في أثناء تحديقك في السماء من غير المرجح أن ترى ضوء نجمٍ قد انقرض في الواقع، بيد أن عمر النجوم أطول بكثير من الوقت الذي يستغرقه ضوؤها للوصول إلينا. يقول بنجامين ديسرائيلي إن ضوء النجوم يوضح لنا الكيفية التي تشكلت بها، وهذا أمر في غاية الجمال ولا مثيل له، إذ تجتمع سدم الغاز والغبار المتناثرة وتتحول إلى ضوء.

التحديق في النجوم تجربة جميلة وشاعرية، فهذه الأجرام السماوية الهائلة لها عمر محدد تعيشه ثم تموت تمامًا مثل البشر، لكن الفارق أنها تعيش أطول منا بكثير.

لعلك سمعت من قبل تلك القصة القائلة بأنك عندما تحدق في النجوم المتلألئة في سماء الليل، فإنك في الواقع ترى ماضيها، بيد أنها قد تكون ماتت بالفعل.

فهل النجوم التي تشاهدها قد ماتت منذ زمن بعيد؟

معلوم أن قياس المسافات بين النجوم خارج نظامنا الشمسي يكون بالسنوات الضوئية، ومعقول أنك عندما تنظر إليها فأنت في الحقيقة تنظر إليها كما كانت من قبل، فالضوء أسرع شيء في الكون، يتحرك بسرعة هائلة تبلغ 300 ألف كيلومتر في الثانية، ومع هذا يستغرق الضوء سنوات حتى يسافر عبر مسافات صغيرة نسبيًا في الفضاء.

ويستغرق ضوء الشمس نحو 8 دقائق و20 ثانية ليصل إلى الأرض، وتزداد هذه المدة إذا كان الضوء قادمًا من أقرب النجوم إلينا: النظام النجمي الثلاثي لألفا سنتوري (ثلاثة نجوم مرتبطة معًا بفعل الجاذبية).

سماء الليل كما يمكن أن تراها العين البشرية في ظروف مثالية من متنزه يلوستون

سماء الليل كما يمكن أن تراها العين البشرية في ظروف مثالية من متنزه يلوستون

يمكن للعين البشرية المجردة في ظل ظروف مثالية -لا تلوث ضوئي ورؤية كاملة للسماء في وجود ظلام سائد… إلخ- أن تميّز وجود نحو تسعة آلاف نجم، تقبع كلها في مجرتنا درب التبانة ومعظمها يبعد عنّا ألف سنة ضوئية أو أقل.

تميل النجوم التي تبعد عنّا مسافات أكبر إلى الظهور بشكل مُعتم، لكن النجم دنب Deneb، الذي يبعد عنّا نحو 2600 سنة ضوئية، والنجم إيتا كارينا Eta Carinae الذي يبعد نحو 7500 سنة ضوئية، يُعدّان من بين عشرات النجوم المُضيئة التي تمكن رؤيتها من تلك المسافات البعيدة، وذلك لأنها تحرق وقودها بسرعة أكبر من غيرها، ومع ذلك ما يزال بإمكانها العيش مليون سنة أو أكثر.

موت النجوم:

موت النجوم حدث فلكي نادر، إذ يمر النجم بمراحل مهمة ومختلفة حتى يصل إلى نهايته المحتومة، نذكر منها:

  •  التمدد والتحول إلى عملاق أحمر بعد احتراق الهليوم في باطنه.
  •  انصهار النجم واحتراقه بفعل الكربون داخله.
  •  دمج الأكسجين والعناصر الأثقل الأخرى مع بعضها لينتج الحديد والنيكل والكوبالت بواسطة السيلكون.
  •  عندما ينفد الوقود الداخلي المتكون من العناصر الأساسية يتلاشى النجم وينفجر في صورة مستعر أعظم «سوبرنوفا».
مراحل تطور النجوم

مراحل تطور النجوم

يُذكر أنّ نجمًا واحدًا فقط يموت فجأة من بين كل مئة نجم، أما البقية فتتفكك طبقاتها الخارجية تدريجيًا وتتقلص لتصبح أقزامًا بيضاء، ويستمر وجودها مئات المليارات من السنين.

كم عدد النجوم التي نراها اليوم لكنها في الواقع ميتة؟

تُعد مجرة أندروميدا التي تبعد عنا نحو 2.5 مليون سنة ضوئية أبعد شيء تمكن رؤيته بالعين المجردة، فحين كان أسلافنا يحاولون ايجاد موطئ قدم لهم فوق هذه الأرض، كان الضوء قد انطلق من مجرة أندروميدا مستغرقًا 2.5 مليون سنة ليصلنا ونراه اليوم، وتسمح لنا التلسكوبات الكبيرة بالنظر إلى الماضي، ما يعني أننا نرى مجرة أندروميدا كما كانت قبل وجود الإنسان الحديث، وإذا انفجر نجم ساطع مثل نجم منكب الجوزاء في كوكبة الجبار -وسينفجر يومًا ما- فلن نتمكن من معرفة وقوع هذا الحدث الكوني إلا بعد مرور عدة قرون، وربما يكون قد انفجر ولم نره بعد.

نجم منكب الجوزاء على اليسار من كوكبة الجوزاء

نجم منكب الجوزاء على اليسار من كوكبة الجوزاء

سيكون من السذاجة إن حدقنا بتلسكوب في سماء الليل واستنتجنا أنه لا يوجد بالفعل نجوم قد ماتت وتوقفت عن إشعاع ضوئها، فآخر مشاهدة عينية في تاريخ البشرية لمستعر أعظم «نوفا كبلر» في السماء كانت سنة 1604، وهذا معناه أن مستعر أعظم أخر أو اثنين قد وقعا بعد هذا التاريخ، وأن الضوء الذي انطلق منهما ما يزال يقترب ولم يصل إلينا في الوقت الراهن.
هذا ويُحتمل أن يكون النجم المرشح بقوة لأن يتحول إلى مستعر أعظم قابل للرؤية بالعين المجردة على بعد 4 آلاف سنة ضوئية منا، وبافتراض وجود 25 نجمًا من هذا النوع في سمائنا، فإن احتمالات رؤية أحد هذه النجوم الميتة ضئيلة جدًا تتراوح بين 1 و10% فقط.

لكن ماذا عن النجوم التي وُلدت حديثا؟ حسنًا، تذكّر جيدًا أن هذه النجوم البدائية سوف تستغرق عشرات ملايين السنين حتى تتطور وتصبح نجومًا متوهّجة.

سديم النسر أو " Messier 16"

سديم النسر أو ” Messier 16″

ببساطة، من الخطأ الاعتقاد بأنّ كل النجوم أو الكثير منها في سماء ليالينا قد ماتت منذ أمد بعيد، فالضوء يسافر بسرعة كبيرة، لذلك لا يُحتمل أن تكون أي من هذه الأجرام السماوية قد انطفأت وضوءها ما زال يصل إلينا. تعيش النجوم الصغيرة التي تنير سماءنا فترة أطول مقارنة بالنجوم العملاقة، لذا إمكانية رصد ضوء نجم ميت بعيدة الاحتمال، لكنها غير مستبعدة حسب المقاييس الفلكية الهائلة. لكن كن واثقًا أنك عندما تنظر إلى السماء بأن الغالبية العظمى من النجوم التي تراها ما تزال موجودة بالفعل.

اقرأ أيضًا:

دورة حياة النجوم – بقلم البروفيسور سليم زاروبي

النجوم – كيف تشكلت وكيف ستموت

ترجمة: رضوان بوجريدة

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر