في أوائل يناير أُطلق أول تسلسل جيني لفيروس كوفيد-19 -ضمَّ 30000 جين- سُمي (وهان-1) وكانت أول محاولة لفهم التسلسل الجيني لهذا الفيروس التاجي المكتشف حديثًا، والآن أُضيف إليهم 100 ألف جين آخر من عينات أُخذت من المرضى في أكثر من 100 دولة. يحاول علماء الوراثة في جميع أنحاء العالم استخراج المعلومات للحصول على إجابات لبعض الأسئلة مثل: من أين جاء فيروس سارس كوف-2 ؟ ومتى بدأ يُصيب البشر؟ كيف تحدث الطفرات- تغيير حرف في التسلسل الجيني للكائن الحي- في هذا الفيروس؟ وهل يجب أن نهتم لها؟

جينات فيروس سارس كوف-2 مثل أي فيروس آخر تحدث بها طفرات كثيرة.

عندما نذكر كلمة طفرة تأتي في أذهاننا صورة فيروسات جديدة بقدرات خطيرة تجتاح جميع أنحاء الكوكب لكن الطفرات تظهر باستمرار في أي كائن حي، ومع انتشار فيروس سارس كوف-2 حدثت له طفرات مبكرة وانتشرت لكن معظمها لا يؤثر في قدرة الفيروس على نقل المرض أو الإصابة به.

عندما اعتمد العلماء جينوم فيروس سارس كوف-2 في أول مُضيف للفيروس في أواخر عام 2019 وجدوا أن هناك أكثر من 13000 طفرة قد حدثت في التسلسل الجيني المكتشف حتى الآن.

إذا قارنت بين فيروسين من أي مريضين في العالم ستجد اختلافًا في 10 أحرف في المتوسط، وهذا جزء صغير من الشفرة الوراثية للفيروس.

طفرات فيروس كورونا.. ما نعرفه حتى الآن - أول تسلسل جيني لفيروس كوفيد-19 - من أين جاء فيروس سارس كوف-2 - كيف تحدث الطفرات في الفيروسات

تحوّر بطيء

حدوث تحور جيني يستغرق بعض الوقت لأن فيروس سارس كوف-2 يتحور ببطء مقارنةً بالفيروسات الأخرى، فهو يكتسب طفرتين تقريبًا كل شهر ما يعني أقل من سُدس التحورات التي تحدث في فيروسات الإنفلونزا العادية في نفس المدة.

الطفرات هي الأساس الذي يعتمد عليه الانتقاء الطبيعي، والطفرات الأكثر شيوعًا ستجعل الفيروس غير فعال ولا تأثير له على الإطلاق، لذلك فإن احتمال تأثير الطفرات في انتقال فيروس سارس كوفيد-2 ما زال موجودًا.

نتيجة لذلك بُذلت جهود كبيرة لتحديد الطفرات التي حدثت في جينوم فيروس سارس كوف-2، التي قد تؤثر في طريقة إصابة البشر بالفيروس، ومن الطفرات السيئة التي تحددت هي التغييرات التي حدثت في البروتين الذي يعطي الفيروسات التاجية شكلها المميز ويسمح لها بالالتصاق بالخلايا المضيفة، وقد ثبت أن هذا التغيير المميز الذي يسمى D614G يزيد من إصابة الخلايا الموجودة في المختبر بالفيروس، ومع عدم وجود تأثير في قوة الانتشار نستطيع قياسه.

وثبت أيضًا أن هذا التغيير مرتبط بثلاثة تغييرات أخرى، لكن تلك التغييرات الأربعة موجودة في 80% من التسلسل الجيني لفيروس سارس كوف-2 ما يجعلها أكثر الطفرات الموجودة شيوعًا.

ما سنفعله مع طفرة D614G كأي طفرة أخرى هو معرفة هل تحدث بنسب مرتفعة خاصة إذا حدثت في وقت مبكر وكانت مسؤولة عن انتشار الفيروس، وهل تمنح حامليها مميزات أم لا؟

يُشير علماء الجينات في المملكة المتحدة إلى تأثير D614G في زيادة انتشار الفيروس لكن دراستنا هنا لم تجد أي تأثير لها.

الطفرات التي حدثت

D614G ليست الطفرة الوحيدة، توجد سلسلة من ثلاث طفرات حدثت في قشرة فيروس سارس كوف-2 ومنتشرة بكثرة. حدثت طفرة أخرى في الموضع 57 من بروتين rf3a وهو جزء مناعي.

ويوجد عدد لا يحصى من الطفرات الناتجة عن استجابتنا المناعية لكن لا يوجد أي تأكيد على أن هذه الطفرات تؤثر بشكل كبير في انتقال الفيروس.

تحدث الطفرات باستمرار مع انتشار فيروس سارس كوف-2، وقد ثبت أن الطفرات التي تحدث بالاستبدال ليست الوحيدة، وأن الحذف في جينات (orf7b/orf8) قد يقلل من حدة المرض وشدة الالتهاب الرئوي المصاحب له.

وقد يحدث الحذف بنفس الطريقة التي حدث بها في فيروس سارس كوف-1، الفيروس التاجي المسؤول عن الالتهاب الرئوي الحاد الذي انتشر عام 2003، وعندها سيصبح فيروس سارس كوف-2 أقل ضراوة، رغم أن طفرات الحذف في جين orf8 حدثت في بداية انتشار المرض ويبدو أنَّها استقرت وثبتت شدتها. تشير جميع البيانات التي لدينا أننا نواجه نفس الفيروس الذي ظهر في البداية رغم التغيرات التكيفية التي قد تطرأ عليه.

كان كريس وايتي -كبير الأطباء في بريطانيا- محقًا عندما قال: «إن الفيروس أصبح أقل شدة من ذلك الذي فرض الإغلاق على المملكة المتحدة في شهر مارس، وقد يكون الانخفاض في شدة الأعراض التي حدثت خلال فصل الصيف نتيجة للإجراءات التي اتُّخِذت مثل التباعد الإجتماعي أو بسبب الأدوية التي يتناولها المرضى وليس بسبب التغييرات التي حدثت في الفيروس نفسه».

على الرغم من أن فيروس سارس كوف-2 لم يتغير كثيرًا، فنحن نبحث عن طرق جديدة لتتبعه وتتبع تطوره لنتمكن من مواجهة أي طفرة تحدث فيه.

اقرأ أيضًا:

دراسة جديدة في معرفة دور العوامل الخلوية المتعلقة بفيروس كورونا

متغاير جديد من فيروس كورونا يهيمن على العدوى عالميًا

ترجمة: محمد طوسون

تدقيق: روان أبوزيد

المصدر