توصل مجموعة من العلماء من جامعة ولاية أريزونا بعد سلسلة من التجارب التي أجروها على الجرذان أن للرحم تأثيرًا مهمًا في معالجة المعلومات في الذاكرة العاملة قصيرة الأمد، التي يتضمن عملها مهام معقدة مثل التعلم والمنطق والتنقل، ما يمثل تحديًا للاعتقاد السائد بأن وظيفة الرحم تقتصر على الحمل فقط.

قالت هيذر بيمونت نيلسون المؤلفة الرئيسية للبحث المنشور في مجلة (Endocrinology) «من المعلوم لدينا الارتباط بين عمل الدماغ والمبيض، بسبب التأثير المهم الذي يمارسه كل من البروجسترون والإستروجين في عمل أشياء مثل الذاكرة، لكننا نركز الآن على دور الرحم والمبيض في عمل الدماغ، لا المبيض وحده».

العثور على أدلة مفاجئة لدور الرحم في الإدراك لدى النساء - معالجة المعلومات في الذاكرة العاملة قصيرة الأمد - دور الرحم والمبيض في عمل الدماغ

تبين التقارير أن ثلث النساء يخضعن لعمليات استئصال رحم قبل سن الستين، وأكثر هذه الجراحات تحدث قبل سن انقطاع الطمث، وشملت الأسباب الأكثر لذلك: التليف وانتباذ بطانة الرحم وهبوط الرحم وفرط تنسج الرحم -ازدياد ثخانة نسيج الرحم ما يسبب نزيفًا حادًا- والسرطان، ويوصي الأطباء عادةً باستئصال الرحم عند النساء اللائي أنجبن أطفالًا، ومن لا يخططن للإنجاب، إذا كان ذلك يؤدي ذلك إلى تحسن نوعية الحياة لديهن، لاعتقادهم بعدم وجود وظيفة أخرى للرحم سوى الحمل.

نحو نصف النساء اللائي خضعن لاستئصال الرحم استُؤصلت المبايض لديهن أيضًا، والنصف الآخر احتفظن بمبايضهن، من المعروف أن المبايض -إضافةً إلى دورها في إنتاج البويضات- هي المصدر الرئيسي للإستروجين والبروجسترون في جسم الأنثى، إذ ينظمان الدورة الجنسية لديها، ويمارسان تأثيرًا واسعًا في الأعضاء والعمليات الفسيولوجية الأخرى في الجسم.

قسم الفريق في دراستهم الجرذان إلى أربع مجموعات، كل مجموعة تتألف من 14-15 جرذًا: مجموعة استُؤصلت لديها الأرحام، ومجموعة استُؤصلت لديها الأرحام والمبايض، ومجموعة لم تخضع لاستئصال، ومجموعة أُجريت جراحة زائفة لها، ما سمح بمعرفة الآثار الممكنة لفتح البطن جراحيًا والاستئصال الحقيقي للأعضاء.

متاهة مائية ثُمانية، تُستخدم لقياس الوظيفة الإدراكية لدى الجرذان

متاهة مائية ثُمانية، تُستخدم لقياس الوظيفة الإدراكية لدى الجرذان

وُضعت الجرذان في متاهة مائية بعد ستة أسابيع من الجراحة لتقييم فعالية ذاكرتها، تتألف تلك المتاهة من مركز يتفرع منه 8 ممرات، في نهاية 4 من هذه الممرات توجد منصات خفيّة تستطيع الجرذان أن تزحف خلالها، وعندما تعثر على المنصة تخرج من المتاهة، وتُعاد إليها مرةً أخرى لتعلم أماكن المنصات الأخرى، ومن ثم تُختبَر قدرة الجرذ على معرفة أماكن تلك المنصات.

كانت النتيجة التي توصل إليها الفريق مفاجئة، إذ وجدوا أن الجرذان التي استؤصلت أرحامها لم تستطع تذكر أماكن المنصات جيدًا مقارنةً بباقي المجموعات، في حين تبين وجود تقارب في نتائج المجموعات الأخرى، ما دفع الباحثين إلى استنتاج أن استئصال الرحم كان له تأثير ضار على مهام الذاكرة العاملة ، لكن بآلية غير معروفة يحمي استئصال المبيض الجرذان من الآثار الإدراكية لاستئصال الرحم.

لم يتوصل العلماء إلى وجود اختلاف في مهام الذاكرة المرجعية بين مجموعات الدراسة، لكنهم لاحظوا أن انقطاع الطمث الجراحي عند استئصال الرحم يؤثر كثيرًا في مجال عمل الذاكرة العاملة.

قرر الباحثون إعادة التجربة مستخدمين مجموعة جديدة من الجرذان، لأن النتائج كانت غير متوقعة، لكنهم حصلوا على نفس النتيجة، وفي تعليقها على ذلك قالت بيمونت: «إن النتيجة التي توصلنا إليها بعد إعادتنا للتجربة جعلتنا ندرك أننا أمام أمر مهم، لا يهم ما كنا نتوقع حدوثه، لأن جميع المعطيات تؤكد بقوة أن التأثيرات الإدراكية الناتجة عن استئصال الرحم لا يمكن إنكارها».

يأمل الفريق بعد هذا الاكتشاف المهم أن تُفتَح الآفاق أمام مزيد من الاستقصاءات والأبحاث لمعرفة الوظائف والأدوار التي يؤديها الرحم في الجسم.

اقرأ أيضًا:

الانتباذ البطاني الرحمي: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

الورم الليفي الرحمي

ترجمة: هادي سلمان قاجو

تدقيق: محمد أبو دف

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر