لماذا يدوم الحمل لدى بعض الأنواع أكثر من غيرها؟ اكتشف الباحثون في معهد فرانسيس كريك بالعاصمة البريطانية لندن الساعة التي تحدد سرعة نمو الجنين، وأنها تعتمد على كيفية صنع البروتينات وتفكيكها. قد تُساعد هذه الدراسة على فهم نمط التطور لدى مختلف الثدييات، وقد تضيف أيضًا إلى مجال الطب التعويضي.

المجالات الزمنية التطورية المختلفة

تتبع جميع الثدييات مراحل النمو ذاتها، ابتداءً من المرحلة الجنينية وصولًا إلى الطور المكتمل، ويشمل هذا سلسلة مظاهر متشابهة بنفس التتابع مع استخدام إشارات جزيئية وجينات متشابهة، لكن تختلف سرعة النمو بين نوع وآخر اختلافًا كبيرًا في هذه المراحل، مثل العصبونات المحركة، وهي الخلايا العصبية المتحكمة في حركة العضلات، التي تستغرق لدى الفئران نحو 3 أيام لتتطور، في حين تستغرق أكثر من أسبوع لدى البشر.

زرعت الباحثة تيريزا رايون وزملاؤها في مختبر جيمس بريسكو لديناميات النمو في كريك لأول مرة العصبونات المحركة من الخلايا الجذعية، ليتسنى لهم تحديد الوقت الذي يستغرقه تطور الخلايا دون تأثير العوامل المحيطة بالجنين، لمعرفة ما يتحكم في سرعة النمو لدى مختلف الأنواع. وقد لاحظوا تفاوت السرعة بين الأنواع عند استخدام الخلايا الجذعية للفئران والبشر، فقد استغرقت العصبونات المحركة البشرية لتتكون أكثر من ضعفي الوقت الذي استغرقته العصبونات المحركة للفئران، لذا أدركوا أن الإجابة تكمن في الخلايا نفسها وليس في البيئة المحيطة.

تحقق الباحثون كذلك من مسؤولية الجينات من طريق حقن سلاسل الحمض النووي الخاص بالبشر داخل خلايا الفئران، لكن ذلك لم يغير من سرعة النمو، إذن فليست الجينات أيضًا هي المسؤولة.

اكتشاف الآلية المتحكمة في سرعة نمو الجنين - الخلايا العصبية المتحكمة في حركة العضلات - سرعة النمو لدى مختلف الأنواع - فترة الحمل

السر في البروتينات

اكتشف الباحثون أن اختلافات السرعة التي تفكك البروتينات وتستبدلها تفسر التفاوت في السرعة بين الأنواع. تحدث دورة البروتين -صناعته وتفكيكه- في الخلايا باستمرار، وتحدث في خلايا الفئران بضعفي السرعة مقارنةً بالخلايا البشرية، هذا المعدل الأسرع لتجدد البروتين في خلايا الفئران هو المسؤول عن تسارع وتيرة تكوُّن العصبونات المحركة.

أوضحت تيريزا رايون أن العصبونات المحركة للفئران والبشر تستخدم نفس الجينات والجزيئات لتطورها الجنيني، وتستغرق العملية وقتًا أطول لتؤثر في البشر، إذ تُعد البروتينات لدى أجنة البشر أكثر ثباتًا منها في أجنة الفئران ببساطة، ما يُبطئ معدل النمو البشري.

«كأن أجنة الفئران والبشر تقرأ نفس المقطوعة الموسيقية وتعزف النغمة ذاتها، لكن البندول أو المترونوم لدى البشر يدق أبطأ من الفئران، لذا نحتاج الآن إلى فهم كيفية تغيير سرعة البندول بعد عثورنا عليه».

كيف تؤثر هذه الآليات في الأبحاث والعلاجات؟

يترتب على فهم الآليات المتحكمة في سرعة نمو الجنين آثارًا تتعلق بالطب التعويضي واستخدام الخلايا الجذعية لتمييز الاضطرابات، وقد تساعد القدرة على زيادة سرعة نمو الخلايا الجذعية أو إبطائها على تحسين طرق إنتاج أنواع محددة من الخلايا للاستخدامات العلاجية والبحثية، وقد تعطي فكرة مهمة أيضًا عن إبطاء نمو الخلايا في بعض الأمراض مثل السرطان.

نوّه جيمس بريسكو قائد فريق الباحثين بأن التغيرات التي تحدث في وقت النمو، التي تسمى تباين التوقيت، تلعب دورًا مهمًا في نشوء الاختلافات في شكل الجسم وحجمه بين الأنواع. مثلًا يستمر نمو خلايا دماغ الإنسان فترةً زمنيةً أطول في أثناء النمو الجنيني مقارنةً بالفئران، ومن ثم يكون حجم دماغ الإنسان أكبر، لذا قد يساعد إدراكنا لطريقة التحكم في سرعة نمو الجنين على فهم كيفية تطور الأنواع المختلفة، فضلًا عن التطبيقات العملية.

اقرأ أيضًا:

ما الذي يتحكم بتكاثر الخلايا الجذعية؟

علم الجنين أو علم الأجنة Embryology

ترجمة: سارة إيليا وسوف

تدقيق: محمد الصفتي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر