تدور الكواكب حول المدارات الشمسية مثل سفينة تبحر في دوائر حول مرساتها. لكن ماذا لو قام شخص ما أو شيء ما بفك السفينة؟ يصبح الكوكب غير مرتبط بأي نجم أو نظام شمسي. ماذا لو أصبح هذا العالم الصغير يسبح في الفضاء الخارجي دون مساعدة؟ ماذا سيحدث عندما يسير الكوكب دون مسار محدد؟

تصور فني لعدسة جاذبية متناهية الصغر بواسطة كوكب حر. في العدسة الدقيقة، تسبب الجاذبية من جسم ما انحناء الضوء من مصدر الخلفية، وهي ظاهرة فلكية تظهر على شكل تشوهات في الصور المأخوذة من الأرض

تصور فني لعدسة جاذبية متناهية الصغر بواسطة كوكب حر. في العدسة الدقيقة، تسبب الجاذبية من جسم ما انحناء الضوء من مصدر الخلفية، وهي ظاهرة فلكية تظهر على شكل تشوهات في الصور المأخوذة من الأرض

اشتبه العلماء بمليارات الكواكب التي تسبح في الفضاء الخارجي دون أي جهة محددة، حُرّة المسار، ربما كانت موجودة في مجرة درب التبانة، لكن حتى الآن لم يظهر سوى عدد قليل من المرشحين من بين نحو 4000 عالَم مُكتشَف خارج نظامنا الشمسي. معظم هذه الكواكب غير المقيدة بمسار محدد كبيرة الحجم، تبلغ ضعفين إلى 40 ضعف كتلة المشتري (يبلغ المشتري 300 مثل كتلة الأرض). لكن حاليًا، يعتقد علماء الفلك أنهم اكتشفوا عالمًا خارقًا لا مثيل له، هو كوكب صغير يطفو حرًّا في الفضاء، يماثل كتلة الأرض، ويتجول في مجرة درب التبانة.

نُشر الاكتشاف في مجلة رسائل الفيزياء الفلكية، وهو أصغر كوكب حر مُكتشَف على الإطلاق، وقد يساعد على إثبات النظرية الكونية طويلة الأمد. وفقًا لمؤلفي هذه الدراسة، قد يكون هذا الكوكب الصغير الدليل الأول على وجود الكواكب حرة المسار، كواكب بحجم كوكب الأرض قد تكون من أكثر الأشياء شيوعًا في المجرة.

صرح المؤلف الرئيس برزيمك مروز، الباحث في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: «يندر اكتشاف أجرام منخفضة الكتلة لهذه الدرجة، إما أننا محظوظون وإما أن تلك الأجرام شائعة جدًا في مجرة درب التبانة».

نظارة أينشتاين المعظمة

معظم الكواكب في مجرتنا مرئية فقط بسبب نجومها المضيفة. فعليًا النجوم تضيء، وبذلك تسمح للعلماء برصد الكواكب مباشرةً. عندما يكون الكوكب صغيرًا جدًا وبعيدًا للغاية يصعب رصده مُباشرةً، يمكن العلماء التحقق منه بواسطة الجاذبية الطفيفة التي يؤثر بها في نجمه -طريقة السرعة الشعاعية- أو عبر الوميض الذي يحدث عندما يمر الكوكب بين النجم والأرض، طريقة العبور.

لا تملك الكواكب حرة المسار نجمًا مضيفًا يضيئها أو يضيء طريق التلسكوب إليها. يعتمد اكتشاف الكواكب حرة المسار على أحد مبادئ نظرية النسبية لأينشتاين، ما يُعرف باسم «عدسة الجاذبية». إذ يعمل الكوكب -أو الجرم عمومًا- مثل عدسة مكبرة كونية، تؤدي إلى إنحناء الضوء القادم من مصدر موجود خلفها من منظور الأرض.

أوضح مروز: «إذا مر جسم ضخم بين مراقب أرضي ونجم يصدر ضوءًا بعيدًا، فإن جاذبيته تؤدي إلى انحراف الضوء بعيدًا عن المصدر، وسيلاحظ المراقب سطوعًا قصيرًا للنجم المصدر، وكلما صغر الجرم الذي يسبب انحناء الضوء قصرت مدة السطوع».

في حالة كوكب يعادل عدة أضعاف كتلة المشتري فقد يستمر السطوع عدة أيام، أما في حالة كوكب شبيه بالأرض فلن يستمر السطوع إلا بضع ساعات، هذه الظاهرة الغريبة تُسمى العدسة الميكروية أو العدسة الصغيرة جدًا.

أضاف مروز: «فرصة مراقبة هذه الظاهرة نادرة جدًا، إذا راقبنا نجمًا محددًا، فإننا قد نحتاج إلى مليون سنة لملاحظة ظاهرة العدسة الصغيرة جدًا».

لكن مروز وفريقه لم يراقبوا نجمًا واحدًا فقط في دراستهم، بل راقبوا مئات النجوم. باستخدام ملاحظات تجربة عدسة الجاذبية الضوئية (OGLE)، وهي عملية مسح للنجوم أجرتها جامعة وارسو البولندية، اكتشفت 17 كوكبًا خارجيًا على الأقل منذ 1992، فحص الفريق مركز مجرة درب التبانة، بحثًا عن أدلة على وجود ظاهرة العدسة الميكروية.

في يونيو 2016، شهدوا أقصر حَدث لظاهرة العدسة الميكروية، يبعد النجم 27 ألف سنة ضوئية، في الجزء الأكثف من المجرة، وقد سطع مدة 42 دقيقة فقط. أظهرت الحسابات أن الكوكب لا يرتبط بأي نجم على مسافة 8 وحدات فلكية، أي 8 أضعاف متوسط المسافة بين الأرض والشمس، ما يؤكد أنه كوكب صغير خرج من نظامه الشمسي بسبب احتكاكه بجسم أكبر.

اعتمادًا على بُعد هذا الكوكب عن النجم المصدر، تتراوح كتلة هذا الكوكب حر المسار بين نصف كتلة الأرض وكتلة الأرض كاملةً، وهو أصغر كوكب حر المسار يُكتشَف حتى الآن، وهذا حدث مهم في علم تكوين الكواكب.

قال مروز: «توقعت نظريات تكوين الكواكب أن أكثر الكواكب الحرة لها كتلة تساوي كتلة الأرض أو أصغر، لكننا للمرة الأولى نرصد كوكبًا له هذه الكتلة المنخفضة. إنه لأمر مدهش حقًا أن تسمح لنا نظرية أينشتاين باكتشاف صخرة صغيرة طافية في المجرة».

قال المؤلف المشارك راديك بولسكي: «إن العديد من الكواكب الصخرية الصغيرة ستُرصد قريبًا». مشيرًا إلى أن التلسكوبات المستقبلية لكشف الكواكب، مثل تلسكوب نانسي جريس رومان التابع لناسا، المقرر إطلاقه في منتصف 2020، ستكون أكثر حساسيةً لظاهرة العدسة الميكروية مقارنةً بتجربة OGLE.

إذا كانت الكواكب حرة المسار بكتلة تقارب كتلة الأرض هي الأكثر شيوعًا في مجرتنا، فلن يمر وقت طويل حتى نرصد العديد منها.

اقرأ أيضًا:

ربما يبلغ عدد الكواكب الشبيهة بالأرض في مجرة درب التبانة 6 مليارات كوكب

أربعة أشياء غامضة رصدت في الفضاء العميق لا تشبه أي شيء رأيناه مسبقًا!

عدسة الجاذبية: موجز تاريخي

ترجمة: فادي جبارة

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر