الكون بمجراته ونجومه وكواكبه وغباره الكوني وغازاته مليء بظواهر هائلة، منها الكتل الهائلة، والبنى الضخمة، والمميزات القصوى. في حين يحاول العلماء فهم كوننا، تبقى بعض الأسئلة الجوهرية حول طبيعة الكون دون إجابة: ما حجم الكون؟ وكيف انبثق إلى الوجود؟ استعصت إجابات هذه الأسئلة على العلماء مئات السنين، لكننا نقترب أكثر فأكثر من الإجابة على أحدها: ما مدى حرارة الكون؟

ما الحرارة الفعلية للكون؟

وجدت دراسة حديثة أن متوسط درجة حرارة الغازات الساخنة في البنى هائلة الحجم، متضمنةً المجرات والعناقيد المجرية، في الكون هو 2 مليون كلفن -أو 1999726.85 درجة مئوية- وفقًا لكاتب الدراسة ريو مكيا، العالم بمعهد كافلي للفيزياء والرياضيات الكونية، فإن هذه الغازات تشكل الجزء الأكبر من المادة المرئية في الكون.

لكن الأمر أعقد من ذلك، فالحرارة تختلف بين الأجسام في الكون، إذ تصل درجة الحرارة الداخلية للشمس إلى 15.7 مليون كلفن، ومع ذلك، فإن حرارة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي -الأثر الباقي من الانفجار العظيم- تبلغ 2.75 كلفن فقط.

كم كانت حرارة الكون عند الانفجار العظيم؟

يعتقد العلماء أن درجة حرارة الكون ربما كانت تقترب من اللا نهاية في لحظة الانفجار العظيم، ويقول كلود كانيزاريس، أستاذ الفيزياء التجريبية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «لدينا سبب وجيه للاعتقاد بأن الكون كان شديد الحرارة في أجزاء الثانية الأولى من الانفجار العظيم».

«على النقيض مما هو عليه الآن، ربما كان الكون متجانسًا تمامًا تقريبًا، ومكونًا من مزيج كوارك-غلون، الذي انبثقت منه البروتونات والنيوترونات مع توسع المزيج وتبرده».

هل تغيرت حرارة الكون بمرور الوقت؟

عندما بدأ الكون بالتوسع بسرعة بعد الانفجار العظيم قبل نحو 13.8 مليار سنة، انخفضت درجة حرارته بوضوح وتسارع كبير.

لكن، نظرًا إلى أن الكون أصبح أقل تجانسًا، وتمايز إلى البنى المعروفة في وقتنا الحالي، كالمجرات، تباينت درجات الحرارة بين أنحاء الكون، مثل انخفاض إشعاع الخلفية الكونية الميكروي من 10000 كلفن إلى 2.75 كلفن، وهي الدرجة المُقاسة حاليًا.

شكلت سحب الغاز المنهارة نجومًا ارتفعت حرارتها عندما بدأت التفاعلات النووية بالحدوث داخل النجوم.

ما الذي يدفع درجة حرارة الكون للتغير؟

انخفضت درجة حرارة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي مع انتشاره وتوسعه، لأن عملية التوسع تمدد الأطوال الموجية لفوتونات إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وترتبط الأطوال الموجية الأطول بطاقة أقل، ومن ثمّ بانخفاض درجة الحرارة.

لكن عملية التوسع تلك كوّنت مصدرًا جديدًا للحرارة، بسبب الجاذبية.

قد تساعد درجة حرارة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي في الكشف عن كيفية تغير درجة الحرارة في الكون بمرور الوقت

قد تساعد درجة حرارة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي في الكشف عن كيفية تغير درجة الحرارة في الكون بمرور الوقت

قال يي كوان تشيانج، المؤلف الرئيس للدراسة: «في حين يتطور الكون، تسحب الجاذبية المادة المظلمة والغاز معًا في الفضاء نحو مجرات وعناقيد مجرية، الجاذبية قوية جدًا لدرجة أن المزيد والمزيد من الغازات تصطدم وتزيد الحرارة».

يعتقد الباحثون أن هذه العملية كانت مسؤولة عن مضاعفة متوسط درجة حرارة الغازات الساخنة في الكون 3 مرات خلال 8 مليارات سنة مضت.

كيف يقيس الباحثون درجة حرارة الكون؟

يمكن قياس درجة حرارة الغازات الساخنة في البنى الضخمة في الكون بدراسة الانحرافات في الفوتونات التي تصل إلى الأرض من إشعاع الخلفية الكونية الميكروي.

عندما تمر الفوتونات عبر الغازات الساخنة، فإنها تمتص بعض الطاقة من تلك الغازات، ويمكن رصد هذا التغيير وقياسه، واستخدامه لحساب درجة حرارة الغازات. لكن هذا لا يطابق بالضرورة معرفة درجة حرارة كل شيء في الكون.

ماذا تخبرنا درجة الحرارة عن مستقبل الكون؟

تُعد دراسة درجة حرارة الكون جزءًا مهمًا من علم الكونيات، ويعمل علماء الكونيات على فهم منشأ الكون وكيفية تغيره بمرور الوقت، على أن اكتساب رؤى جديدة حول الأنظمة الحرارية الكونية يساعد الباحثين على اختبار النماذج الكونية وتطويرها، إذ إن تباينات درجات الحرارة قد تعلمنا شيئًا عن بنية الكون.

تصدر الحرارة من نوع من العمليات الفيزيائية المفعمة بالطاقة، وقد يساعد تقييم بيانات درجة الحرارة في سياق قوانين الفيزياء المعروفة الباحثين على تطوير نظريات تشرح بدقة أكبر كيفية عمل الكون.

اقرأ أيضًا:

دراسة جديدة تشرح كيف قد يحدث الانهيار الكوني

بعد بحث طويل، استطاع العلماء إيجاد الكتلة الكونية المفقودة

ترجمة: رولان جعفر

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر