تصاب النساء عادة بعد الإجهاض أو إنهاء الحمل ببعض المشاعر السلبية، سواء كان الإجهاض مُخططًا له أم لا. وقد تتطور هذه المشاعر في بعض الحالات إلى اكتئاب، لكن العلاقة بين الإجهاض والاكتئاب ما تزال غير واضحة. فالإجهاض قرار صعب لا تحبذه المرأة، وتنتاب معظم النساء عادة مشاعر مختلطة بعد العملية سواء اتخذن قرار الإجهاض بملء إرادتهن أم لا.

نصف حالات الحمل في الولايات المتحدة الأميركية غير مخطط لها، ويعد هذا أحد أسباب الإجهاض، لكن الأسباب الأخرى متنوعة وعديدة ولا تقتصر على الأسباب الاجتماعية أو المالية أو الضغوطات العاطفية أو المشكلات الصحية الجسدية أو النفسية للأم أو الجنين؟

يتدرج رد الفعل العاطفي التالي للإجهاض -بغض النظر عن السبب- من الارتياح والهدوء والسعادة إلى الحزن والخسارة والندم باختلاف وضع كل امرأة، وإذا كانت المشاعر السلبية حادة وشديدة ومستمرة فقد تدل على الاكتئاب.

ويوجد جدل حول قضية الإجهاض الإرادي وصحة المرأة النفسية بعده، فلكل شخص استجابته وتجربته المختلفة عن غيره، وفقًا لما ورد في بحث للجمعية الأميركية النفسية سنة 2009: «من المهم إدراك التجارب المتنوعة لدى النساء اللواتي خضعن للإجهاض ودعمها وفهمها».

الآثار العاطفية للإجهاض:

قد يكون الإجهاض حدثًا مرهقًا لكثير من النساء، وتختلف ردود الفعل النفسية والعاطفية عند النساء باختلاف شخصياتهن وظروفهن، إذ تشعر بعض النساء بالارتياح بعد إجراء العملية لشعورهن أنهن قد اتخذن القرار الصحيح وحللن مشكلة صعبة، في حين تعاني نساء أخريات مشاعر سلبية. وقد تعزى المشاعر السلبية بعد الإجهاض الإرادي جزئيًا إلى التغيرات الهرمونية الناتجة عن انقطاع دورة الهرمونات في الجسم بعد الإجهاض.

ووفقًا للجمعية الأميركية لطب النساء تتضمن المشاعر السلبية الشائعة بعد الإجهاض:

  •  الإحساس بالذنب.
  •  الغضب.
  •  العار.
  •  الندم.
  •  الوحدة والعزلة.
  •  اضطرابات النوم والكوابيس.
  •  فقدان الثقة بالنفس وتقدير الذات.
  •  مشكلات في العلاقات العاطفية.
  •  أفكار انتحارية.

وتصاب بعض النساء أيضًا بالحزن والتوتر النفسي وإحساس الفقد والعجز عن متابعة الحياة، ويجب على المرأة طلب المساعدة العاجلة عند الإحساس بالرغبة في الانتحار أو إيذاء النفس.

كيفية التعامل مع اكتئاب ما بعد الإجهاض - إنهاء الحمل ببعض المشاعر السلبية - مشاعر مختلطة بعد عملية الإجهاض - ردود الفعل النفسية والعاطفية عند النساء

وقد تصعّب المعتقدات الدينية والمشكلات العاطفية ونظرة المجتمع السلبية للإجهاض الأمر، خاصة إن لم تجد المرأة شخصًا تتحدث إليه عن مشاعرها.

ما الاكتئاب؟

هو حالة اضطراب في المزاج والصحة العقلية ومن أعراضه:

  •  الشعور بالحزن أو الإحباط.
  •  صعوبة في التفكير والتركيز واتخاذ القرارات.
  •  الشعور بالانفعال.
  •  انخفاض الطاقة.
  •  فقدان الرغبة الجنسية.
  •  النوم الكثير أو القليل.
  •  فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت ممتعة في السابق.

بالإضافة إلى الشعور بالذنب وقلة تقدير الذات أحيانًا وقد يصعِّب الاكتئاب العمل أو تأدية المهام اليومية داخل المنزل، وقد يؤدي إلى خسارة الوظيفة أو الانفصال، وتتطور عند بعض الأشخاص أيضًا أعراض ذهانية نفسية.

الفرق بين الحزن والاكتئاب:

قد تؤدي وفاة شخص عزيز إلى الإصابة بالحزن الشديد وأعراض أخرى شبيهة بأعراض الاكتئاب. وقد تصاب المرأة بعد الإجهاض بمشاعر الفقد والحزن والخسارة والندم أيضًا. فإن خفَّت مشاعر الحزن تدريجيًا مع مرور الوقت، يُستبعَد أن يكون الشخص -رجلًا كان أو امرأة- مصابًا بالاكتئاب. لكن قد تدلُّ الأعراض التي تستمر بنفس الدرجة أو تتفاقم على إصابة صاحبها بالاكتئاب، ويجب عندها طلب المساعدة الطبية.

العلاج:

تُنصَح النساء بعد الإجهاض بطلب الدعم من العائلة والأصدقاء والمجتمع عند شعورهن بالضيق أو الحزن، لأن ذلك قد يمنع إصابتهنَّ بالاكتئاب، والاكتئاب حالة مرضية قابلة للعلاج بإحدى الطرق التالية:

  •  اللجوء إلى الطب أو مجموعات الدعم النفسي
  •  العلاج النفسي ومن ضمنه العلاج المعرفي السلوكي.
  •  الأدوية مثل مضادات الاكتئاب.

ومن العوامل المتعلقة بنمط الحياة التي قد تساعد على الشفاء:

  •  اتباع نظامي غذائي صحي.
  •  ممارسة تمارين رياضية بانتظام.
  •  تقليل الضغط والتوتر قدر الإمكان.
  •  تعلم أساليب الاسترخاء مثل التأمل واليوغا.

وينصح قبل اتخاذ قرار الإجهاض اتباع ما يلي:

  •  التحدث إلى أشخاص موثوقين.
  •  دراسة كل الخيارات المتاحة.
  •  طلب المساعدة الطبية وطرح العديد من الأسئلة.
  •  تجنب العزلة لأنها قد تقود إلى الاكتئاب.
  •  ألا تستلم المرأة لشيء لا تريده بسبب ضغط الآخرين عليها لإنهاء الحمل أو متابعته.

قد ينطوي الإجهاض أيضًا على بعض المخاطر الجسدية مثل باقي الإجراءات الطبية أو الجراحية، ومن المهم التماس العلاج مع اختصاصيين مؤهلين وخبراء للحد من الخطر.

هل توجد علاقة بين الإجهاض أو الاكتئاب؟

ما تزال علاقة الإجهاض بالاكتئاب موضع جدل ونقاش.

اقترحت دراسة أجريت سنة 2015 أن النساء اللواتي تعانين مشكلات نفسية قبل الحمل أكثر عرضة للإصابة بمشاعر سلبية في حالة الإجهاض.

وتوصل بحث نُشِر سنة 2011 إلى وجود احتمال -تتراوح شدته بين متوسط إلى شديد الخطورة- بإصابة النساء المُجهضات بمشكلات نفسية بعد الإجهاض، ورأى الباحثون أن حصول الإجهاض يزيد خطر الإصابة بمشكلات نفسية بنسبة 81%، وأن 10% من الحالات النفسية سببها المباشر هو الإجهاض نفسه.

وتوصل علماء آخرون سنة 2008 بعد دراسة استمرت 30 عامًا إلى أن الإجهاض يزيد من خطر إصابة المرأة بمشكلات نفسية بنسبة 1.5 إلى 5.5%.

وفي دراسة أجرتها فرقة عمل الإجهاض والصحة العقلية التابعة للجمعية الأميركية لعلم النفس تبيَّن أن ظروفًا معينة تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب بعد دراسة مجموعة من حالات الحمل انتهى بعضها بعمليات إجهاض.

وشملت هذه الظروف:

  •  الفقر.
  •  سوابق من التعرض للعنف أو المشكلات العاطفية.
  •  سوابق من تعاطي المخدرات أو الكحول.
  •  ولادة سابقة غير مرغوب فيها.

وحددت الجمعية الأميركية لعلم النفس العوامل التالية التي قد تزيد من خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الإجهاض:

  •  الخوف من نظرة المجتمع وغياب الدعم الاجتماعي.
  •  مشكلات نفسية سابقة.
  •  صفات شخصية مثل تدني احترام الذات.
  •  عوامل تتعلق بالحمل نفسه ومن ضمنها إن كانت المرأة تريده أم لا.

لكن أهم العوامل المذكورة آنفًا هو إصابة المرأة بمشكلات نفسية سابقة.

وأضافت رابطة الحمل الأميركية العوامل التالية التي قد تزيد من خطر الاكتئاب:

  •  الاضطرار إلى الإجهاض بسبب الإكراه أو ضغط الآخرين.
  •  الصراع المعنوي الأخلاقي بسبب المعتقدات الدينية أو الآراء الشخصية.
  •  الإجهاض في المراحل المتأخرة من الحمل.
  •  عدم وجود دعم من الشريك والآخرين.
  •  إنهاء الحمل بسبب شذوذات وراثية أو جنينية.

وقد تزيد العوامل الوراثية وظروف الحياة -مثل فقدان أحد أفراد الأسرة- أيضًا من خطر الإصابة بالاكتئاب.

تتضمن عوامل الخطر المحتملة الأخرى للاكتئاب ما يلي:

  •  انخفاض القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة.
  •  الجنس (النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من الرجال)
  •  التعرض للعوامل اليومية المسببة للتوتر، مثل انعدام الأمن المادي.

ومع كل هذا، تبقى الأسباب الدقيقة للاكتئاب غير معروفة.

لاحظ باحثون في الجمعية الأميركية لعلم النفس سنة 2009 أن خطر الإصابة بمشكلات نفسية عند النساء الحوامل لا يتأثر بقرار النساء الإجهاض أو متابعة الحمل.

وخلصت دراسة نُشرت في مجلة BMJ سنة 2016 إلى أن احتمال ظهور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لم يكن أعلى لدى النساء اللاتي مررن بتجربة إجهاض مقارنة بغيرهن ممن لم يُسمَح لهن بالإجهاض بسبب عمر الحمل المتقدم.

ووجدت دراسة سويدية أن عددًا قليلًا من النساء عانين اضطراب ما بعد الصدمة PTSD بعد الإجهاض، وأشارت إلى أنهن عانين صدمة لا علاقة لها بالإجهاض نفسه. ونشر الباحثون في أغسطس 2018 نتائج دراسة شملت نحو 400,000 امرأة في الدنمارك، وأشارت النتائج إلى أن العوامل المسببة لاستخدام النساء المُجهِضات للأدوية المضادة للاكتئاب ترجع عادة إلى أسباب أخرى غير الإجهاض، وخلص الباحثون إلى أن: «السياسات القائمة على فكرة أن الإجهاض يضر بالصحة العقلية للمرأة قد تكون مبنية على معلومات خاطئة».

ينبغي لنا مقارنة مخاطر اكتئاب ما بعد الإجهاض مع المخاطر الصحية الممكنة في حال استمرار الحمل، فقد وجدت دراسة تضمنت نساءً أردن إنهاء الحمل دون التمكن من ذلك أن بعضهن عانى مجموعة من العواقب الصحية الخطيرة مثل ارتفاع ضغط الحمل والنزيف.

ما يزال الباحثون بحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتكوين فهم أفضل للعلاقة بين الإجهاض والاكتئاب.

اقرأ أيضًا:

أسباب الإجهاض في الثلثين الأول والثاني من الحمل

ما هي الادوية التي يمكن تعاطيها خلال الحمل ؟ و ما هي تلك التي يجب تجنبها ؟ ماذا عن الفيتامينات و المتممات ؟

ترجمة: غزل هلال

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: وئام سليمان

المصدر