الماضي باستخدام الحاسوب الكمومي

لماذا يجري الزمن دائمًا إلى الأمام ؟

ترجمة: صابر مخلوف

تدقيق: وئام سليمان

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر