تمكن الباحثون في جامعة ستانفورد من منع الانتكاس بإزالة الذكريات المرتبطة باستخدام المورفين من أدمغة الفئران، ما قد يقودهم إلى توجه جديد في علاج إدمان الأفيونات.

قاطع باحثون في جامعة ستانفورد مسارًا عصبيًا مسؤولًا عن الذكريات المتعلقة بالأفيونات لدى الفئران، وقد يُترجم نجاحهم في منع الانتكاس لدى القوارض فيما بعد إلى علاج دائم لإدمان المشتقات الأفيونية لدى البشر.

تفترض الأبحاث المتعلقة بالإدمان غالبًا أن المكافأة هي الدافع الأساسي لتعاطي المخدرات والانتكاس، لكن في الواقع، في حين تشجع الرغبة في النشوة تعاطي المخدرات، تكون أعراض الانسحاب الحادة -التي تشمل الغثيان والتقيؤ والتشنجات- ما يدفع الناس للعودة إلى المخدرات بهدف الشعور بالراحة.

يقول شاوكي شين، أستاذ مساعد في علم الأحياء في كلية العلوم والعلوم الإنسانية في جامعة ستانفورد: «أصعب جزء في علاج الإدمان هو منع الانتكاس، خاصةً المواد الأفيونية، فلمنع الانتكاس يجب علينا أن نتعامل مع الانسحاب». فالأعراض الانسحابية للأفيونات حادة، والانتكاس منتشر بين المستخدمين.

تمثل مكافأة النشوة وتخفيف أعراض الانسحاب المؤلمة إشارات ذاكرة قوية، تؤدي إلى الرغبة في تناول مخدرات ومن ثم حدوث الانتكاس. قال شين إن مختبره يعالج إدمان المخدرات بوصفه مشكلةً في الذاكرة.

في دراسة جديدة نُشرت في السادس من يوليو في مجلة نيورون، قاطع شين وزملاؤه مسارًا عصبيًا مسؤولًا عن الذكريات المتعلقة بالأفيونات لدى الفئران. إن نجاحهم في منع الانتكاس لدى القوارض قد يُترجم فيما بعد إلى علاج دائم لإدمان المشتقات الأفيونية لدى البشر.

استهداف الذكريات المرتبطة بالمخدرات وسيلةً لمنع الانتكاس - إزالة الذكريات المرتبطة باستخدام المورفين من أدمغة الفئران - الذاكرة المرتبطة بالمخدرات

دراسة المورفين على الفئران

أُدخلت فئران الدراسة إلى حجرة ذات جانبين متمايزين بالإشارات اللمسية والبصرية، على أحد الجانبين أُعطيت محلولًا ملحيًا خاليًا من المخدرات، وعلى الجانب الآخر احتوى المحلول جرعة صغيرة من المورفين. خضعت الفئران لعملية تدريب استمرت أربعة أيام لتربط جانبي الحجرة بالمحلول الملحي أو المورفين، وعند اختبار ذاكرتها في اليوم الخامس، لم يكن تفضيلها للغرفة التي تحتوي المورفين مفاجئًا.

تتبع مختبر شين سابقًا تعلم الحيوانات وذاكرتها إلى عقدة رئيسية في الدماغ تُعرف باسم المهاد المجاور للبطين (PVT)، وترتبط بمناطق متعددة في الدماغ مسؤولة عن إدمان المخدرات. وباستخدام علم البصريات الوراثي، تقنية معتمدة على الضوء طورها البروفيسور كارل دايروت، بروفيسور الهندسة الحيوية والطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة ستانفورد، تمكن الفريق من التحكم بدقة في نشاط مسارات متعددة في نقاط مختلفة من تجربة المخدرات.

فور اعتماد الفئران على المورفين، وجدوا أن إيقاف أو تثبيط مسار (بي في تي) المكتشف سابقًا مهم لإلغاء الانسحاب من عوامل تفضيلها للمخدرات. أي إن الدراسة عملت على تثبيط ذكريات الانسحاب لإلغاء تفضيل المخدرات. ولدى اختبار الفئران بعد يوم واحد دون تثبيط هذا المسار -بما يضمن نظريًا عمل مسار الانسحاب مرة أخرى ليعيد تنشيط الذكرى- لم يُلاحَظ أي تفضيل للغرفة المرتبطة بالمخدرات.

قال شين: «تشير بياناتنا أنه بعد تثبيط مسار (بي في تي)، لن تنجح الإشارات البيئية في تنشيط هذه الذكرى». حتى عند إعادة تقديم المورفين للفئران، لم تذهب إلى الغرفة المرتبطة بالمورفين بسبب تفضيلها له، واستمر ذلك مدة أسبوعين، وكأن الحيوانات نسيت تمامًا التأثيرات المترتبة على هذا العقار سواء كانت جيدة أو سيئة.

قال شين: «لم نختبر نقطة زمنية لاحقة تتجاوز أسبوعين، لكننا نظن أنه من المحتمل جدًا أن الذكرى قد انمحت».

يسمي العلماء تثبيط مسار (بي في تي) بالمسح، لأن الذاكرة المرتبطة بالمخدرات تُمحى فعليًا من الدماغ، ويعتقدون أن تحقيق مسح ذكرى يتطلب مكونين رئيسيين، هما الموقع والإطار الزمني، فالتلاعب بالمسار يجب أن يحدث حين يكون الحيوان داخل البيئة المرتبطة بالذاكرة، في هذه الحالة هي الغرفة المرتبطة بالمخدرات. ويقول شين فيما يتعلق بمرحلة الانسحاب: «لا بد من إعادة تنشيط الذكرى لتوفير فرصة للتلاعب الدقيق بالذاكرة، فلا نريد مسح الذاكرة بالكامل بل نريد فقط مسح الجزء المرتبط بالمخدرات».

وفور نجاح إعادة تنشيط الذاكرة، ستسنح الفرصة لتحديث الذكرى المرتبطة بالمخدرات، وكما ترتبط تجارب الأيام الماضية بالتجارب الحالية، يستطيع العلماء تعزيز الذاكرة وتقويتها بتوفير المخدرات، أو إضعافها بتغيير الارتباط، وهذا هو أساس علاج الإدمان القائم، المعروف بالتدريب على المحو.

يشير العمل الذي أنجزه مختبر شين إلى إمكانية اللجوء إلى خيار ثالث، هو محو الذكرى بالكامل بتثبيط مسار (بي في تي).

تسليط الضوء على العلاجات الجديدة

إن علم البصريات الوراثي أداة بحثية مفيدة لتوضيح الدور الذي تؤديه حالة الانسحاب ومساهمتها في الحفاظ على الذاكرة المرتبطة بالمخدرات ، لكنها ليست عملية أو مناسبة لعلاج إدمان المخدرات لدى البشر.

وفقًا لشين، تمكن محاكاة تأثيرات علم البصريات الوراثي بالتحفيز العميق للدماغ لنفس مسار (بي في تي) باستخدام الأقطاب الكهربية، ومع ذلك يقول إن هذا النوع من العلاج ما زال بعيد المنال، علمًا أن التحفيز العميق للدماغ استُخدم لعلاج الارتعاش لدى مرضى داء باركنسون، وفي تجارب سريرية لعلاج الاكتئاب.

يقول شين: «تستطيع المخدرات بوصفها حافزًا أن تقود إلى سلوك صارم، وأريد أن أفهم الآلية التي يقوم عليها هذا السلوك، وأتمنى أن تساعد هذه المعرفة في معالجة وباء المواد الأفيونية المدمر في الولايات المتحدة».

اقرأ أيضًا:

كيف يربط الدماغ بين اﻷحداث لتشكيل الذاكرة؟

فقدان الذاكرة: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج والوقاية

ترجمة: رنيم عمار خياط

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر