وصل تليسكوب نانسي رومان إلى معلم آخر في تطوره، إذ صرحت ناسا باكتمال بناء المرآة الرئيسية للتليسكوب أخيرًا. استغرق تطوير المرآة الرئيسية، التي يبلغ طولها 2.4 متر، وقتًا أقل من نظيراتها، فهي لم تُبن من الصفر، بل أعيد تشكيل مرآة مأخوذة من مكتب الاستطلاع الوطني وصقلها.

أطلقت ناسا على التلسكوب اسم «تليسكوب فضائي واسع المجال يعمل بالأشعة تحت الحمراء»، صدرت الموافقة على مشروع التلسكوب في فبراير 2016، ثم أعلنت ناسا تغيير اسمه إلى تليسكوب نانسي جريس رومان الفضائي في مايو 2020، تكريمًا لإحدى أهم رائدات الفضاء في ناسا «نانسي رومان»، التي وافتها المنية عام 2018. أحيانًا يُسمى التليسكوب «رومان» الفضائي اختصارًا.

اكتمال قلب تليسكوب نانسي رومان - تليسكوب فضائي واسع المجال يعمل بالأشعة تحت الحمراء - رصد الأجسام الكونية القريبة والبعيدة

تعد المرآة الرئيسية قلب التليسكوب، فهي تجمع الإشعاع الضوئي ثم توجهه نحو الأدوات المختلفة، إن مرآة تليسكوب نانسي رومان بحجم مرآة تليسكوب هابل الشهير، لكنها أخف وزنًا بكثير بفضل التطور التقني.

يتمتع تليسكوب رومان بمجال رؤية أوسع بـ 100 ضعف مقارنةً بتليسكوب هابل، لذلك سيُستخدم لرصد الأجسام الكونية القريبة والبعيدة.

سيرصد تليسكوب رومان الأشعة تحت الحمراء، مثل تليسكوب جيمس ويب، لكن في حين تتمثل مهمة تليسكوب جيمس ويب الأساسية في البحث عن أول إشعاع ضوئي للكون، فإن مهمة تليسكوب رومان تتمثل في دراسة الطاقة المظلمة والكواكب الخارجية، لامتلاكه مجال رؤية واسع.

ومع اكتمال مرآته الأساسية، فقد اقتربنا كثيرًا من موعد إطلاقه سنة 2025.

شاهد

صرح سكوت سميث، مدير تليسكوب رومان في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في ماريلاند: «يُعد اكتمال بناء المرآة حدثًا يدعو إلى الحماس الشديد، إذ يعتمد نجاحنا على روح الفريق، فلكل واحد منا عمل يجب إنجازه على أكمل وجه، خصوصًا في هذه الأوقات المليئة بالتحديات، يؤدي الجميع دورًا في جمع الصورة المبدئية والإجابة عن الأسئلة الملهمة».

تُغطى مرايا التلسكوبات المختلفة بمواد تناسب الطول الموجي للضوء الذي يجب على التليسكوب رصده، فمثلًا، غُلِّفت مرآة هابل بطبقات من الألمنيوم وفلوريد المغنيسيوم، ليمكن رصد الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي.

أما مرآة تليسكوب جيمس ويب فغُلِّفت بطبقة من الذهب، لأنه مصمم لرصد الأشعة تحت الحمراء ذات الأطوال الموجية الأعلى.

غُلفت مرآة تليسكوب رومان بطبقة رقيقة جدًا من الفضة، لا يتجاوز سمكها 400 نانومتر، وهي بذلك أرق من شعر الإنسان بـ 200 ضعف، ما يجعلها قادرةً على عكس ضوء الأشعة تحت الحمراء.

صُقلت المرآة بدقة كبيرة جدًا، إذ لا يتجاوز النتوء على سطحها 1.2 نانومتر فقط، ولو كانت المرآة بحجم الكرة الأرضية، فسيكون النتوء بطول 1/4 بوصة (0.6 سنتيمتر) فقط.

تُعد هذه المرآة ملساء جدًا، بضعف الدرجة المطلوبة، وبهذا ستعمل بكفاءة أفضل بكثير من المتوقع.

قالت بوني باترسون، المديرة في شركة (L3Harris) للتكنولوجيا: «صُقِلت المرآة بدقة لتفي بمتطلبات تليسكوب رومان البصرية، إذ نتوقع أنها ستوفر فائدةً علميةً كبيرةً تفوق المتوقع بسبب سطحها الأملس».

نانسي رومان

نانسي رومان

تحول المرآة الأشعة تحت الحمراء بعد جمعها إلى أداة رسم الإكليل، وأداة المجال الواسع، وهما المكونان الأساسيان في التليسكوب.

تسمح أداة رسم الإكليل للتليسكوب بدراسة الكواكب الخارجية بواسطة حجب الضوء الصادر من نجمها. توجد هذه الأداة في تليسكوب هابل أيضًا، لكنها أضعف بكثير. إذا عمل التليسكوب كما هو متوقع، يظن العلماء أننا سنرصد الكواكب الأكثر خفوتًا من نجومها بمليار ضعف.

أما الأداة الثانية فهي أداة المجال الواسع، وهي كاميرا عملاقة بدقة 300 ميجا بكسل، تمتلك دقة الزوايا نفسها التي يمتلكها هابل، لكن مع مجال رؤية أوسع بـ 100 ضعف، ما يعطيها القدرة على رسم خريطة توزع الطاقة المظلمة في الكون، ويساعد على فهم كيفية تطور الكون بمرور الوقت.

صرح جيف كروك، العالم في مشروع تليسكوب نانسي رومان الفضائي: «سنحاول أن نكتشف مصير الكون، الذي يتسارع توسعه باستمرار، ونطمح إلى اكتشاف هل يزداد هذا التسارع أم يتناقص؟».

يُعد توسع الكون أهم ألغاز علم الفلك، ومن الصعب تحديد سرعة هذا التوسع الذي يُسمى ثابت هابل، فقد توصلت العديد من الدراسات إلى نتائج مختلفة.

في السنوات الأخيرة، تراوحت قياسات معدل توسع الكون بين 67 و77 كم/ث. القوة التي تدفع الكون لهذا التوسع سُميت الطاقة المظلمة. سيسبر تلسكوب رومان الفضائي هذا المعدل باستخدام ثلاث تقنيات: التذبذبات الصوتية الباريونية، ورصد المستعرات العظمى البعيدة، وعدسات الجاذبية الضعيفة.

سيستمر تليسكوب رومان بدراسة الكواكب الخارجية، وكذلك سيتابع عمل مهمة كبلر. سيكون قادرًا على دراسة هذه الكواكب بواسطة أداة رسم الإكليل، وسيبحث أيضًا عن الكواكب المارقة التي تتجول في أرجاء الفضاء دون أن ترتبط بجاذبية نجم ما.

لقد اكتشفنا عددًا قليلًا من هذه الكواكب حتى الآن، لكن يتوقع العلماء وجود ما يعادل تريليون كوكب مارق في مجرتنا فقط، وبمساعدة تليسكوب رومان سنتعرف عليها بدقة أكبر بعشرة أضعاف.

ستمر المرآة الآن باختبارات عديدة بعد اكتمالها، وخصوصًا الاختبارات التي ترصد استجابة المرآة لتغيرات درجات الحرارة المختلفة، فقد صُنعت المرآة من زجاج خاص يقاوم التمدد والانكماش، إذ يؤدي التمدد والانكماش إلى تشوه المرآة ومن ثم تشوه الصورة الناتجة.

في حين اختُبرت المرآة في ظل درجات الحرارة القصوى خلال تطويرها، فإن الاختبارات المستقبلية لن تختبر المرآة فحسب، بل ستختبر أيضًا هيكلها الداعم.

قال سميث أيضًا: «قد انتهينا من تطوير هذه المرآة لكن عملنا لم ينته بعد، متحمسون لرؤية هذه المهمة تنطلق نحو الفضاء، وتكشف لنا أسرار الكون العديدة».

من المقرر انطلاق هذه المهمة سنة 2025 على متن مركبة إطلاق تجارية ستأخذ مدارًا هالي الشكل، ومن المتوقع استمرار هذه المهمة مدة 5 سنوات.

اقرأ أيضًا:

ما هو ثابت هابل ؟

كيف نكتشف الكواكب الخارجية الجديدة؟

ترجمة: زينب سعد

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر