تُعرف سلالة تشينغ باسم سلالة مانشو أو مانزو، وهي آخر سلالات الإمبراطورية الصينية، حكمت بين أعوام 1644 و1911/1912م، وتضاعف حجم الإمبراطورية الصينية في عهدها ثلاث مرات مقارنة بمساحتها تحت حكم سلالة مينغ التي حكمت بين عامي 1368 و1644، ازداد عدد السكان في فترة حكم السلالة أيضًا من 150 مليونًا إلى نحو 450 مليونًا وخضعت أقليات عديدة سكنت الإمبراطورية لعملية «التصيين» أي إضفاء الهوية الصينية عليهم، وأسست سلالة تشينغ اقتصادًا وطنيًا موحدًا أيضًا.

تاريخ سلالة تشينغ الصينية:

تأسست سلالة تشينغ سنة 1636 على أيدي المانشو لتوطيد حكمهم في منشوريا «شمال شرق الصين الحالية»، فلما حلت سنة 1644 سقطت العاصمة الصينية بكين بيد الثائر «لي زيتشنغ» فسارع مسؤولو سلالة مينغ الحاكمة -يائسين- إلى طلب المساعدة من المانشو، فاستغل هؤلاء الفرصة واستولوا على العاصمة وأسسوا سلالتهم الحاكمة في الصين متبنين شكل حكومة مينغ ومستمرين في تعيين الموظفين الذين خدموا سلالة مينغ من قبل، فركن الشعب الصيني إلى الهدوء.

حرصت سلالة تشينغ لضمان سيطرة المانشو على الإدارة على إبقاء نصف وظائف الدولة العليا بيد أفراد المانشو، ومنح قادة الجيش الصينيين الذين استسلموا ألقابًا نبيلة، ونُظِّمت قوات الجيش ضمن جيش الراية الخضراء «Luyinh» الذي انتشرت معسكراته في أنحاء الدولة ليحميها من الثورات المحلية، بينما احتُفِظ بقوات المانشو النظامية «Qibing أو Baqi» في العاصمة إضافة إلى نقاط قليلة -ذات أهمية استراتيجية- اختيرت بعناية عبر البلاد.

تولى الإمبراطور الثاني كانغ شي الحكم سنة 1661، وفي عهده أجبر المانشو الروس على ترك حصنهم في ألبازين الواقعة على الحدود المنشورية على نهر آمور، وفي سنة 1689 وُقِّعت معاهدة مع الروس في نيرتشيسك لترسيم الحدود فأصبحت حدود المانشو تمتد حتى نهر آرغون.

هُزِم مغول زونغار في الأربعين سنة التي تلت ذلك فتوسعت إمبراطورية تشينغ لتضم منغوليا الخارجية والتيبت وزونغاريا وتركستان ونيبال، وفي عهد الإمبراطورين يونغ زينغ (1722-1735) وكيان لونغ (1735-1796) استمر ازدهار التجارة وصناعات الحرف اليدوية، وازدهرت مهن الرسم والطباعة وصناعة الخزف وطُوِّر علم فقه اللغة، وسمح الإمبراطوران للمبشرين الكاثوليك بدخول البلاد حيث عوملوا بتسامح وعُيِّنوا فلكيين وفنانين.كل ما تود معرفته عن سلالة تشينغ الصينية - آخر سلالات الإمبراطورية الصينية - كيف ومتى تأسست سلالة تشينغ الحاكمة - الحكم الاقتصادي لسلالة تشنغ

لكن الأباطرة اللاحقين فشلوا في حل المشكلات الناتجة عن زيادة السكان وتركز ملكية الأراضي في أيدي القلة، فتدهورت أحوال جيوش المانشو واهتاج الشعب المنهك من الفيضانات العنيفة والمجاعة فاشتعلت ثورتا تايبينغ (1850-1864) في الجنوب ونيان (1853-1868) في الشمال.

لم تنجح جهود التحديث والسير على خطى الغرب بسبب معارضة الموظفين المحافظين، خاصة الإمبراطورة الأرملة تسيشي، وانتشر الفساد الإداري والعجز البيروقراطي مثل استخدام الأموال المخصصة لبناء أسطول بحري صيني في بناء سفينة حربية رخامية لتزيين القصر الإمبراطوري الصيفي خارج بكين.

إضافة إلى ذلك خسرت الصين حرب الأفيون الأولى (1839-1842) والحرب الأنجلو-فرنسية (1856-1858) والحرب مع اليابان (1894-1895)، وخسرت كذلك أمام ثورة الملاكمين (1900)، فنتج عن كل ذلك تنازل الصين عن امتيازات مهمة لصالح القوى الأجنبية.

بحلول سنة 1900 بدأت التجمعات الثورية بالتشكل في مختلف أنحاء الصين، وفي 10 أكتوبر 1911 انتصرت الثورة الجمهورية فعزلت الإمبراطور الصبي تشوان تونغ (المعروف ببوئي) ونقلت السلطة إلى حكومة جمهورية مؤقتة برئاسة يوان شيكاي.

الإنجازات الثقافية:

حاولت سلالة المانشو منذ بداية حكمها تبني الثقافة الصينية، الأمر الذي أدى إلى سلوكها -رسميًا- موقف المحافظ الكونفوشيوسي في المجالين السياسي والثقافي، فأنفقت وقتها في جمع تقاليد الماضي وتصنيفها والتعليق عليها، وانحدر مستوى الإبداع في الزخارف الفنية فأصبحت تكرارًا لما أنتجه الماضي مع أن تقنيات الفن وصلت إلى مستويات عالية خاصة فن نحت اليشم «أحد الأحجار الكريمة».

تميل معظم الآثار العمرانية الباقية إلى الضخامة الجامدة مع اهتمام شديد بالزخرفة والتنميق، أما أهم ما أنتجته تلك الحقبة في مجال الفن المرئي فهو الرسم وصناعة الخزف (البورسلين).

كان العديد من فناني سلالة تشينغ مبدعين متفردين في إنتاجهم رغم الاتجاه المحافظ السائد، ووفقًا لرأي ناقد فني ولد في فترة حكم سلالة مينغ السابقة وكان يدعى «دونغ تشيشانغ»، فإن رسامي حقبة تشينغ كانوا إما فنانين متفردين مثل «داوجي» و «زاو دا» أو تقليديين متشددين من أمثال «الأساتذة الستة الكبار من حقبة تشينغ المبكرة».

وُجِدَت في تلك الحقبة «مدارس» للرسم، وإن تشارك رسامو المدرسة الواحدة المنطقة الجغرافية أكثر من تشاركهم أسلوب الرسم، ومن هذه المدارس مدرسة «أساتذة آنهوي الأربعة» و«غريبو يانغستو الثمانية» و«أساتذة نانجينغ الثمانية»، وقد تشارك معظم الفنانين -رغم اختلافاتهم الواضحة- أسلوب الرسم الأدبي أو «وينرينهوا» الذي يركز على التعابير الشخصية أكثر من غيرها.

تميزت أعمال الخزف في عصر سلالة تشينغ بالحرفية العالية لدرجة أن أثر يد الخزاف في هذه الأعمال يكاد يكون غائبًا. وكان من ابتكارات هذه الحقبة تطوير حرفة التزجيج الملون، فاستُخدِم اللون الأحمر النحاسي الذي سماه الصينيون «الأحمر الناري» أو «jihong» وأطلق عليه الفرنسيون اسم «sang-de-boeuf» أو «دم الثور». وعُرِفَ نوعان للرسم الصيني على الخزف في أوروبا وهما «عائلة الخزف الأخضر» و«عائلة الخزف الوردي» نسبة إلى اللون الطاغي على كل منهما أي اللونين الأخضر والوردي.

تشابه الأدب في عهد سلالة تشينغ مع أدب سلالة مينغ السابقة إذ اتّبع الأساليب الكلاسيكية من حيث الشكل، وقد أطلق المانشو حملة تفتيش أدبي في القرن الثامن عشر للتخلص من الكتابات «الهدامة» فأتلفوا العديد من الأعمال المثيرة للشبهات وسجنوا كُتَّابها أو نفوهم أو حتى أعدموهم.

تطورت كتابة الروايات الرومانسية وروايات المغامرات باللغة العامية الصينية «vernacular»، تطورًا ملحوظًا، وزادت ترجمة الأعمال الأجنبية إلى اللغة الصينية زيادة كبيرة بعد فتح الموانئ الصينية أمام التجارة الدولية في منتصف القرن التاسع عشر.

أما في مجال الموسيقى، فقد كان أكثر التطورات وضوحًا في عهد سلالة تشينغ هو تطور موسيقى جينغشي «jingxi» أو «أوبرا بكين» التي شهدت تطورات تدريجية دامت عقودًا عديدة في نهاية القرن الثامن عشر. وقد اعتمدت موسيقى أوبرا بكين على توليفة من مقطوعات مسرحية مستوحاة من الموسيقى التراثية للعديد من المناطق الصينية واعتمدت اعتمادًا كبيرًا على كثير من الآلات الموسيقية المرافقة وأضافت آلات جديدة مثل الفلوت والعود والصنوج والطبول وآلة نفخ ثنائية القصبة والنواقيس التي صُمِّم أحد أنواعها ليعطي نغمة عالية سريعة فور النقر عليه ما يعطي نغمة «انزلاقية» أصبحت صفة ملازمة لهذا النوع من الموسيقى.

تضرب موسيقى جينغشي بجذورها في العديد من المناطق الصينية لكن ليس في بكين، وتعتمد على نغمات موسيقية أقل من غيرها لكنها تتكرر بكلمات غنائية مختلفة. ويُعتَقد أن هذه الموسيقى قد نالت مكانتها العالية في عهد أسرة تشينغ بفضل رعاية الإمبراطورة الأرملة «تسيشي» لها، مع أن هذا النوع من الموسيقى كان دومًا رائجًا بين عامة الشعب.

اقرأ أيضًا:

سبع حضارات مفقودة نسيها التاريخ دون آثار

متى بدأ استعمال النقود وكيف؟

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: وئام سليمان

المصدر